واحة في صحراء حياتي
صالح محمّد جرّار/جنين فلسطين
خاطرة كتبتها في الرّياض في 5/5/2007
لجّتْ بيَ مسيرة الأيام بعيداً بعيداً ،وأذاقتني في مسيرتها ما يذوقه المسافر عبْر البيداء ،وقد ضلّ طريقه ، فلا دليلَ ولا صُوىً تهديه ، ولا بصيصَ نجاة يلوح له، ويكادُ هجير الصّحراء يبخر دماغه ، ويجفف نخاع عظامه ،وقد اكتوى جسده بحرّ يذيب صُمّ الصّخور ، وتعاقب عليه الليل والنّهار بكلّ هول ،ولا رفيقَ له إلاّ الصّبر الجميل !!
ويطول بيَ الحديث عمّا جرّعتني الأيّامُ مِن كؤوس المُرّ ، وعن كُرَبٍ ألقتني فيها أيدي القَدَر، وأنا معتصمٌ بحبل الله المتين ، وساجدٌ على أعتاب باب ربّ العالمين !!
وكم لأقدار الله الرّحيم مِن نفحاتٍ رخيّة ،ونسَمات نديّة ، وهبّات ِشذا وعبير ،تُنعش النّفسَ ، وتجلو القلب، وتُهدّئ الأعصاب ، وتجري الرّجاءَ في العروق !!
وإنّ من تلك النّفحات الرّبانيّة ، زيارتنا لولدي الحبيب الغالي الدّكتور محمّد ،في مدينة الرّياض . وما إنْ اكتحلت عيوننا برؤية الأحبّة ورؤية حفيدتي الغالية رجاءً ، تضمّها أمّها إلى صدرها الرّؤوم ،فخففتُ ـ وأنا في العقد السّابع من عمري ـ خففت لأضمّ حفيدتي رجاء ،بهجة النّفس ،وقرّة العين ـ وثمرة الفؤاد ، وريحانة الحبّ ، وعبير الطّفولة ، وزينة الحياة الدّنيا ، لأضمّ رجاء الرّوح ، وبلبل الرّوض ،وأغرودة الحبّ الصّادق الجميل ــ أقول ما إنْ اكتحلت العيون برؤيتهم الحبيبة ، حتّى رقص القلب ابتهاجاً بالأحبّة ، وحلّقت الرّوح في آفاق السّرور والسّعادة ، وتلاشى تعب السّفر الطّويل من جنين إلى الرّياض ،وشعرنا بالرّاحة والطّمأنينة والأمن والأمان !!
وهكذا أوينا إلى روضة ناضرة في صحراء الحياة ، تُغرّد فيها حفيدتنا الغالية رجاء الّتي نناديها باسم الدّلال ــ رورو ـــ وكم وجدنا فيها من آيات العذوبة والجمال ،في روحها الخفيفة العذبة ، وفي نطقها الشّهي العذب ، وحركات أعضائها النّاضرة ، ومناغاتها المطربة ، وألفتها لمحبيها ، وكم تشدّك بنباهتها وحديث عينيها وتعبيرات وجهها الجميل ، وكلماتها الّتي تقطر عسلاً شافياً ، فتقع على قلوب سامعيها برداً وسلاماً، ونشوة وهُياماً ، وتسمع منها تغريد بلبل وشدْو هزار، فتزيدك انتعاشاً وابتهاجا وهياماً بها !! فتخفّ لتحملها بكل جوانحك النّشوى ، فترقى بك إلى ذرا الحبّ ، وتحلّق بك عالياً في أجواء رياض الطّفولة فينتعش صدرك بعبير ربّانيّ منحه الطّفولة عامّة ، ومنح خلاصته حفيدتي الغالية رجاء ، فرحت أردّد قول الشّاعر ــ وأنا في رياض نجد ــ :
تمتّع من شميم عرار نجدٍ فما بعد العشيّة من عرارِ !!!