خواطر من الكون المجاور ..الخاطرة 60 : حقيقة عالم الجن
26تشرين22015
ز.سانا
هناك طفل عندما يأتي الليل ويحين موعد النوم يذهب إلى غرفته ويغلق الباب خلفه ويستلقي على فراشه ويطفئ النور ويذهب في سبات عميق، وهناك طفل آخر لا يستطيع أن ينام إلا ومعه أشخاص آخرين في الغرفة ، ﻷنه يعتقد أن هناك جن أو أشباح شريرة ستظهر له بعد إطفاء النور وحلول الظلام في الغرفة ، هذا اﻹحساس بالخوف لا ينطبق فقط على اﻷطفال ولكن على بعض الكبار أيضا ، ويزداد بشدة خاصة بعد رؤية فيلم مرعب أو بعد سماع قصص عن الجن أوالشياطين أواﻷرواح الشريرة.
في العصور اﻷوربية الوسطى عندما كانت شعوبها تعيش في ظلام التخلف العلمي والخرافات كانت مواضيع الجن والعفاريت تشغل فكر معظم أفراد المجتمع ، ولكن مع إزدهار عصر النهضة وتطور العلوم ، شيئا فشيء راحت تختفي هذه القصص ، وأصبح موضوع الجن واﻷرواح واﻷشباح موضوع يخص فقط البسطاء من الطبقة الدينية ، أما بالنسبة لأولئك الذين لا يؤمنون بوجود الله، فمثل هذه المواضيع بالنسبة لهم أصبحت تعتبر نوع من الخرافات التي إخترعها رجال الدين ليستطيعوا السيطرة على عقول المؤمنين ، فالعلمانيون لا يؤمنون بمثل هذه المواضيع ﻷنها حسب رأيهم أشياء غير واقعية فهم طوال حياتهم لم يشعروا ولو للحظة واحدة بوجود جن أو أرواح شريرة حولهم. في الدول العربية وعموما في الدول اﻹسلامية نجد هناك مناطق كثيرة تؤمن إيمان راسخ جدا بمثل هذه المواضيع الجن واﻷشباح ، لذلك نجد أنه في أماكن كثيرة توجد فيها أناس متخصصين بهذه المواضيع ومهنتهم تتمثل بحماية اﻷشخاص من الجن والمس الشيطاني وما شابه ذلك. ومثل هذه المهن في تلك المناطق تحقق أرباح طائلة أكبر بكثير من راتب أستاذ جامعة أو طبيب. والسؤال الذي ينتج من هذه الوقائع التي ذكرتها هو : ما هي الحقيقة هنا ،هل حقا الجن واﻷشباح يظهرون فقط على أولئك الذين يؤمنون بالله ؟ لماذا لا تظهر أيضا للعلمانيين ،فكما هو واضح في الواقع أن المناطق السكنية التي أفرادها ذوي اﻹيمان الضعيف أو الذين لا يؤمنون نهائيا بوجود الله نجد أنه لا أحد منهم يتكلم عن الجن ﻷنهم فعلا لا يشعرون ابدا بوجود مثل هذه المخلوقات حولهم كي يذكروا عنها قصصا وأحداثا غريبة . أما في المناطق التي يسيطر عليها الدين في الدرجة اﻷولى فنجد أن مثل هذه المواضيع تشغل فكرهم كثيرا وتلعب دورا في سلوكهم وطريقة حياتهم. وكأنه فعلا هناك عالم من الجن يحيط بهم ، فنسمع أن أحدهم مخاوي أي أنه يجتمع بالجن ويتكلم معهم وآخر أنه قد تزوج من جنية ، وآخر بأن أحد الجان يمنعه من الدراسة ، أو من إنجاب اﻷطفال ، أو أن الجن تريد أن تفرقه عن زوجته غصبا عنه ، ونسمع أيضا أن شخص مسه الجن أو الشيطان ، أي أنه دخل في جسمه وجعله يتكلم بصورة غريبة بعيدة عن المنطق. فهل من المعقول أن اﻹيمان بالله يسهل خروج الجن في المناطق التي يسيطر الدين على سلوك أفرادها ، وأن عدم اﻹيمان بالله يجعل الجن والشياطين واﻷرواح الشريرة تختفي نهائيا من المناطق التي لا تهتم بإمور الدين؟ كيف يحدث مثل هذا النوع من التناقض الواقعي ؟ فمن جهة يقول الدين أن اﻹيمان بالله هو الذي يحمي المؤمن من هذه المخلوقات ويطردها بعيدا عنهم ، ومن جهة أخرى نجد أن مثل هذه المخلوقات لا تظهر نهائيا على الملحدين أو على ضعيفي اﻹيمان ؟ هذه هي حقيقة واقعية لا يمكن إنكارها ، ففي المجتمع المتدين نجد معظم أفراده يؤمنون بوجود عالم الجن والشياطين ، أما في المجتمع الذي لا يهمه الدين أو لا يؤمن بوجود الله فنجد أفراده لا يؤمنون نهائيا بوجود عالم الجن والشياطين. فكيف يحدث هذا ؟ الجواب على هذا السؤال مبدئيا هو أن علماء الدين هم أنفسهم لم يفهموا جيدا معنى الجن ومعنى الشيطان. فالملحد والذي يستخدم الرؤية المادية فقط لن يرى أو يشعر بوجود عالم الجن نهائيا والسبب هو أن كلمة الجن هي مصطلح روحي ، ومثل هذه المصطلحات لها معاني روحية لا يمكن أن نفهمها إلا بوجود إدراك روحي لما يجري حولنا ، ﻷن عالم الجن كمفهومه المعروف عند عامة الشعب هو عالم خرافي ليس له أي وجود. قد يعترض العديد من القراء على هذه الفكرة ، فيقول كيف تنكر وجود الجن والشياطين على الرغم من أن جميع الكتب المقدسة تؤكد وجود هذه المخلوقات؟ نعم هذا صحيح الكتب المقدسة تذكر الجن والشياطين ،ولكن أيضا يجب أن نبحث عن سبب عدم إحساس العلمانيين نهائيا بوجود هذا النوع من المخلوقات حولهم ، فهذه حقيقة لا يمكن إنكارها ، فطالما أنهم هم الكفار فهذا يعني أنهم هم من يجب أن يشعروا بعالم الجن والشياطين من حولهم أكثر بكثير من الذين يؤمنون بالله .ولكن نجد هنا أنه يحدث العكس تماما. لذلك فإن بقاء تفسير مصطلح كلمة الجن وكلمة االشيطان المذكورة في الكتب المقدسة بشكلها المعروف حتى اﻵن سيجعل هؤلاء العلمانيين يبتعدون عن الكتب المقدسة أكثر فأكثر ، فهم حقا لم يروا أو يشعروا بوجود مثل هذه المخلوقات نهائيا فكيف نستطيع إقناعم بشيء غير موجود بالنسبة لهم ولا يؤثر نهائيا على سلوك حياتهم ، لا سلبيا ولا إيجابيا ، بينما نجد أن العكس يحصل تماما في المجتمعات التي تؤمن بوجود الله حيث نجد تأثير اﻹيمان بفكرة وجود عالم الجن قد كانت له آثار سلبية كثيرة في حياة أفراد هذه المجتمعات. لذلك ليس من المعقول أن تتكلم الكتب المقدسة عن أشياء غير حقيقية لتؤثر على سلوك اﻹنسان بشكل سلبي حيث في كثير من اﻷحيان يؤدي إلى تدمير حياته ، لذلك لا بد من وجود تفسير آخر لهذه المصطلحات الدينية بشكل يختلف نهائيا عن التفسيرات المعروفة لعامة الناس. إذا بحثنا في الكتب والمقالات والبرامج التلفزيونية العربية المعروضة في