خواطر من الكون المجاور..الخاطرة 105 : اﻹيمان وتعدد الديانات
من يتابع قراءة مقالاتي يشعر أنني أتعاطف مع معظم الديانات ومع جميع شعوب العالم ، وهذا التعاطف قد يدفع بعض القراء المسلمين بالتساؤل مع نفسه. طالما اني مسلم فكيف أستخدم في أبحاثي أدلة وإثباتات من غير القرآن طالما أن القرآن يذكر أن التوراة واﻹنجيل قد تم تحريفها ، وهذا يعني سلفا بأن المسيحيين واليهود هم من الضالين. قد يكون هذا المنطق في التفكير صحيح بالنسبة لعالم ديني مسلم، ولكن بالنسبة لي فهدف أبحاثي لم يكن أبدا الدين نفسه ولكن معرفة أسباب ولادة ظاهرة ( الجريمة الطفولية ) والتي لم يذكر التاريخ حدوث مثل هذا النوع من الجرائم إلا في عصرنا الحديث فقط. جميع أبحاثي كان هدفها تفسير هذه الظاهرة فقط ولكن مع الزمن ومع زيادة نمو معارفي عما يحدث حولي رأيت نفسي بأنه حتى أستطيع أن أصل إلى نتيجة يجب أن أخوض في جميع فروع المعارف ﻷن الطفل هو صورة مصغرة لهذا الكون بأكمله ، أو كما يقول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ( وتحسب أنك جرم صغير وفيك إنطوى العالم اﻷكبر ) .
وكان من بين تلك الفروع الفكرية التي تتمم زوايا موضوع أبحاثي هو الدين ، أو بشكل أعم الديانات. لذلك وجدت نفسي أغوص في عالم الديانات وأبحث فيها ﻷجد تلك اﻷدلة التي تتفق مع بقية اﻷدلة من العلوم اﻷخرى لتفسير اﻷشياء واﻷحداث والظواهر من جميع زواياها . فحسب ما توصلت له هو أن كل تطورات الكون المادية والروحية هي أحداث لرواية واحدة كتبها الله عزوجل.
أعتقد أن المجتمع يمكن له أن يصبح مجتمع فاضل عندما يكتسب اﻹنسان نوع من المعرفة تسمح له بالقدرة على الرؤية من خلال عين اﻵخر ليفهم السبب والظروف التي دفعته لفعل عمل ما. عندها فقط يكتسب هذا اﻹنسان المقدرة على مسامحة اﻵخرين. وربما هنا تكمن عظمة اﻷنبياء في صبرهم وسعة صدرهم على العفو ومسامحة اﻵخرين. حاولت تنمية هذا النوع من المعرفة في بحثي لفهم ما يجري حولي. وهذا ما جعلني أحاول فهم اﻷسباب التي تجعل إنسانا ما يقتنع بفكرة معينة ويرفض اﻷخرى.
فمثلا حتى نعرف من هو محمد (صلى الله عليه وسلم ) يجب أن نسأل عالم دين مسلم ، ليصف لنا صفاته وأخلاقه ، ﻷن المسلمين يؤمنون بأنه رسول من الله لتلك الصفات التي سمعها المسلمون عنه ، أما أن نسأل شخص غير مسلم عن شخصية محمد ، فيمكن أن يصفه بصفات غريبة عجيبة معتمدا على أحاديث ضعيفة غير معترف بها أو على أحداث تاريخية مشوهة وغيرها. والشيء نفسه عندما نسأل من هو القديس بولص يجب أن نسأل عالم مسيحي ، ﻷن المسيحيين يؤمن بأنه قديس لتلك الصفات التي ذكرها العالم المسيحي ، أما أن نسأل شخص غير مسيحي عن القديس بولص فقد نجد أيضا أشياء غريبة عجيبة تجعل هذا القديس وكأنه من أتباع الشيطان ، ولو كان القديس بولص بهذه الصفات التي يذكرها هذا الشخص لما إعتبره المسيحي قديسا ولكن شيطانا.
جميع الحضارات واﻷديان دخلت في عصور اﻹنحطاط عندما بدأ علماؤها يفسرون اﻷشياء بعينهم هم فقط دون أن يعطوا أي أهمية لآراء الطرف المعارض ، هذا النوع من الرؤية هي رؤية عين الروح ، وفقدان هذا النوع من الرؤية هو الذي يؤدي إلى التعصب بجميع أنواعه ،ديني كان أو قومي أو سياسي.
لتوضيح هذه الفكرة سأذكر حادثة تاريخية هامة لم ينتبه إليها المسلمون وخاصة أولئك الذين يحاولون زرع العداوة والبغضاء بين الديانات والشعوب. وهي حادثة المحاولة الثانية لفتح مدينة القسطنطينة :
تعتبر حادثة حصار القسطنطينية عام 98-99 هجري (717-718م) من أهم اﻷحداث في تاريخ اﻹنسانية على اﻹطلاق ، حيث يقول بعض المفكرين المسلمين وغير المسلمين ، بأنه لو إستطاعت الجيوش اﻹسلامية اﻹنتصار في تلك المعارك لكانت القوى المعنوية والعسكرية لجميع شعوب القارة الأوروبية قد إنهارت بسبب تخلخل ثقتهم بدينهم وبقوتهم ، ولكان من السهل جدا على الجيوش اﻹسلامية بعد سيطرتها على القسطنطينية أن تتابع فتوحاتها لتسيطر على الدول الأوروبية واحدة تلو اﻷخرى لتصبح القارة الأوروبية في النهاية بأكملها تحت سيطرة الجيوش اﻹسلامية .
لو فرضنا بأن القارة الأوروبية فعلا قد أصبحت تحت سيطرة المسلمين فهذا يعني أن شعوبها ستتخلى عن دينها المسيحي وتعتنق دين اﻹسلام كما حصل في معظم الفتوحات الإسلامية ولتحولت القارة الأوروبية في النهاية إلى قارة مسلمة ، إن تحول القارة الأوروبية إلى قارة مسلمة هكذا يعني سلفا بأن قوة الجيوش اﻹسلامية - لو حصل ذلك - ستتضاعف بسبب دخول العديد من الأوروبيين في الدين اﻹسلامي وهذا سيسهل كثيرا على المسلمين متابعة فتوحاتهم ، وهذا يعني أن القارة اﻷفريقية ستصبح أيضا قارة إسلامية.
وطالما أن الملاحة البحرية في المحيط اﻷطلسي أفضل بكثير من الملاحة في المحيط الهادي للعبور إلى القارة اﻷمريكية ، هذا يعني أن إكتشاف القارة اﻷمريكية سيكون من نصيب الأوروبيين كما حدث واقعيا ، وطالما أن الأوروبيين هم مسلمين حسب إحتمالنا فهذا يعني أن القارة اﻷمريكية ستكون أيضا قارة مسلمة وليست مسيحية كما هو اليوم. إعتناق شعوب هذه القارات الديانة اﻹسلامية يعني إختلال توازن جميع القوى على سطح اﻷرض وهذا سيؤدي كنتيجة طبيعية لسيطرة الجيوش اﻹسلامية بشكل تدريجي على جميع شعوب العالم بأكملها ، وعندها لأصبحت الديانة اﻹسلامية الديانة الرسمية للكرة اﻷرضية بأكملها.
كل هذا كان سيحصل لو أن فقط جيش المسلمين إستطاع فتح القسطنطينية في تلك الفترة 717-718 م . ولكن هذا لم يحصل وما حصل فعلا في الواقع هو ان الجيوش اﻹسلامية تكبدت خسائر فادحة لم يعرف المسلمون مثلها من قبل ولا من بعد ، حيث ذهب ضحاياها أكثر من 150 ألف شهيد (المؤرخ بابلوس دياكونوس يرفع هذا الرقم إلى 300 ألف ضحية ).
إذا بحثنا في الكتب والمقالات التي تتحدث عن هذه الحادثة التاريخية، سنجدها مكتوبة بمنطق مؤرخ تاريخي ، وكما هو معروف أن أسلوب المؤرخ في كتابة اﻷحداث هي ذكر الوقائع بشكلها الواقعي المادي ، فلا نجد في وصف اﻷحداث أي نوع من أنواع التدخل اﻹلهي وكأن الله غير موجود في هذه الأحداث.
المصادر تذكر أنه في عهد خلافة سليمان عبد الملك ، كانت اﻷمبراطورية البيزنطية تعاني من حروب أهلية حيث إستطاع ثيودوسيوس الثالث أن يطيح باﻷمبراطور البيزنطي أناستاسيوس الثاني ويجبره على التخلي عن العرش ، وبعد عامين فقط إستطاع ليون الثالث المرعشي أن يأخذ العرش من ثيودوسيوس ليصبح هو حاكم اﻹمبراطورية البيزنطية.
في تلك الفترة حاول الخليفة سليمان عبد الملك أن يستغل إضطراب اﻷوضاع في الدولة البيزنطية ليفتح مدينة القسطنطينية ، وأعد كل ما يملك من قوة عسكرية ( 120 ألف جندي ) وإسطول بحري ضخم ( 1800 سفينة ) مع طاقمها العسكري (120ألف مقاتل ) وآلاف من المتطوعين ( أكثر من 30 ألف متطوع ) الذين أرادوا المشاركة في هذا الجهاد المقدس ضد المسيحيين . وجهز كميات هائلة من اﻹمدادات التموينية والأسلحة حتى أنه أمر الجنود أن يأخذوا معهم كميات كبيرة من حبوب القمح لزرعها أثناء حصارهم للقسطنطينية وحصادها في العام المقبل ليضمن لهم كافة حاجاتهم الغذائية ، وأعطى عهدا لله أن لا ينصرف حتى يدخل جيشه القسطنطينة. وعين أخاه مسلمة قائدا لهذه الحملة العسكرية.
كانت جيوش المسلمين عددا وعدة أكبر بكثير من جيوش البيزنطيين ، وكانوا على ثقة تامة بأن سكان مدينة القسطنطينية لن يستطيعوا الصمود طويلا أمام الحصار ، وحدث أنه عندما عرض ليون الثالث قائد الجيوش البيزنطية على مسلمة تقديم فدية للمدينة عن طريق دفع عملة ذهبية لكل فرد من سكان القسطنطينية كان جواب مسلمة الرفض قائلا ( لا يمكن قيام معاهدة سلام مع المهزوم ) .هكذا كانت ثقة المسلمين بأنفسهم ثقة كاملة. ولكن... اﻷمور إنقلبت فجأة رأسا على عقب.
كان شتاء 718 كما تذكر المصادر المسيحية قاسيا جدا لم تعرف المنطقة مثله من قبل ، الثلوج غطت اﻷرض وكل شيء لأكثر من ثلاثة شهور ، وبسبب كثرة عدد جنود الجيوش اﻹسلامية نفذ التموين بعد فترة قصيرة ، وبسبب الثلوج والبرد القارس إنقطعت جميع طرق اﻹمدادات ، فشعر المسلمون بأنهم في الواقع هم المحاصرين وليس سكان مدينة القسطنطينة ، فإندلعت في صفوفهم مجاعة فظيعة حيث أضطر الجنود - كما ذكر إبن كثير - أن يأكلوا كل الشيء ما عدا التراب ، أما المصادر اﻷخرى فقد ذكرت أن الجنود راحوا يأكلون خيولهم وجمالهم ومواشيهم ،ثم بدأوا يأكلون لحاء وأوراق وجذور اﻷشجار ، ثم قاموا بازالة الثلج من الحقول التي زرعوها ليتغذوا على البراعم الخضراء لمحصول القمح ، ومصادر أخرى تذكر أن بسبب شدة الجوع والبرد والحمى أصيب العديد من الجنود بنوع من الهيستريا والهذيان حتى بدأوا بأكل برازهم ولحم جثث موتاهم ،ونتيجة لذلك أدى إلى إنتشار اﻷوبئة وكانت اﻷمراض تفتك بهم واحدا تلو اﻷخر.
معارك قليلة حدثت بين المسلمين والمسيحيين ، ولكن معظم ضحايا الجيوش اﻹسلامية كان بسبب الجوع و الكوارث الطبيعية واﻷمراض. اﻹسطول العربي تكبد خسائر فادحة. من ال 1800 سفينة حربية عاد منها إلى الشواطئ السورية فقط خمسة ، لان معظم السفن المتبقية تحطمت بسبب العواصف واﻷمواج الهائجة ، وبعضها إحترقت بسبب رماد بركان جزيرة سانتوريني ، الذي ثار في تلك اﻷيام.
الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي عاهد الله أن لا ينصرف حتى يدخل القسطنطينية توفي ، عندها فقط قرر خليفته عمر بن عبد العزيز أن يعطي أمر بفك الحصار و بإنسحاب كافة الجيوش اﻹسلامية.
هذه هي وقائع هذه الحادثة التي يوافق على صحتها جميع اﻷطراف ، وما أطلبه هنا من كل قارئ مسلم أن لا يفسر سبب خسارة الجيوش اﻹسلامية كمسلم ولكن أطلب منه أن يضع نفسه مكان ذلك المسيحي البسيط المتواجد داخل مدينة القسطنطينية المحاصرة من آلاف الجنود ، وحسب إعتقاده بأن جيش العدو يريد اﻹستيلاء على أهم مركز ديني مسيحي في العالم وأقصد هنا كنيسة أغيا صوفيا التي كانت تعتبر بالنسبة لهم بمثابة الكعبة بالنسبة للمسلمين، ويريد منه أيضا - حسب إعتقاده - أن يفرض عليه التخلي عن دينه المسيحي وإعتناق دين آخر إسمه اﻹسلام . ... هذا ما كان إعتقاد 99% من مسيحي أوروبا عن اﻹسلام وفتوحات الجيوش اﻹسلامية في ذلك الوقت . ... وهذا المسيحي البسيط الذي هب ليجاهد بنفسه من أجل الدفاع عن دينه رأى فجأة أن الله يسخر كل شيء لينصر دينه وشعبه على المسلمين، الصقيع والثلوج واﻷمراض والرياح العاتية واﻷمواج الهائجة ورماد بركان سانتوريني، جميع عناصر الطبيعة هذه سخرها الله في تدمير جيش عدوه ، حتى حاكمهم الخليفة سليمان الذي كان موجودا على بعد مئات الكيلومترات عن ساحة المعركة وصله الموت . .. كل هذه اﻷشياء بالنسبة لذلك المسيحي البسيط كانت بمثابة معجزة إلهية ودليل إلهي يأمره بأن يتمسك بدينه ويدافع عنه بكل ما يملك ، هذه المعجزة في نظر المسيحي البسيط إنتقلت أخبارها إلى جميع المسيحيين في أوروبا ،وقد سمعها الجميع بكامل تفاصيلها في كل الكنائس ، وكل مسيحي قد سمعها صرخ ( الله أكبر. .الله معنا ) هذا اﻹحساس إنتقل من جيل إلى جيل في أوروبا ولا يزال حتى الآن. كل مسيحي في أوروبا من ذلك الوقت وحتى اﻵن يؤمن تماما بأنه على صواب وأن الله يأمره أن بالتمسك بدينه ﻷنه دين الحق. كثير من المسيحيين يعتبرون ليون الثالث المرعشي أنه من أكبر فاعلي الخير في تاريخ اﻹنسانية ﻷنه إستطاع حماية القارة الأوروبية وحماية الديانة المسيحية فيها .
والسؤال هنا لكل مسلم ، لماذا سخر الله البرد والثلوج والرياح وكل عناصر الطبيعة لصالح المسيحيين فكبد المسلمين خسائر فادحة جعلت كل مسيحي في أوروبا يعتقد بأن دينه المسيحي هو دين الحق ؟ . ... طالما أن المسلم يعتقد أن دينه فقط هو الصحيح وأن الديانات اﻷخرى أصابها التحريف والضلال، لماذا لم يسخر الله هذه العناصر الطبيعية لصالح المسلمين ليجعل المسيحي يشك في دينه فيعتنق اﻹسلام ؟ لماذا لم يسخرها في صالح أمير المسلمين الذي يسمى سليمان؟، فالقرآن يذكر أن الله سخر الرياح وكل شيء للنبي سليمان عليه الصلاة والسلام ليحقق إنتصاراته . ... ولكن في معركة القسطنطينة حدث العكس تماما فبدلا من أن ينتصر سليمان أمير المسلمين توفي هو وبقيت مدينة القسطنطينية صامدة في وجه جيوشه.
إذا كان الدين المسيحي على خطأ ، والمسيحيين من الضالين ، لماذا الله لم يسخر كل عناصر الطبيعة في صالح المسلمين ليفتحوا القسطنطينية وينشروا اﻹسلام في جميع شعوب أوروبا لتتحول إلى قارة مسلمة ومن هناك لينتشر اﻹسلام إلى جميع شعوب العالم ويصبح الدين اﻹسلامي الديانة الرسمية لجميع الشعوب كما ذكرنا قبل قليل.
معظم علماء المسلمين يذكرون بعض اﻷشياء عن التدخل اﻹلهي في الكثير من إنتصارات الجيوش اﻹسلامية أثناء فتوحاتهم ، ليؤكدوا على أن الله كان هو السبب اﻷول في جميع هذه اﻹنتصارات وأن إنتشار اﻹسلام قد حدث بمساعدة إلهية، وهذه حقيقة لا يستطيع أي مسلم أن ينكرها ، ولكن لماذا في حصار مدينة القسطنطينة الجميع يصمت وكأن الله في تلك الفترة لم يكن موجودا أو أن كل الكوارث الطبيعية التي حدثت في ذلك الحصار ، حدثت بالصدفة وليس بتدخل إلهي ؟
فك الحصار على مدينة القسطنطينية حدث في يوم 15 آب ( أغسطس) وهو يوم عيد رقاد مريم العذراء الذي يعتبر من أهم المناسبات الدينية عند المسيحيين ، وهذا بالنسبة لهم لم يكن صدفة ولكن كان معناه بالنسبة لهم أن مدينة القسطنطينية كانت في حماية مريم العذراء لهذا السبب فشل المسلمون في الإستيلاء عليها، وبهذه المناسبة ظهرت أناشيد دينية كثيرة تمجد هذه الحادثة. ...البركان حدث في جزيرة سانتوريني هذا اﻹسم يسمع وكأنه ( سانتا - إيريني ) ومعناها قديس السلام.
ما حدث في تلك الفترة كان بالنسبة للمسيحيين معجزة إلهية جعلت اﻷوربيين يثقون بصحة دينهم إلى اﻷبد. بقاء الأوروبيين على دينهم المسيحي لم يكن صدفة ولكن مشيئة إلهية. تماما كما تقول اﻵية القرآنية ( وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قدير ) سورة الفتح اﻵية 21. وكذلك اﻵية 13 من سورة الحجرات ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) . الله وزع حكمته على جميع الشعوب ، كل شعب يعتقد أنه هو فقط شعب الله المختار سيجلب على نفسه لعنة الله وسيكون مصيره الفناء. هذا ما تذكره صفحات التاريخ.
عندما رأى اﻷديب والفيلسوف فيودور ديستوفسكي اﻹنحطاط الروحي يجتاح نفوس المفكرين والعلماء في القرن 19 قال عبارته الفلسفية الشهيرة ( إن لم يكن الله موجود فإن كل القيم واﻷخلاقيات تسقط عن نفسها ويصبح كل شيء مباح من أصغر الذنوب إلى أبشع الجرائم " مشكلة اﻹنسانية اليوم ليست ( أي الديانات هي اﻷصح؟) ولكن المشكلة الحقيقية التي يعاني منها فكر إنسان اليوم هي هل الله موجود أم غير موجود ، وأقصد هنا وجود الله في جميع أحاسيسنا وليس فقط في عقلنا، قد لا يهم نوعية الصلاة التي سيصليها اﻹنسان ولكن اﻷهم هو أن يشعر أولا بأن الله موجود ويحاول أن يرى المخطط اﻹلهي بكل شيء يراه حوله وعندها الله عز وجل هو من سيوجهه بطريقته الخاصة إلى الصراط المستقيم ، في هذا العصر الذي تتحطم فيه جميع الروابط اﻹنسانية ، المؤمن هو الذي يرى في الشعوب اﻷخرى أطفالهم فيشعر بشيء من الحب والعطف نحوهم. المؤمن هو الذي يزرع المحبة واﻹخاء بين الشعوب، هو الذي ينمي روح السلام والتعاون. هو الذي يصبر ويعفو ويسامح. اﻹنتماء اﻹنساني اليوم هو أرقى أنواع اﻹنتماءات ﻷن جميع أنواع اﻹنتماء وضعها الله في نفوس الناس لحماية اﻹنسان، اﻷخلاق الحميدة هي أقوى سلاح يرفعه المؤمن ضد هذا اﻹنحطاط الروحي الذي تعيشه اﻹنسانية بأكملها، ....والله أعلم.
وسوم: العدد 690