خواطر في بر الوالدين

والعقوق بمناسبة رمضان وقدوم العيد (1)

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

قال تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً (23) واخفض لهما جناح الذّلّ من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا "

 ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير } .  الأحقاف

من منّا بلا أولاد ؟ ومن منّا لا يُريد الصلاح لأولاده ؟ ومن منّا لا يرى العقوق من بعض من حوله ، خواطر في برّ الوالدين ومعلومات تمّ جمعها لتدلل على عظم معصية العقوق التي تُعتبر من الكبائر ، والتي لربما تكون من أسباب تأخر الفرج أو النصر أو رفع الضيق أو ما عليه النّاس من الغُمّة وتسلط الظلاّم و ما شابه ، ولذلك وددت أن أدلو بدلوي بهذا الخصوص ، آملاً أن يتوسع هذا الموضوع ليأخذ شكلاً تذكيرياً لأبنائنا وأيضاً لتقصيرنا مع أهالينا ، الذين حُرمنا من التواصل الصحيح معهم ، بفعل نظام القمع ، ولربما نرتكب أخطاءً وذنوباً لا نشعر بها ، وهي لو وضعت في ميزان الله لكانت كذنوب ملئ الأرض آثاماً ومنها على سبيل المثال عقوق الوالدين ، الذي قال فيهما تعالى "ولا تقل لهما أُفٍّ" ويُفسرها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنّه لو كان هناك أصغر من هذه الكلمة لقالها سبحانه ، ومنها عدم التواصل معهم مع القدرة لما فيه من القطع لصلة الأرحام ، وخاصةً فيما يتعلق بالوالدين

حيثُ قرن الله سبحانه العقوق بالشرك الذي هو أعظم الظلم ، تشبيهاً لمرتكب هذه الكبيرة بمن يجحد حقّ ربه بعبادته وطاعته وإتباع أمره بمّن هو سواه ، وهو الذي خلقنا وأعطانا وجعلنا في أحسن صورة وفضلنا على العالمين ، ثُم يأتي هذا العاصي لينسب الفضل لغيره ، أو يُسوّي الخالق بالمخلوق والعياذ بالله ، وكذلك هو أمر العقوق الذي تأتي مرتبته بعد الشرك ، حيثُ كثيراً ما نرى الاقتران في القرآن بين الأمر بعبادته واجتناب الشرك وبين الأمر ببرّ الوالدين ..وكبيرة العقوق جحوداً وظُلما ، لأنّ الوالدين كانوا سبباً لوجود الأبناء ثُمّ بعد ذلك قاموا على تربيتهم ورعايتهم إلى أن قوي عودهم ليعصوهم عند الكبر ، وفي هذا ظُلم كبير ولذلك وصف  النبي عليه الصلاة والسلام عقوق الوالدين بأنّه من أكبر الكبائر،وقرنه بالإشراك بالله عز وجل، وقد قال في هذا : (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟"ثلاثاً" : الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس وقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور)

والفارق بين عقوبة الشرك والعقوق ، أنّ الأُولى تخصّ الله سبحانه ، وهو قد يصبر على المُتجاوزين عليه كونه العزيز المُقتدر ، وفي أي ساعة يستطيع أن يُنزل عقابه على فاعلها  أو يؤجله ليوم التلاق أو يهديهم إلى الصراط المستقيم ، بينما في عقوق الوالدين فالله سبحانه يتصدّى للعاق فيُعجّل لصاحبه العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، لأنّ الوالدين لا يصبران ولا يقدران على تحمّل التطاول ، ولربما بهذا العقوق ما  قد يؤدي بحياة الوالدين ، أو جلب المضّرة الكبيرة لهما في عافيتهما ، وهما لا يستطيعان  ردّ الاعتداء لكبر سنّهما أو اعتبارات أُخرى ، وهنا يتكفل الله بالرد بالكيفية التي  فيها الإيلام الأشد ، ومنها عقوق أولاده له عند كبره، أو أصابته بالمصائب التي لا يقوم من أحدها حتّى يقع بالأُخرى ، أو يُرسل له مرضاً يشل حركته ليجعله عبرة للناس ، كما فعل مع الكثير من المُتجاوزين الذين كانوا عبرة  ، ومع ذلك فالكثير من الأبناء لا يتعظون .