النت عن مواضيع مفهوم الجن والعفاريت واﻷشباح وما غير ذلك ، سنجد تناقضاً غريباً وعجيباً في الآراء ، فنجد أن آراء علماء الشريعة والذين معظمهم أساتذة في كليات الشريعة ، فرغم أنهم جميعا يستندون في إثبات صحة آرائهم من اﻵيات القرآنية واﻷحاديث الشريفة ،ولكن نجد تعارض في هذه اﻵراء في تفسير حقيقة الجن ، فبعضهم يؤكد على أنه لا يوجد عالم خاص بالجن كما يفهمه عامة الناس ولكن الجن نفسه هو فقط عبارة عن الوسوسة التي تظهر في ذهن اﻹنسان ليقوم بإرتكاب اﻷخطاء والفواحش، فوجود الجن بالنسبة لهؤلاء العلماء محصور بهذا الشكل فقط لا أكثر ولا أقل أي أن رأيهم عن الجن مقارب من رأي العلمانيين ، وهناك فئة أخرى من العلماء يؤمنون تماما بأن الجن هم مخلوقات لها عالم قائم بذاته يختلف عن عالم اﻹنسان ،ولكن رغم ذلك فهذه المخلوقات لا تستطيع التدخل في حياة اﻹنسان لتتلاعب بسلوكه كما تشاء إلا إذا كان هذا الشخص ضعيف اﻹيمان. لذلك فاﻹنسان يستطيع أن يطرد هذه المخلوقات بسهولة وذلك عن طريق ذكر بعض الآيات من الكتاب المقدس. وهناك فئة أخرى والتي يطلق عليها علماء الشريعة فئة ( المشعوذين والدجالين) والذين يقصون قصص خيالية عجيبة عن الجن والشياطين ليؤكدوا أن الجن هي مخلوقات خارقة تستطيع أن تفعل بنا ما تشاء ، فهي تستطيع مثلا أن تمس شخص ما فتحول حياته إلى جحيم ، لذلك فحسب رأيهم في هذه الحالة لا بد من جلب هذا الشخص الذي مسه الجن إلى أشخاص مختصين معروفين بإسم ( الرقاة ) لهم خبرة في التعامل مع هذه المخلوقات ومن خلال القراءة واﻷدعية يستطيعون فيها طرد تلك الأرواح الشريرة التي دخلت جسم المريض. من يذهب ويبحث في الكتب والمقالات والبرامج الموجودة في النت بخصوص هذا الموضوع سيصل كل شخص إلى مرحلة أن يصدق ما يريده هو نفسه تصديقه ، فإذا كان لا يؤمن بوجود عالم الجن فلن يؤمن ، وإذا كان يؤمن فسيؤمن أكثر ، فجميع تلك المقالات والبرامج التلفزيونية في النت التي قرأها أو شاهدها ستجعله يتمسك في إعتقاده الذي كان عليه قبل قرآته لها ، فكل فئة من الفئات الثلاثة التي ذكرناها نجدها تقدم إثباتات قوية وكافية لتجعل كل شخص يصدق الفئة التي يريد هو نفسه أن تكون الصحيحة. وللأسف هذه هي أكبر مشكلة في عصرنا الحاضر ، فالمنهج العلمي الحديث الذي يعتمد على المنطق المادي في البحث ساهم في إحداث إنفصال كامل بين العلوم الروحية والعلوم المادية. فجعل كل اﻹثباتات الضعيفة تبدو وكأنها إثباتات قوية كافية لتجعل القارئ يتمسك أكثر بآرائه التي تناسبه هو . لذلك في هذه المقالة سنبحث في مثل هذا النوع من المواضيع والتي تتعلق بالسلوك الروحي للإنسان أو بشكل عام بالعالم الروحي عن طريق إستخدام منطق مختلف يستطيع توحيد العلوم الروحية مع العلوم المادية لنحصل على رؤية شاملة لجميع زوايا