عناصر القوة في الإسلام
مقدمة :
إن من أهم أسباب المحافظة على العزة التي كتبها الله لعباده المؤمنين الأخذ بعناصر القوة في أشكالها المتعددة ، وذلك استجابة لأمر الله القائل في كتابه الكريم: ( وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ ) [الأنفال:60].
ومن عناصر القوة قوة العقيدة ورسوخ الإيمان بالله جل وعلا وبكل ما جاء عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والانقياد الكلي لله ولرسوله في كل ما نأتي ونذر ، فإن المسلم إذا تغلغل الإيمان في قلبه أكسبه نشاطًا وحماسًا على تحمل الصعاب ومواجهة الأخطار دون تهَيب ، وكما أن العقيدة القوية تضفي على صاحبها قوة تنطبع في سلوكه كله وفي عبادته ومعاملاته وأخلاقه وفي شأنه كله ، فإذا تكلم كان واثقًا من قوله ، وإذا عمل كان راسخًا في عمله ، وإذا توجه كان واضحًا في هدفه ، وقلّ ما يعرف التردد أو اليأس إلى نفس المؤمن سبيلاً .
فالعقيدة الصحيحة هي أساس الفلاح في الدنيا والآخرة والنجاح في الأمور كلها والعاقبة الحميدة والله المستعان.
ومن عناصر القوة قوّة العدة والعتاد والتدريب على فنون الجهاد باللسان والمال والعتاد والأنفس والتدرب على السلاح والرماية بالطرق المشروعة ، وبذلك نرضي الرب تبارك وتعالى ، ونذُبُّ عن ديننا ، ونحمي أنفسنا وأهلينا وديارنا ، وبذلك نضمن العز والنصر في معركة الحق مع الباطل .
ومن عناصر القوة أن يكون المسلم صريحًا جريئًا يواجه الناس بقلب مفتوح ومبادئ واضحة، فلا يصانع على حساب الحق بما يغضّ من كرامته وكرامة إخوانه المسلمين، فلا يوهن فيهم ولا يفتُّ في عضدهم ولا يهين كرامتهم ولا يحطم معنوياتهم ولا يحطّ من قدرهم ولا يحيد عن هذه الصراحة أبدًا، فقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنبثق من هذا المبدأ، فعلى المسلم أن لا يتهيب كبيرًا ولا يستحي من قريب أو بعيد ولا تأخذه في الله لومة لائم.
محاور الخطبة :
1. الأمر بأخذ أسباب القوة.
2. قوة العقيدة والعتاد والإعداد.
3. الاستعلاء الإيماني والصدع بالحق.
4. ضرورة تصحيح أخطاء حياتنا.
5. المؤمن القوي خير وأحب على الله من المؤمن الضعيف.
6. التوكل والعزم والتفويض سلاح المؤمن.
هدايات قرآنية :
1. قال تعالى : ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) [الحج:40] : فعلى الإنسان المؤمن تقوية الإيمان في نفسه ونفوس أبنائه ؛ ليضمن العزة التي كتبها لكه ربه إن كان من المؤمنين .
2. من الجريمة أن تنتهك حرمات الإسلام ثم لا يجد من ينتهكها من يحقِّره ، بل يجد من يمتدحه ويبجله ، قال الله تعالى: ( وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء) [الحج:18].
3. وقال الله تعالى : ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْء فِى سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) [الأنفال:59، 60] : فينبغي على المسلمين الامثتال لأمر الله ورسوله بإعداد القوة اللازمة لرد كيد أعداء الإسلام في نحورهم، وعلى كل مسلم أن يعلم الإسلام ليس ترفًا ورخاوة أو لذة أو جمعًا لحطام الدنيا، وإنما الإسلام دين ودولة ومصحف وسيف ومحراب وميدان للجهاد في سبيل الله بكل وسائل القوة بعد التوكل والاعتماد على الله جل وعلا وإخلاص النية لله رب العالمين.
4. وقال أيضًا سبحانه : ( اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ) [هود:52] : فالتقوى والأخذ بكل أسباب القوة تحقق للمسلمين الحياة الطيبة العزيزة الكريمة في الدنيا وفي الآخرة .
5. وليكن المسلم مستجمع النية على إدراك أهدافه بالوسائل الصحيحة ، باذلاً كل جهوده في بلوغ مأربه ، متوكلاً على الله حقّ التوكل ، معتقدًا أن النتائج من عند الله تعالى ، وأن الأسباب ليست وحدها كافية في إحراز النتائج ، ثم إن قدّر الله له تحقيق ما أراد فيقوم بالشكر لله تعالى ويكون ذلك خيرًا له ، وإن قُدِّر له غير ذلك فيصبر ويحتسب الأجر من الله تعالى ويعلم أن لله من الحكمة ما لا تدركه العقول ولا يخطر ببال ، وذلك في قوله : ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) [يوسف:21].
6. قال الله تعالى : ( وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [غافر:44]
7. قال الله تعالى: ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].
قبسات نبوية :
1. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله وهو على المنبر يقول: (( وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي )) رواه مسلم في الإمارة : والرمي هذا يشمل كل رمي في كل زمان ومكان بحسبه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أطلق الرمي ولم يعين ما يرمى به، فيتحرك المسلم حسب ما يقتضيه الحال والمكان.
2. ولذلك كره الإسلام أن يضعف الإنسان أمام العصاة من الكبراء فيناديهم بألفاظ التكريم ، قال رسول الله : (( إذا قال الرجل للمنافق : يا سيد فقد أغضب ربه )) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/311) : واعلموا أن الظفر بالعزة ليس حلمًا معسولا نصبو إليه ونحن نعيش حياة الترف والخلاعة والفجور ، نضيع نهارنا في ذرع الأسواق وغشيان المعارض والرفاهية الزائفة ، ونسهر ليلنا عكوفًا على الأفلام الخليعة من فيديو وتلفزيون وسينما ، وإنما الظفر بالعزة يكون بالهدف الأسمى للمسلم ، وذلك يتطلب تضحيات جسيمة لا يقدر عليها إلا الرجال من المؤمنين الصادقين المتوكلين على ربهم بعد توفيق الله له .
3. ولقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء لا تقل : لو أني فعلت لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان )) رواه مسلم في القدر، باب (2664) : يعني توكل عليه واجعل تفويض الأمور كلها إليه جل وعلا.
واعلموا أن الإسلام يكره للمسلم أن يكون ضعيفًا عاجزًا كسولاً مترددًا في أموره حائرًا في فكره تائهًا في اتجاهه، وبين لنا رسول الله أن ذلك من إيحاء الشيطان في النفس ليجعلها في يأس وقنوط على ما فات، فيذكرها دومًا بالهزائم والأحزان، وتَكرار كلمة (لو) و(ليت) ـ كما بين لنا ـ ليس من خلُق الإنسان المسلم، فالمسلم يجب أن يكون دائمًا وثيق العزم، والله يثني على أولى العزم من الرسل.
والحمد لله رب العالمين