ولربما الآيات التي أوردتها في المُقدمة هي اوضح دليل على ما أقول كقوله تعالى " وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ13 وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ14 وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" ، وهنا التوصية جاءت من الله بالوالدين وليست من لقمان بجملة اعتراضية ، لعظم أمر الوالدين عند الله   اللذان أمر الله بطاعتهما من غير معصية فيه ، وهذا لا يمنع الطاعة لهما حتّى وإن كانا مُشركين ، وحُسن مُصاحبتهما في الدنيا بالمعروف ، بالإحسان إليهما ، وتلبية طلباتهما ، وبرّ صديقهما ، والوفاء بعهدهما ، والمرجع والمآل في الختام الى الله الذي يعلم من أطاعه في العبادة وبما أمر به في المُعاملات والعبادات سرّاً وعلانية ، وهو يعلم ما تُخفي الصدور ، فيجازي المُحسن بإحسانه ، ويُجازي المُسيء بإساءته

والعقيدة والإيمان لا يكتملان إلا بصدق العمل ، فلا يكفي أن تعبد الله وتتوجه إليه ، بل لا بد أن تنظر فيما فرضه عليك ككل، وفيما كلفك به ، ولذلك يأتي قوله تعالى في هذه الآية "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمّا يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً (23) واخفض لهما جناح الذّلّ من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " 23، 24 الإسراء -ومعنى قضى : أي حكم في الشيء اللازم القيام به الذي لا نقص فيه ، بإخلاص العبادة له ومن ثُمّ الإحسان للوالدين أمراً ، وحُسن التعامل مع النّاس، وهذه العلاقة وردت في آيات كثيرة في القرآن دون فكاك عن بعضهما  ، وطاعة الوالدين في كبرهما أهمّه  ، لأنهما في حال شبابهما ليسا مظنّة الإهانة والإهمال كونهما في حال القوّة ، وكون الأولاد في هذا السن يتقربون للآباء ويتمنون رضاهما لينالوا خيرهما ، ولذلك قال في ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم " رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه قيل من يا رسول الله قال من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة ، وقد روى ابن عبّاس عن  النبي صلى الله عليه وسلم‏ أنه قال:‏ ‏(‏ من أمسى مرضياً لوالديه وأصبح أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان من الجنة وإن واحدا فواحدا‏.‏ ومن أمسى وأصبح مسخطا لوالديه أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان إلى النار وإن واحدا فواحدا‏)‏ فقال رجل‏:‏ يا رسول الله، وإن ظلماه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه‏)‏‏.‏

وحتّى التوجيه الإلهي في عدم قول " الأُف " على أي وضعيةٍ كانت مُراعاةً للحالة النفسية عند الوالدين ، وخاصة حال كبرهما ، وفيها توجيه للأبناء لكي يكونوا على قدر من الفطنة والذكاء والأدب والرفق مع الوالدين كي لا يُجرح إحساسهما ، أو شعورهما بالتمرد والخروج عليهما ، ونكران ما بذلوه من العطاء طوال السنين الماضية ، فما بالك بالزجر ، أو رفع الصوت أو ما هو أعظم من ذلك ، لاشك إنّه خروج عن تعاليم الله ، وسبب لنزول الكوارث والمصائب والتعاسة في الدنيا والشقاء في الآخرة وبئس المصير ، وبالتالي إن كان برّ الوالدين واجباً عليك في حال شبابهما وقوتهما ، فهو أوجب عند كبرهما وعجزهما ، أو حال مرضهما ، وحريٌ بنا أن نغتنم برّهما إرضاءً لله ، وسأكتفي بهذه الخاطرة إلى هنا ، لأورد بعض الآداب في نهايتها ، لأنقلها كما قيلت وهي :

1 – خاطب والديك بأدب ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما..

