جاء الربيع...
شمس الدين مطعون
انظر .. إنك ترى أسراب الطيور قد عادت من هجرتها، والغيوم عادت إلى مكامنها، والسماء صافية وصوت خرير الماء يسمع جيدا ....
لكن لا رائحة للربيع .. فلا عطور آزهاره تفوح، ولا زقزقة عصافيره تسمع ... والوردة لا تستطيع الوقوف لأنها كلما نهضت أخمدتها قذائف تنهال في كل لحظة وثانية ، ناشرة رائحة الموت والدماء وراسمة لوحة المأساة والمعاناة
والطفل لا يستطيع اللعب فهو لا يقدر على الحراك لأنه لايجد مايسد جوعته ، فالحصار مطبق والعدو غاشم لايعرف الحياة ولايدرك من جمالها شيئا إلا بقاءه حتى وإن مات الجميع
ولكننا عرفنا معنى الحياة،وأدركنا جمالها
كرر النظر مرة أخرى وحملق جيدا إلى السماء تراها راسمة صورا وذكريات وترى الشمس كضحكة كبيرة تزين هذه الصور وهذه الذكريات
وصوت الطفل لا يخفت فقد أحب اللعب والمرح إنه لم يعد يأبه لصوت المدافع وصفير الطائرات
وترى القطط اختبأت بين الركام وشظايا الحارات تتناغى ولا تنسى شباط من كل سنة ففطرة الحياة لا تنكسر
انظر معي جيدا فإن لنا في اليوم آلاف الصور من الجمال وآيات البهاء ... هذا غصن الريحان يهتز من نسمة هواء أو من هزة انفجار ناشرا رائحة زاكية لامثيل لها في أسواق باريس
وركوة القهوة على الجمر وصوت النار وقرقعة غلي البن ومذاقه عند أول قطرة ندى
كل ذلك يحرك الفؤاد ويرقص القلب حتى وإن أمضه ألم الحرب وأتعبته مآسي الحياة
أجل جاء الربيع والجرح مايزال ينزف والمعتقل مازال في زنزانته، و نحن مرابطون على الثغور وصامدون على جبهات القتال
ودماء الجراح زينة ، واللون الأحمر تفاؤل وفرح، وخيوط الشمس من نافذة الزنزانة الصغيرة آية أخرى للجمال ترسم فجرا قريبا يلوح في ذهن الصامد بين متر ونصف المتر وقيود الظلم على معصميه
والغصن الأخضر يخرج من حطام بيت وبقايا مدرسة يوعز بأن غدا مشرقا سيزورنا
إن قطعت عنا جميع سبل الحياة ..نخيط حياة جديدة ونرى في العتم ألف طريق .. نطبخ على قدر الفخار في الهواء العليل .. ونزيح حطام البيت ونزرع الأرض مكانه قمحا .. ونوقد من بقايا صاروخ لم ينفجر .. ونسهر على ضوء القمر وجمال النجوم
وماؤنا ماء السماء وقطر الندى ، على وردة في زاوية الطريق ..حياتنا سنعيشها .. ربيعها وصيفها ..شتائها وخريفها ... والآن جاء الربيع.