هذا الموضوع ، فرأي الملحدين عن هذا الموضوع كما ينظرون هم إليه فيه بعض الصواب ، ولكن أيضا رأي علماء الدين أيضا كما ينظرون هم إلى هذه الموضوع فيه أيضا بعض الصواب. فالكتب المقدسة تشرح بوضوح موضوع عالم الجن وإذا بحثنا جيدا سنجد أن مصطلح الجن كما هو مستخدم في الكتب المقدسة له معنى رمزي وليس حرفي كما يفهمه العامة من الناس ، وأفضل مثال على هذه الفكرة هي قصة حياة سليمان ، فالقرآن يذكر أن الجن هم من قاموا ببناء معبد سليمان ، بينما الكتب المقدسة في الديانة اليهودية والمسيحية تذكر ان الذين بنوا هذا المعبد كانوا بشر عاديين يعملون في البناء . لذلك اليهود والمسيحيون يؤمنون بأن القرآن قد قام بتحريف قصة سليمان. ولكن الحقيقة هي أنه لا يوجد أي تحريف لحادثة بناء معبد سليمان ولكن هناك نظرتين من زوايا مختلفة ، القرآن يذكر النظرة الروحية للحادثة ، بينما سفر الملوك اﻷول ينظر إلى الحادثة من زاوية مادية يشرح ما حصل بشكل حرفي . أي كما سترى عين اﻹنسان العادي لما حصل أثناء بناء الهيكل. فاﻹنسان عندما تكون مسؤوليته تحقيق عمل مادي عندها يكون هو نفسه جن. فعندما يخاطب الله في قوله ( يا معشر اﻹنس والجن ) هنا لا يعني أنه يخاطب الناس ومخلوقات أخرى ولكن المقصود هو عالم الناس فقط. لنتابع الشرح لتتوضح هذه الفكرة بشكل أفضل. في المقالة الماضية التي تحمل عنوان (القرين بين الحقيقة والدجل ) شرحنا معنى القرين بشكل عام ، وقلنا أن لكل إنسان قرين والمقصود به أنه القسم المادي من نفس اﻹنسان ، فاﻹنسان ككائن حي يختلف في تكوينه عن جميع الكائنات اﻷخرى ﻷن اﻹنسان له حاجات روحية وحاجات مادية يسعى إلى تحقيقها في حياته ، أما الكائنات الحيوانية فلها فقط حاجات مادية فهي بدون قرين ،لذلك الحيوانات يمكن إعتبارها نوع من أنواع الجن . والسبب هو أنها كائنات مادية ، فالقرين الموجود في اﻹنسان هو القسم الذي يحمل مسؤولية تحقيق الحاجات المادية التي يحتاجها . ويمكن رؤية ذلك بوضوح في طريقة عمل دماغ اﻹنسان حيث نجد ان دماغ الإنسان يتألف من قسمين متناظرين أفقيا ( الصورة )، القسم الأيمن وهو المسؤول عن العواطف واﻹحساسات الروحية ، أما القسم الأيسر فهو المسؤول عن الأفكار العقلانية المادية ، فالقسم الأيسر في الدماغ هو قرين القسم الأيمن ﻷن اﻹنسان ككائن حي هو كائن روحي أصلا والقسم الأيمن من الدماغ هو اﻷصل في عمل دماغ اﻹنسان وهو المسؤول عن الشعور بالقيم السامية واﻷخلاق الحميدة . فمعنى كلمة القرين هنا هو القسم المسؤول عن اﻹحساسات المادية في اﻹنسان عندما يكون بشكله السليم ، أي أنه عندما يقوم بوظيفته المسؤولة عن تحقيق الحاجات المادية لتساعد القسم الأيمن في تحقيق الحاجات الروحية ليستطيع اﻹنسان تطوير نفسه وتحسين سلوكه ليكون فردا صالحا في المجتمع. أو بكلام أعمق ليستطيع اﻹنسان أن يصبح كائنا كاملا مناسبا للعودة إلى الجنة ليعيش فيها. ولكن في اﻹنسان عدا عن وجود تناظر أفقي يقسمه إلى قسمين ، يميني ( روحي ) ويساري ( مادي ) ، يوجد أيضا تناظر شاقولي يقسمه أيضا إلى قسمين : علوي وسفلي ( الصورة ). القسم العلوي يتألف من الرأس واليدين ، وهو يمثل الكائن الروحي ، أما القسم السفلي الذي يتألف من جسم اﻹنسان وأطرافه السفلى فهو يمثل الكائن المادي ، فعندما نتكلم عن تناظر الأفقي ( يمين - يسار ) عندها النظير الأيسر يسمى قرين ، أما عندما نتكلم عن التناظر الشاقولي ( علوي - سفلي ) عندها النظير السفلي يسمى قرين من الجن. الحكمة اﻹلهية أعطت دليل على صحة هذه الفكرة، فنجد أن قرين موسى عليه الصلاة والسلام كان أخوه هارون ، حيث إسم هارون له معنى ذكر القط الكبير وهو رمز للأسد. فموسى وهارون معا كانا يمثلان كائن كامل مشابه لتمثال أبو الهول وهو كائن رمزي يمثل الكائن الكامل رأسه رأس إنسان ويمثل الوعي الروحي وجسده جسد أسد ويمثل القوة المادية ، فموسى يمثل الكمال الروحي ( رأس اﻹنسان ) أما هارون فيمثل الكمال المادي ( جسد اﻷسد ) ،هذا الكائن الكامل هو الذي ذهب ليواجه فرعون وينتصر عليه. وفي الديانة المسيحية نجد أيضا نفس الفكرة ، فالنبي يحيى الذي يمثل قرين عيسى عليهما الصلاة والسلام ، إسمه في اللغات اﻷجنبية جان.ومصدر هذا اﻹسم من مصطلح الجن. وهذه التسمية ليست صدفة ولكن دليل إلهي يساعد في فهم المعنى الحقيقي لمصطلح الجن. أي أن عيسى هو رمز الرأس ( اﻹنس ) ويحيى هو رمز الجسم ( الجن ). الجسم ( القسم السفلي) في اﻹنسان يحوي على اﻷجهزة المسؤولة عن دوران الدم والهضم والتنفس واﻹطراح والتناسل. فعندما يكون عمل هذه اﻷجهزة تحت سيطرة القسم العلوي في اﻹنسان ليستطيع تطويره نموه الروحي والمادي ليكتسب اﻷخلاق الحميدة والصفات السامية والشكل السليم عندها الجن في اﻹنسان يعتبر جن صالح وفي هذه الحالة يكون القلب هو رأس هذا الجن ، وعندها يكون اﻹنسان هو الذي يسيطر على سلوكه ومصيره. أما عندما يكون أسفل الجسم ( اﻷعضاء التناسلية ) هو رأس هذا القرين الجني، عندها يكون هذا الجن كائن روح سوء فيتحول إلى قرين شيطاني، فالشيطان يظهر كنظير للإنسان كفكرة وليس ككائن منفصل ، عندما يستطيع الكائن السفلي السيطرة على الكائن العلوي فإنه يؤدي إلى تحول اﻹنسان إلى كائن فاسق لا يهمه في حياته سوى تحقيق إشباع شهواته المادية والتي تشمل الشهوة الجنسية وجمع المال والوصول إلى المجد بأي طريقة كانت وذلك فقط ليثبت للآخرين أن روح السوء في اﻹنسان قد إنتصرت عل روح الخير. الحكمة اﻹلهية في الديانة المسيحية أعطت أعور الدجال رمز يعبر تماما عن هذه الفكرة ، فرمز أعور الدجال في الديانة المسيحية هو الرقم 666 وكما شرحنا في الخاطرة 57 والخاطرة 33 أن هذا الرمز يمثل شكل الحشرة ، والديانة اليهودية تؤكد على صحة هذا التشبيه حيث أعور الدجال في الديانة اليهودية يسمى بعلزبول ويمثل ملك الذباب أي ملك الحشرات ، وهذا التشبيه ليس تشبيها عفوي ولكنه يفسر لنا حقائق علمية لم ينتبه لها العلماء حتى اليوم. ففي الحشرات نجد أن تكوين الجهاز العصبي ( الصورة ) يختلف عن تكوين الجهاز العصبي في الفقاريات ، فالجهاز العصبي في اﻹنسان يتألف من دماغ وعصب شوكي، حيث جميع حركات الجسم تقع تحت سيطرة الدماغ الموجود في الرأس (الكائن العلوي ) حيث هناك يتم التحليل والبحث. أما في الحشرات فاﻷمر يختلف ، حيث نجد أن دماغ الحشرة بسيط ،بينما نجد أنه على الحبل العصبي الممتد عل طول الجسم يوجد عقد عصبية تعمل كأدمغة إضافية بسيطة ، أي أنها لا تأخذ أوامرها من دماغ الرأس ﻷن عملية التحليل والبحث تحدث مباشرة في هذه العقد الموجودة على طول الجسم. هذا النوع من التركيب في الجهاز العصبي في الحشرات هو علامة إلهية تشرح الفرق بين سلوك اﻹنسان المؤمن الذي يقع سلوكه ومصيره تحت سيطرة الدماغ الموجود في الكائن العلوي ، وبين سلوك أعور الدجال الذي يتبع أوامر الأجهزة الموجودة في الكائن السفلي تماما كما يحصل في الجهاز العصبي للحشرات ، فيسعى بكل ما يستطيع لتحقيق شهواته الجنسية والمادية دون ان يسمح لدماغه أن يحاسبه على ما يفعله من سوء، سواء بإتجاه نفسه أو بإتجاه اﻵخرين. لذلك فكلمة مجنون تحمل داخلها هذا المعنى فهذه الكلمة مصدرها كلمة (جن ) أي المقصود هنا أن اﻹنسان يصل إلى الجنون عندما الجن الذي يمثل الكائن السفلي يضع ستار على دماغ اﻹنسان ويمنعه عن العمل ، فتصبح تصرفات اﻹنسان عشوائية غير منطقية بدون أي غاية أو هدف. الحكمة اﻹلهية في تسمية الكواكب في اللغة العربية ( لغة القرآن ) واللغة اليونانية ( لغة اﻹنجيل ) أيضا توضح لنا عمليات التناظر التي ذكرناها، فكما ذكرنا في الخاطرة الماضية عن وجود علاقة تناظر بين القيمة الرقمية ﻹسم (محمد 358) وإسم ( علي 853 ) وأن هذا التناظر هو علامة إلهية تدل على أن اﻹمام علي رضي الله عنه هو قرين الرسول صلى الله عليه وسلم ، أيضا نجد علاقة تناظر في الكواكب الثلاثة اﻷولى التي تمثل رموز شخصيات قصة الخلق المذكورة في الكتب المقدسة ،حيث الكوكب اﻷول (عطارد- آدم ) والكوكب الثاني (الزهرة - حواء ) والكوكب الثالث ( اﻷرض - الشيطان ). أيضا في هذه اﻷسماء نجد تناظر أفقي وتناظر شاقولي يؤكد تماما عن معنى القرين ومعنى الشيطان بالنسبة لتكوين اﻹنسان. القيمة الرقمية ﻹسم عطارد بنظام الكابالا العربية هو : ع (171 ) + ط (136) + ا (1) + ر (55) + د ( 36 ) = 399 القيمة الرقمية لإسم كوكب الزهرة في نظام الكابالا اليونانية هو : Α ( 1) + Φ (500) +Ρ (100) + Ο (70) + Δ (4) +Ι (10) +Τ(300) +Η (8) = 993 حيث القيمة الرقمية لكوكب الزهرة( حواء) 993 هي النظير الأفقي لرقم 399 الذي يمثل القيمة الرقمية ﻹسم عطارد ( أدم) ، هذا التناظر هو دليل على أن حواء هي قرينة آدم ، أما إذا وضعنا مرآة تحت القيمة الرقمية لرمز آدم 399 فسنرى نظيره الشاقولي وهو الرقم 366 حيث هذا الرقم يمثل عدد اﻷيام التي يحتاجها الكوكب الثالث ليدور دورة كاملة حول الشمس ( السنة اﻷرضية تعادل 365،25 يوم أي 366 يوم). فكوكب اﻷرض هو فعلا كوكب الشيطان (الكائن السفلي ) ولكن اﻹنسان (الكائن العلوي ) إستطاع أن ينتصر ويضع الكائن السفلي تحت سيطرته فسمحت الظروف لظهور الحضارات والديانات وبدأ معها ذكر إسم الله. من هذا التناظر اﻷفقي والشاقولي للأرقام التي تخص كل كوكب من الكواكب الثلاثة والتي تمثل ( آدم ، حواء ، الشيطان ) نأخذ فكرة عامة عن مفهوم المصطلحات القرين والجن والشيطان. إذا خلاصة الحديث كنظرة مادية لا يوجد لا جن ولا شياطين بالصورة التي نسمع عنها في القصص واﻷفلام السينمائية ، فالمقصود بمصطلح الجن هو القسم الذي يقع تحت عظمة الترقوة من جسم اﻹنسان ، أما عندما يتحول هذا القسم ليسيطر على سلوك اﻹنسان فهذا القسم من جسم اﻹنسان عندها يرمز للشيطان. فالجن أو الشيطان لا يخرج من عالم غير مرئي ليدخل في جسم اﻹنسان كما يظن البعض ، ولكن اﻹنسان نفسه عندما يتحول إلى إنسان فاسق ، فاسد خالي من القيم السامية واﻷخلاق الحميدة يصبح هو نفسه شيطان. فالكذب ، والسرقة واﻹحتيال وممارسة الفحشاء والقتل الخ.. هذه جميعها من صفات الشيطان ، اﻹنسان نفسه هو الذي إختارها لنفسه ليسير عليها في حياته ، لذلك نجد ان الذين لا يؤمنون بوجود الله لا يشعرون نهائيا بوجود عالم الجن والشياطين ، ﻷنها مصطلحات تعبر عن الخير والشر في سلوك اﻹنسان، وليس عن معاني مادية بحتة كما يفسرها الدجالون والمشعوذون. قد يعارض البعض على هذه الفكرة ، بحجة أن هناك وقائع حقيقية تؤكد على دخول الجن في بعض الناس ، فيحدث تغيير في صوتهم وسلوكهم بشكل غريب جدا تماما كما تعرضه اﻷفلام السينمائية ، وأن العديد من الناس شاهدوا بأم عينيهم مثل هذه الحالات وأن اﻹنجيل نفسه يذكر أن أحدى معجزات عيسى عليه الصلاة والسلام كانت شفاء مثل هؤلاء عن طريق طرد الجن الذي دخل جسدهم. بالنسبة لهذا النوع من الحالات فأقول نعم هناك أحداث واقعية تؤكد على وجود مثل هذه الحالات ، ولكن هذه الحالات لم تحدث بسبب دخول الشيطان في جسم اﻹنسان ولكنها تحدث بسبب مرض نفسي يسمى اﻹنفصام ، والمعروف عالميا بإسم الشيزوفرينيا، هذا المرض النفسي ، له أسباب عديدة ولكن للأسف علماء النفس لا يعلمون عنها شيئا سوى اﻷمور السطحية منها والسبب أنهم ينظرون إلى اﻹنسان ككائن واحد أصله قرد، وليس كائنين احدهما ( الضمير ) والذي يرمز لذلك الجزء من روح الله الذي نفخه الله في آدم عندما خلقه ، والثاني هو الكائن السفلي والذي نتج عن الخطيئة التي إرتكبها اﻹنسان وأدت إلى طرده من الجنة. هذه الفكرة مذكورة بشكل رمزي في إصحاح التكوين حيث نجد أنه يذكر إسم (لامك) بأنه أخر أسماء أحفاد قابيل ثم يتوقف نهائيا عن ذكر أي شيء من سلالة قابيل ، ونجد أيضا أن إسم لامك هو نفسه أيضا إسم والد نوح حيث نجد أنه بحادثة طوفان نوح تبدأ اﻹنسانية بسلالة بشرية جديدة أصل أفرادها من عائلة نوح ، فلامك والد نوح يمثل الجزء العلوي في تكوين اﻹنسان أما لامك حفيد قابيل فيمثل الجزء السفلي في جسم اﻹنسان. فأحفاد قابيل هم عالم الجن الذين يمثلون القسم السفلي (القسم المادي ) في اﻹنسان أما أحفاد آدم فهم عالم اﻹنس الذين يمثلون القسم العلوي (القسم الروحي ) في اﻹنسان. هذه العلاقة بين لامك والد نوح ولامك حفيد قابيل ، هي علامة إلهية توضح لنا بأن تكوين الإنسان كما هو على سطح اﻷرض أعقد بكثير مما يظنه علماء اﻹنسان وأطباء النفس عن اﻹنسان ، فهم ينظرون إلى اﻹنسان كلون واحد ولكنه في الحقيقة يتكون من ثلاثة ألوان ، فرمز الكائن العلوي( اﻹنس) يتألف من لونين اﻷزرق واﻷخضر ، أما الكائن السفلي (الجن ) فيتألف من اللون اﻷحمر. وإختلاف طريقة إتحاد هذه اﻷلوان قد تؤدي إلى نتائج غريبة عجيبة ، تجعل اﻹنسان يخرج عن طبيعته نهائيا فيتحول خلال لحظة بسيطة من إنسان إلى أخر مختلف نهائيا عما كان عليه طوال حياته، وأفضل مثال يوضح هذا النوع من التحول هو ما يحصل عند بعض الرجال في لحظات معينة عندما تظهر فجأة إمرأة مثيرة جنسيا أمامهم فنجدهم يختل عقلهم نهائيا ، فإذا كانت الظروف حولهم في تلك اللحظة مناسبة قد يفعلون أشياء غريبة قد تؤدي بهم إلى إرتكاب جريمة ، فقط من أجل إرضاء تلك الشهوة التي ظهرت بهم فجأة ، فكثير من حالات اﻹغتصاب والقتل تحدث بهذه الطريقة ، حيث نجد أن المجرم لا يصدق بأنه هو نفسه قد قام بفعل مثل هذه الجريمة الوحشية. للأسف فرغم التقدم التكنولوجي الكبير في عصرنا الحاضر إلا أن مستوى وعي اﻹنسان عن نفسه ككائن حي منخفض جدا ، والسبب هو ظهور نظرية داروين التي مسحت الشق الروحي من اﻹنسان نهائيا ، حيث تحول اﻹنسان في نظر العلماء إلى كائن مادي بسيط مثله مثل أي كائن حيواني آخر ، أو بمعنى آخر إن منطق نظرية داروين في التفكير حولت معنى اﻹنسان إلى كائن جني وليس كائن بشري من بني آدم وحواء ، فمن يتمعن جيدا ما يحدث في المجتمعات الغربية من إباحة جنسية وعنف وتعاطي مخدرات ، وفي بعض الدول العربية واﻹسلامية من وحشية وحروب طائفية وأهلية، يشعر بأن اﻹنسانية في هذه اﻷيام قد تخلت عن الكائن اﻹنس فيها وأظهرت منها فقط الكائن الجني فتحول العالم بأكمله إلى عالم تحكمه الشياطين نفسها.
وسوم: العدد 643