الفضيلة تنادي

مصطفى أحمد البيطار

مصطفى أحمد البيطار

[email protected]

كانت الفضيلة بين أهلها في ربيع عمرها تزهو مختالة يداعبها النسيم رخيًّا ناعشًا ، فتفوح من أثوابها رائحة العطر ، فينتشي الكون بشذاها ، ويرتشف أبناؤها وأحفادها رحيق الشهد من أزهارها وثمارها ، وفي مسارب الصحراء يتفيؤون ظلال واحاتها ، ويسرحون ويمرحون فوق روابي خمائلها ، ويسمرون بين رياض أشجارها . ياما كان أحلى فضائلها . ومرت السنون ، ودارت عجلة الزمن ، وعصفت الأعاصير ، وهبت الرياح من كل حَدَب وصوب ، حاملة الأوضار([1]) والرمال ، لتخفي بين طيات كثبانها أوراد الفضيلة ، وأريجها فطفقت أبحث عنها في خريف الحياة بين الآكام وحنايا الكهوف فلم أعثر عليها ، ثم تتبعت مساربها بين الروابي والسهول لعلي أتعلل برؤيتها . فوجدتها كوردة ذابلة أكمامها منزوية تحت أكداس أوراق الخريف التي عصفت بها الرياح . وفي خضم الحياة الزاخر بين الأمواج البشرية المتصارعة المتحاربة ؛ استوقفني فريق من دُعاة العولمة والتقدم ولكن إلى الدرك الأسفل ، يَدَّعُون الحضارة والمعرفة ، فوجدت أقزامًا يقلدون الغرب ، لا في اختراعاتهم وصناعاتهم ، بل في سفالاتهم وسفاهاتهم ، بعيدين كل البعد عن الرجولة والأصالة . يا للعجب يَصِل ويعلو كل خفيف فارغ ، ويسقط ويغوص كل ثقيل ممتلئ .

وفريق آخر من دعاة الحق مختلفون ، وفي تُرَّهَات الأمور منشغلون ، وكل حزب بما لديهم فرحون .

يا حكماء يا علماء يا مثقفون ؛ أتعلو الرذيلة على الفضيلة ؟ أيعلو الباطل وينتفش ، ويضمحل الحق وينكمش ؟ وهناك أنصار ودعاة ، وعلماء وقضاة ، ورعاع حفاة ، بين الأحياء يتطاولون ، وهم لتاريخهم يجهلون ، يتسابقون ويتدافعون ، على الدرهم والدينار يقتتلون ، هل اختلت الموازين بين الشدة واللين ؟ والجميع عن الحق معرضون ولأهوائهم عابدون …

﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ بلى ؛ كل ذلك نتيجة ما وصلنا إليه .

يا مسلمون ؛ قال الرياضيون : إن المستقيم هو الخط الواصل بين نقطتين وهو أقصر الطرق للوصول إلى الهدف المنشود ، وهذا دعاء المسلمين كل صلاة ﴿ اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ﴾ . لم ؛ ألا يصلون ؟! أم بالمغضوب عليهم والضالين يقتدون ؟ أم بربهم لا يثقون .

قال أهل العلم : كن فاضلاً ، واحرص على مكارم الأخلاق ؛ فهي السبيل إلى التقدم والرفعة تصل . فوجدت أهل السوء والرذيلة هم الذين يَصِلُون ، وعلى عرش القضاء جالسون ، وبين العباد يحكمون . والكثير من الأمة راضون !!!

يا أمة الإسلام ؛ زرع الأجداد الروض ، فأزهر وأينع ، فلم يقطفه أحد فذوى وجف . وزهدتم فيه ، فحصده الأعداء وأنتم لهم شاكرون . فزرعوا لكم الشوك ، فهرولتم فوقه تتعثرون ، وبحممهم تَصْطَلُون وإلى الآن لا ترعوون ، وما زلتم لما يخططونه لكم تنفذون ، وعن نُصرة الحق معرضون ، والسَّلامَ من أنيابهم تستجدون ، تبتغون العزة ومن غير معينها تشربون ، وغدًا سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

              

([1]) الأوضار : جمع وَضَر ، وهو وسخ الدسم واللبن ، أو غسالة السقاء والقصعة.