خطبة رمضان
معمر حبار
لأول مرة، يصلي صلاة الجمعة، خلف إمام الحسنية. اتصف بكونه .. جهوري اللسان، يحسن مخارج الحروف، ورزق حلاوة القراءة، فقد مزج بين الصوت القوي، وإحكامه للأحكام. ويتقن الموضوع الذي بين يديه، ويعرف متى يستدل بهذه الآية، أو ذاك الحديث. وكان فقيها، حين قرأ في الصلاة، نفس الآيات التي كانت موضوع الخطبة.
ورغم هذه الخصال، إلا أن الإمام أطال الخطبة فوق ماهو معتاد، ولم يلتفت للمصلين خلفه، خاصة أولئك الذين لفحتهم حرارة الشمس، خارج المسجد، وكانت درجة الحرارة تفوق الأربعين 40.
ويكفي نظرة سريعة، للمصلين خارج المسجد، وكل منهم يتسابق، من أجل الحصول على مربع من الظل، يحميه من حرارة الشمس، ومن لم يغنم بمساحة ظِلٍّ، وظَلَّ تحت رحمة أكثر من 40 درجة، دون ساتر يحميه، ولا غطاء يمنعه.
ويزداد الوضع خطورة، حين يرى المرء، رجالا يرافقون أبنائهم الصغار، فيُجبرون على الجلوس، تحت هذه الحرارة، التي لايُطيقها الكبار، فكيف بالصغار.
ضف لها، أن بعض المصلين، حضر لأول مرة، لصلاة الجمعة، بمناسبة شهر رمضان. ومن أوتي الفقه، عليه أن يراعي شعور مثل هؤلاء، فيخفّف عنهم، لعلّ في التخفيف، مدعاة لهم، ليستمروا على نفس المنهاج، ويواصلوا الطريق الذي بدأوه في شهر رمضان، ويكون شهر الرحمة، بالنسبة لهم، بداية حسنة، للأيام والعقود القادمة، وكل ذلك بفضل، عدم إطالة الخطبة، والتخفيف منها، بما يناسب صيام المصلي، والحرارة الملتهبة.
بمناسبة مرور 81 سنة على تأسيس جمعية العلماء المسلمين، سنة 2012 – 1433 هـ، كان لي شرف أن التقيت، بإمام بوزعاية .. وكان شابا، رُزق حسن الصورة والصوت. وقبل أن يعتلي منبر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثني أن خطبة الجمعة ستنتهي على الساعة 13 و 40، وفعلا أنهى خطبة الجمعة في 10 دقائق. وانصرف الحضور والضيوف، فرحين مسرورين، بصوته القوي، وحسن بيانه، وروعة اختزاله.
في المقابل، هناك مسجد، محاذي لملعب كرة القدم، فيكثر يوم الجمعة، أنصار الفريقين، فيأتون من شرق البلاد وغربها، قاصدين المسجد أولا، ثم ينصرف كل منهم، لفريقه ليشجعه، فإذا بالإمام، يتعمّد إطالة الخطبة، إلى مابعد الوقت المتعارف عليه. فتتحول خطبة الجمعة إلى عقوبة، يعاقب بها الأنصار والمشجعين، سواء المحليين منهم، أو الذين جاؤوا من مسافات بعيدة، مفضلين حضور فضل صلاة الجمعة، وهم على سفر، وأداء الصلاة في وقتها.
إذا كان الإمام الفقيه، يُعرفُ من خلال جلسته، وتكبيرته، وتسليمته، فإن الإمام الفقيه، يعرف أيضا، من خلال مدة خطبته .. فقصر الخطبة، علامة على فهم الفقه المسطور، والفقه الممارس، ومؤشر على حب الامام للمؤمومين، الذين تحمّلوا حرارة الصيف، وصقيع الشتاء.