ليت الشباب يعود
لبنى شرف / الأردن
بكيت على الشباب يوماً و ليس ينفع البكاء و لا النحيبُ
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ
لماذا يتمنى كبار السن أن يعود إليهم شبابهم ؟ ألأنهم قصروا زمن الشباب في الطاعات ، و كانوا منغمسين في الشهوات ، فندموا على ما فات ؟ أم لأنهم يتمنون قوة الشباب ليزدادوا من الطاعات و فعل الخيرات ، كالشهيد الذي يتمنى أن يعود للأرض لا ليتمتع بمتاعها الزائل و الفاني ، و لكن ليقتل في سبيل الله مرة أخرى ؟ .
إن للمؤمن نوراً و بهاءً في كبره ، فهذا النور في وجهه ، و هذا الوقار ، و هذه الذاكرة ، و هذا العقل الذي لم يصب بالخرف لحفظه للقرآن و طلبه للعلم ..
العلم بلغ قوماً ذرورة الشرف و صاحب العلم محفوظ من الخرف
و هذه القوة و الصحة التي حفظها الله عليه في كِبَرِه ، و ما هذا إلا لأنه حفظ جوارحه و قوته عن المعاصي و المحرمات في صغره ، و عاش في طاعة ربه ، و من يحفظ الله يحفظه .
كان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة و هو ممتع بقوته و عقله ، فوثب يوماً وثبة شديدة ، فعوتب في ذلك ، فقال : (( هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر )) .
سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم - : من خير الناس ؟ قال : " من طال عمره و حسن عمله " [ صحيح ، الألباني صحيح الترمذي : 2329 ] ، و قال : " من شاب شيبة في سبيل الله ( و في رواية : في الإسلام ) كانت له نوراً يوم القيامة " [ صحيح ، الألباني صحيح الترمذي : 1634 , 1635 ] .
فلا يعيب المؤمن شيب رأسه ، فإنما هو له نور و وقار ، و إنما يعيبه شيب همته ، و جلوسه في داره دون حراك ينتظر الموت !! ..
ما شاب عزمي و لا حزمي و لا خلقي و لا ولائي و لا ديني و لا كرمي
و إنما اغتاظ شعري غير صبغته و الشيب في الشعر غير الشيب في الهمم
أريد أن أشير هنا إلى مصطلح قد شاع استخدامه بين المسلمين ، و هو مصطلح " سن اليأس " عند النساء ، أنا أرى بأن هذا المصطلح لابد من أن يُلغى من قاموس النساء أو أن يُقَيَّدَ ، فلا يبقى على إطلاقه ، لأنه يُشيع اليأس و الإحباط في نفوس النساء ، فنقول " سن اليأس من المحيض " ، فإنما هو يأس من المحيض فقط ، و ليس يأساً من الحياة و العطاء و التغيير ، بل إنني أرى بأن المرأة المسلمة لابد أن يكون عطاؤها متميزاً في هذه المرحلة و في هذا السن ، فقد أصبح لديها متسعاً من الوقت لم يكن متاحاً لها من قبل ، فأولادها كبروا ، عدا عن أنها تتمتع بعقل قد صقلته التجارب ، و أمّا إن كانت من محبي مطالعة الكتب ، أو من طلاب العلم ، فإن هذا يؤهلها فعلاً لأن يكون عطاؤها عطاءً متميزاً ، و أن تُفتح أمامها آفاق و آفاق ..
قرب الرحيل إلى ديار الآخرة فاجعل إلهي خير عمري آخره
فلئن رحمت فأنت أكرم راحم و بحار جودك يا إلهي زاخرة
اللهم اجعل أوسع أرزاقنا عند كبرنا ، و اجعل خير أعمارنا آخرها ، و متعنا اللهم بأسماعنا و أبصارنا و قوّاتنا أبداً ما أحييتنا ، و اجعله الوارث منا ..... اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين ..