أطلال لا بواكي عليها
النقل النهري وسكه حديد هيئتان تعرفان التناوب في العمل علي مدار اليوم والليلة ولا تعرفان التثاؤب ...كل منهما يلقي حمولته الي الاخر بشرا واثقالا فوق اثقالهم بغير لاواء ولا ضجر حركة لا (أنَّت ولا ونت ) هنا السكون ممنوع اذا سكنت فقدت فرصتك في الحركه او هناك وضاعت عليك المواعيد التي لا تعرف التاخير ولا تعرف عن فصول السنة الا العمل هكذا صيرورة الحياة وديمومتها ...كنا حين نخرج من النيل نضحك ونجري... كلنا صغارا ...وكبارا....شيبا ...وشبابا .....الموسيقي الوحيده ....صوت الامهات والاخوات وحسناوات السفر.....
الاصوات.... باتفاق العشاق (اجروا واحجزوا ادخلوا عليه من اقطاره من الباب من الشباك بشرا وعفشا لا مجال للغناء والانس في تلك اللحظات (لتانس مع ... من شباكو من بابو تلقي الحبيب ينتشتغل منديل حرير لحبيب بعيد ) كاننا في مارثون او اننا الي نصب يوم يوفضون كان سفرنا ذاك صورة مصغرة ليوم الحشر ... كيف لا ونحن خرجنا من فقدنا في النيل ميلادا ....الي بحر الظلمات والمتاهه... كاننا الجند معية القائل النيل من خلفكم..... والصحراء ظلمات بعضها فوق بعض امامكم والدبيب في انتظاركم (يا قاتل يا مقتول ) علي طريقة فيلم (killed or be killed ) لبطله (klent stood ) يا الله يا لها من مفارقه دخلته في ام درمان عام 1968 وشهدته بعاصمة خليجية عام 1989 !!! بطل الفيلم برهقه ذاك والموت فوق الرقاب كان تكرارا لفيلمنا الذي اندثر ولم يصور من خيبتنا المتراكمه تكرار لحالنا ونحن مسرعين لجوف دبيب الصحراء وهل من عاقل يدخل لجوف الدبيب بمحض ارادته بل ويقاتل من اجل ذلك الا من هو محصور بين ضدين النيل وبحر الظلمات والمتاهه ....الصحراء !!!
ضوضاء وجلبه لا تستقر علي حال.... الكل في تشاكس وصياح وطرائف الردود السريعه ساندوتشات الكلام لاناس ما عرفوا معني الساندوتش….. كل هذا الهرج والمرج يسكن ويهدا كما الريح عندما يبدأ الدبيب في التحرك تسمع صرير تحركه صوت كمان يغالب الاحزان مقدمة لاغنية بعد الصبر ....
وتهتز جنباته ويتمايا الناس كأنهم في حلقات الذكر او جلسات السكر استبد بهم الرهق والنعاس وتضايروا لا شعوريا حتي بانت فرجات كثيرة في المقاعد تبين مدي الطمع في حجز مساحات.. لا...حاجة لصاحبها وهو لا يدرك انه سيتنازل عنها لاشعوريا ....
لقائمين لكي يجلسوا بعد كل ذاك الصراخ والعويل والزحام بالمناكب كانك ترجم الشيطان او تقبل الحجر الاسعد كل هذا لا اثر له بعد موسيقي التحرك والتمايل ليس طربا وانما رهقا استبد بالقوي والضعيف هنا تساوي الجميع في الاستسلام ... ربما كان هذا النعاس كأنه ماء باردا صب علي الجميع فغسل ما علق بالنفوس فسكن اللسان وتحركت نوازع القلوب والوجدان الفطري ومع اول وجبه اكل ...كان الناس ولدوا من جديد شئ لا يصدق ... ينداح الشعور والاحساس بالالفة والمحبة والانس البرئ وتكون كلمات التصافي وتبادل الاطعمه هو ثمرة كل تلك (العوة ) والشجار لدرجة التنابذ كأن شيئا لم يكن ذاك من صفاء القلوب وشفافية النفوس كانهم (فقرا اتقسمو النبقة بلا نقه ولا ضجيج ) ويبدا التسامر وعلي جانبي المسير لا شئ الا بحار الظلمات وكثبان الرمال كانها تمشي معك الي ما لانهاية مقترنة مع نهايات الافق حين تبدو الشمس في الشروق كانها تشرق علي هذا الدبيب وما يحمل ....
لم نجعل لهم من دونها سترا وحين تغرب كانها تغرب في عين حمئه وبين هذا وذاك لا شئ غير امواج الرمال سراب بقيعه تحسبه ماء وشمس منتصف النهار كانها سقف الجحيم لا يروح علي الناس في هذه الهلكه الا روحهم السمحة ووجدانهم العامر بحب الحياة الي مستقبل في افق لا ينتهي ابدا كانه يسلمهم من ردي الي ردي برضا وسرور ...انها شجاعة المواجهه يا قاتل يا مقتول لا توجد حلول وسطي هم بين رحي الحياة الماضية والقادمة بارادة وبأس شديد لا يعرف الياس اليهم سبيلا كالمدي الذي امامهم والا كيف ركبوا الدبيب !!! وهل هناك في الدنيا كلها أسوأ من ان تكون مطيتك الي تريد دبيبا اي امل في حياة كهذه !!!
هذا الدبيب الذي بدا غازيا كانه اول من فض بكارة هذه الرمال وسبح فيها متلويا ينهب المجهول لو سار سليمان فيها او ذو القرنين لاحتاجا لمرشدين من هذا الضياع حين تنهي سمعك لصوت الدبيب كانه يقول ( قلبي انقطع ....قلبي انقطع ....قلبي انقطع ) جمله موسيقية نغنيها سمرا معه وهل لنا غير هذا الحزن من انيس حتي الايقاع كلماته بائسه تحكي عن حالنا..... وحين ينحدر قليلا ننشد معه ( شيل النفس ...شيل النفس ...شيل النفس ) وفجاة علي تلة اخري اكثر يسرا يتغير النغم فنغني معه (يا باب الراحة..... الراحة وين القاها ....ياباب الراحة ....الراحة وين القاها ) والي تله اكبر يتغير النغم فتسمع (سجمي نفسي انقطع ...سجمي نفسي انقطع ....سجمي نفسي انقطع )...... وهو يتصعد لولا اضواء وعبق ذلك المادح الاسطورة ...الامي صاحب الطنبور (حسرة شبابي راح في هوي الطنبور )....هذا الاسف فتح افقا لا ينتهي من الابداع ينشر عبيره الي ما لا نهاية .....هذا الفيض يظل حديقة في الخاطر عبر القرون لما عرفت انك في الكاسنجر ...محطه خلوية (حمارعمر ما يقعد فيها ) الا بمقدار اخذ اشارة (التابلت ) للمرور سريعا فجاة تتغير النغمات الي راحة نفس وهداة تنفس من صوت الدبيب (ياربي متين ارتاح .....ياربي متين ارتاح ....ياربي متين ارتاح ) حين نرفع عقيرتنا بذلك يرد علينا الكبار (قربنا من ابو خمد ) ولكنك لا تري شيئا يدلك علي ذلك غير هذه النغمة ......والصحراء امامك وخلفك وعلي الجانبين تجردت من كل ملابس الحياء والحياة صامته كاتمة علي سر هذا التعري كعجوز شمطاء لا يابه لها احد .............غير هذا الغازي الذي فض بكارتها بغير مغريات شهوة تجبره علي ذلك ...لا شئ غير الحياة الي الاحسن ما وراء المتاهه والا ففي الحالين اخرا ( كوم تراب...
هكذا بدت مظاهر الحياة رويد رويدا تهللت الوجوه واستبشر الناس فرحا علي تباشير المحطه هي ايضا ملتقي وضاجه بالحياة يتنفس فيها الجميع من الدبيب الي الناس قدرا هائلا من اكسجين الحيوية بعد نهار ارهق الجميع شانها شأن كل المحطات الكبيرة مترعة بالالق والتبرج الفاتن للوحات الحياة المختلفه !!!
وتبدا الحوارات والاستعداد للنزول البعض من فهلوته ينزل قبل ان يقف تماما الاستعجال لتجديد الحياة مما جميعه من الكيف بكل انواعه الي الاكل والشرب والعبادة جمعا وقصرا سرا وجهرا تسمع :ـ يابت دي ابو حمد لا..... دي ابو ظبي يضحك الناس للرد السريع اهلك
يا عبود.... ما شفت خدمتك المدنية بقت كيف.... لا كيف لا مزاج غصبا عنك تدفع فيها لتقضي امورك ....يا بت يظبتك( الشيط )....الشيط يبقالك كركان !!!
هناك تمر المشرق اشكال والوان ...حلاوة مذاق بشتي تدرجاته بعضهم يهمهم ...(والله فيهو جنس شربوت مع عتود ود لبون تدي ربك العجب ) اخرين (والله فيهو جنس دكاي تشرب منو يضربك الهوا تغني مع سرور ) اخرين (والله عرقيهو يرمي في الشوك ) وكل هذه اللوحات تمر كامنيات تذروها الرياح...كأنك امام علبة الوان علي الارض...الشاي كما تريد ...التمباك ...السجاير والمشروبات الروحية وتسمع وتستمع بالفكاهات والردود السريعه هذه حديقة لو سار فيها سليمان لسار بترجمان وتسمع من هناك :ـ يا ولد دي شني جردقه ياعم الواطه تطاطا العقرب الواطه مي يدي تحتك !!! وتسمع اخر مع اخري شايك مسيخ ..ازيدك السكر لا... لان مويتو نيه ...اشربو مراره ....باقي انا ضابحي المويه !!! بعد ساعة تنفس فيها الدبيب والناس ودبت الحياة في الاوصال وعادت الحيوية للعروق والبشر للوجوه يدق الجرس وينطلق الدبيب بكثير من الراحه والاطمئنان......... ان المجهول بدت تتكشف مخابيه رويدا بل قل مفاتنه ....شيئا مما ينشده ممن ارتضوا رفقة الدبيب لذلك ستسمع نغمات كلها مرح وطرب وفرح متجها الي ام المداين التي عرفت ان سر الحياة بين الحديد والنار... فزاوجت بينهما باتساق افرد للبلاد سعة ورحمه في التزاوج والتهاجن بين الانساب والاعراق والقبائل كانت معملا لخلق الانسان القومي ذابت فيها الفوارق والفيصل فيها العمل والعرق لتسمع ( يا اخي قوم بينا حلو درب الطير في حبيبنا ) .. داخل الدبيب وتسمع (يا اخي قربنا بشوقنا لحبايبنا قربنا ) وهكذا بدت الحان الراحة تنساب رويدا رويدا من اوكسترا الدبيب والجميع في هداة البال بعد ان اتضحت معالم الامل تشرق كما القمر قبالتنا يداعب خصلات الشعر بنسمات اريج الشمال عبر النوافذ وبدات النساء تتزين والعطور تفوح بدرجاته المتفاوته من النوم الي الرابعه من العطور الباريسية الي الكركار والزيت البوي (زيت الولد ) الي الفازلين كيف لا ونحن ندلف لام المداين وسفينة نوح والنغمه ( تايه الخصل الكنا ما دايرنو يحصل داس مشاعرنا وحصل ) نحن نغدو الي حديقة العشاق بحر اختيارنا وبارادتنا ولما تبدو ملامحها تسمع (يا اخي ارتحنا وشوق ليك ما ريحنا ) وحينما نرسو تماما يغني الجميع (لما اخترتك حبيبي كان بقلبي جرح يندي بالهزيمه ) وحينما نستقر تماما يصرخ الفرح هابشا باشا ضاجا معلنا في تبرج سافر وهو يغني (طريق الشوق مشيناهو وبحر الريد عبرناه قلنا يوم نوصل خيالك ما وصلناه ) هكذا لا تسمع غير الضحكات وصفقات الاحضان والايادي واشراق الابتسامات كانه صبح جديد كان الناس ولدت من جديد في التو والحين ..............
رغم حرارة الاشواق وطيب العناق لكنها ولانها شجرة كبيرة سترسل كل هذه الحمولة بفروعها الممتدة في طول البلاد وعرضها تماما كشرايين واوردة في جسم الانسان تغذيه بشتي الالوان من السحنات واللهجات والعادات والتقاليد وانواع الاطعمه والملبوسات وما ادرك هؤلاء الغبش البسطاء نحو غد افضل ومستقبل مشرق لحياتهم حاملين معهم جيناتهم الحضارية لقاحا وتلاقحا مع الاخرين فكرا وثقافه وتهاجنا مع الاجناس ما ادركوا بعد كل هذا التداعي التلقائي العفوي والاندياح الانسيابي مع الاخرين سيطلق هؤلاء الاخرون علي هؤلاء الوافدين القابا تعطر التاريخ وتبقي في الذاكرة عطرا للحياة وليس تعكيرا لها هنا الي الشرق هم البلاويت والي الجنوب (لون المنقه ) والي الغرب جلابه كل هذا قادم من مرح الحياة ارتضوه وعاشوه نسبا وصهرا غاب عن الحاكمين والمتعلمين في الحواضر لهذا ما زالت افران صهر الخردة تعمل عملها في ماساتنا ويسمع صراخ وعويل دبيب الصحراء واضرابه انينا وحنينا لماض تليد وحاضر مغيب ومستقبل في الغيهب تماما كحال الناس علي ارض تجار بالشكوي ...تلك شكوي الخردة الي النار... وهذه شكوي الناس للحياة ويظل بحث الشكوي مستمرا هنا وهناك دون ان تعقد جلسه عاقله او ترفع وتيقي الحال علي ما هي عليه من النصب والجر مستمرا لمأساة اعيت الطبيب المداويا وكفاءاتنا علي قفا من يشيل ينضح بها العالم ولادهم في مسغبة الهجير !!!
وسوم: العدد 652