2 – أطع والديك دائما في غير معصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

3 – تلطف بوالديك ولا تعبس في وجههما. ولا تحدق النظر إليهما غاضبًا.

4 – حافظ على سمعة والديك وشرفهما ومالهما ولا تأخذ شيئًا دون إذنهما.

5 – أعمل ما يسرهما ولو من غير أمرهما، كالخدمة وشراء اللوازم والاجتهاد في طلب العلم.

6 – أجب نداءهما مسرعا بوجه مبتسم قائلاً : نعم يا أمي ونعم يا أبي.

7 – أكرم صديقهما وأقربائهما في حياتهما، وبعد موتهما.

8 – لا تجادلهما ولا تخطئهما وحاول بأدب أن تبين لهما الصواب.

9 – لا تعاندهما، لا ترفع صوتك عليهما وأنصت لحديثهما، وتأدب معهما، ولا تزعج أحد أخوتك إكراما لوالديك.

10 – انهض إلى والديك إذا دخلا عليك وقبل رأسيهما وأيديهما.

11 – ساعد أمك في البيت، ولا تتأخر عن مساعدة أبيك في عمله.

12 – لا تسافر إذا لم يأذنا لك ولو كان الأمر مهما.

13 – لا تدخل عليهما دون إذن لاسيما وقت نومهما وراحتهما.

14 – لا تتناول طعاما قبلهما، واكرمهما في الطعام والشراب.

15 – لا تكذب عليهما ولا تلمهما إذا عملا عملاً لا يعجبك.

16 – لا تفضل زوجتك أو ولدك عليهما، واطلب رضاهما قبل كل شيء، فرضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما.

17 – لا تجلس في مكان أعلى منهما، ولا تمد رجليك في حضرتهما.

18 – لا تتكبر في الانتساب إلى أبيك ولو كنت موظفاً كبيراً، وأحذر أن تنكر معروفهما أو تؤذيهما ولو بكلمة.

19 – لا تبخل بالنفقة على والديك حتى يشكواك، فهذا عار عليك، وسترى ذلك من أولادك فكما تدين تدان.

20 – أكثر من زيارة والديك وتقديم الهدايا لهما، واشكرهما على تربيتك وتعبهما عليك. واعتبر أولادك وما تقاسيه معهم.

21 – أحق الناس بالإكرام أمك ثم أبوك واعلم أن الجنة عند أقدام الأمهات.

22 – احذر عقوق الوالدين وغضبهما فتشقى في الدنيا والآخرة وسيعاملك أولادك بمثل ما تعامل به والديك.

23 – إذا طلبت شيئًا من والديك فتلطف بهما واشكرهما إن أعطياك ، وأعذرهما إن منعاك ، ولا تكثر طلباتك لئلا تزعجهما .

24 – إذا أصبحت قادرا على كسب الرزق فاعمل وساعد والديك.

25 – إن لوالديك عليك حقا ولزوجتك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، وحاول التوفيق بينهما إن اختلفا وقدم الهدايا للجانبين سراً.

26 – إذا اختصم أبواك مع زوجتك فكن حكيما وافهم زوجتك أنك معها إن كان الحق بجانبها وأنك مضطر لترضيتهما.

27 – إذا اختلفت مع أبويك في الزواج والطلاق فاحتكموا إلى الشرع فهو خير عون لكم.

28 – دعاء الوالدين مستجاب بالخير والشر، فاحذر دعائهما بالشر.

29 – تأدب مع الناس فمن سب الناس سبوه قال صلى الله عليه وسلم (من الكبائر شتم الرجل والديه. يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه) متفق عليه.

30 – زر والديك في حياتهما وبعد موتهما، وتصدق عنهما وأكثر من الدعاء لهما قائلاً: رب اغفر لي ولوالدي، رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا.