حسن الظن بالله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الرحيم بعباده، العليم بأحوالهم, الحكيم في خلقه و امره و شرعه وقدرته له الحكمة البالغة احمده سبحانه واشكره، و اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له و اشهد ان محمداً عبده ورسوله
اما بعد :
فان هذا الدين دين شامل يحض على مكارم الاخلاق، وجميل الافعال فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق و اخلاق الاسلام اخلاق شاملة فهي اخلاق مع الله عز وجل، واخلاق مع النفس، واخلاق مع الناس بل واخلاق مع البهائم ولو استقام الناس على الخلاق التي جاء بها الاسلام لقرت عيونهم بسعادة وهناء فمن الاخلاق التي دعا إليها الاسلام (حسن الظن) وحسن الظن بالله عبادة و عقيدة ودين وايمان فلا تزال الاقدار بالعبادة وما تزال الاقدار مداولة ما بين صحة ومرض وغنى و فقر وعز وذل ونصر وهزيمة و المؤمن ما تقلبت به الاحوال يحسن الظن بربه ومولاه، ليعرف الهزيمة إنما تأتي من النفس (قل هو من عند انفسكم) وان الله عز وجل حكيم عليم بديل الامر على اوليائه لحكم عظمته (و تلك الايام نداولها بين الناس و ليعلم الله الذين امنوا و يتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين و ليمحص الذين امنوا و يمحق الكافرين) فليسعى للثبات عند الابتلاء: الثبات على الايمان و يسعى في طلب الشهادة و هو مع ذلك يحسن الظن بربه انه ناصر دينه و معلن كلمته و لو كره الكافرون، ولو طال الزمان بالناس ولا يقع في سوء الظن بالله تعالى وهكذا من ابتلي بمرض عرف ان المرض مكفر للسيئات و رافع الدرجات و ان فرج الله قريب ولكن الشفاء ليس بعيد فيتحسن الظن بربه يعرف انه ان اصابه المرض فلحكمة ارادها الله وان الشفاء قريب فلا يقنط ولا يتألم ولا يقول قول الجهلة(انا ماذا عملت يا رب حتى تمرضني)او نحوها من تلك العبارات الدالة على ضعف اليقين بل يعرف حكمة العليم الحكيم وكم ابتلي رجل بمرض فأعقبه ذلك المرض خيرات حسان من توبة صادقة الى الله ووقوف عن ما حرمه الله و الالتفات الى الاهل و معرفة للنفس و ترك للبطر و الاشر ,و رقة في القلب و الطبع مما لو دفع لأجله الملايين لم يحصله بل ربما خفي على العبيد من النتائج والأقدار قدره من تكفير السيئات و رفع الدرجات و غفر الذنوب اما الفقر فإحسان الظن بالله ؟؟؟؟؟؟؟؟ للعلم بان بيده خزائن السماوات و الارض و انه عز وجل الغني الغنى المطلق من جميع الوجوه. و لكنه يعطي لحكمة ويمنع لحكمة (الله يبسط الرزق لمن يشاء و قدر) فهو الذي يوسع الرزق ويبسطه على من يشاء ؟؟؟؟؟؟؟؟على من يشاء لحكم يريدها فمن العباد من لا يصلحه الى الغنى و منهم من لا يصلح الا الفقر فلربما كان غني أقوام سببا لفسادهم وطغيانهم ولربما كان فأقوام سببا لفسادهم وطغيانهم فتقسيم الارزاق لحكم يريدها الله عز وجل وفخروا بالدنيا (و وما الحياة الدنيا الامتاع) فالكفار فرحوا بالدنيا وبسعتها عندهم و اطمأنوا لها و غفلوا عن الاخرة لانهم لم يعرفوا ربهم حق المعرفة (وما الحياة الدنيا الى متاع) أي شيء حقير يتمتع به قليلا لكن سرعان ما يزول فيفارق رقة الانسان او يفارق هو الانسان. و تعقبه الحسرات. ايها المسلمون ان الاسلام تعبد لله عز وجل بحسن الظن فيبقى المسلم مهما تقلبت به الاحوال يحسن الظن بربه سبحانه فيدعو ربه عز وجل وهو يحسن الظن به فإنه سبحانه (جواد كريم رحيم ودود، كما انه حكيم عليم) وهو القائل سبحانه لما في الحديث القدسي الذي رواه البخاري في الصحيح (انا عند ظن عبدي بي) وفي لفظ من الحديث ؟؟؟؟؟؟؟به الاسقع رضي الله عنه _عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى :( انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء) رواه احمد قال الحافظ القرطجي _رحمه الله :( قيل ؟؟؟؟؟؟؟ظن عبدي بي :ظن الاجابة عند الدعاء . وظن القبول عند التوبة. وظن المغفرة عند الاستغفار وظن قبول الاعمال عند فعلها بشروطها ؟؟؟؟؟؟بصادق وعده. وجزيل فضله و يؤيده قوله في الحديث الاخر (ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة). قال: ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقناً بأن الله يقبله ويغفر له) لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد، فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها، أو أنها لا تنفع فهذا هو اليأس في رحمة الله وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن.
كما في بعض طرق الحديث المذكور: ( فليظن بي عبدي ما شاء).
قال: وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرِّة وهو يجر إلى مذهب المرجئة)[1].
وهكذا في كل أمر على العبد أن يعمل ما أوجب الله عليه القيام به مع إحسان الظن بالله.
فإن افتقر اجتهد في طلب الرزق والبحث عن العمل، مع دعاء الله عز وجل وإحسان الظن به.
وإن مرض اجتهد في طلب الشفاء وبذل الأسباب مع إحسان الظن بالله إنه يحقق لعبده الشفاء والمعافاة. وإن كان جاهلاً اجتهد في طلب العلم وبذل الأسباب مع إحسان الظن بالله.
وتأملوا هذا الحديث: (يعجب ربك من قنوط عباده وقرب خيره)
فإّذاً كم من عابد قانط من الشفاء وهو عما قريب واقع.
أيها المسلمون:
لئن كان الخوف من الله عبادة من أعظم العبادات فإن أعظم العبادات أيضاً. ولكن ينبغي للعبد أن يغلب عند الموت جانب الرجاء وأن الله تعالى يرحمه ويعفو عنه ويتجاوز عن سيئاته وذلك حسن الظن الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله قبل موته بثلاث: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل).
وذلك والله أعلم عند انقطاع العمل وتبدد الأمل فلم يبق إلا التعلق بعفو الله ورحمته وعظيم فضله. قال ابن مسعود رضي الله عنه: والله الذي لا إله غيره: لا يحسن أحد الظن بالله إلا أعطاه الله ظنه وذلك أن الخير بيده).
وقال ابن عباس رضي الله عنه: (إذا رأيتم بالرجل الموت فبشروه ليلقى ربه وهو حسن الظن به، وإذا كان حياً فخوفوه).
وقال بعض العلماء (البربهاري): (اعلم أنه ينبغي للعبد أن يصحب الخوف أبداً ما صحب الدنيا، لأنه لا يدري على ما يموت وبم يختم له، وعلى ما يلقى الله عز وجل وإن عمل من الخير، وينبغي للرجل المسرف على نفسه أن لا يقطع رجاءه عند الموت وأن يحسن الظن بالله).
أيها المسلمون:
إن حسن الظن بالله عز وجل عمل قلبي لا يزال العبد محتاجاً إليه فانقلبت به الأحوال فالناس لا يمر بهم يوم إلا وكل منهم في حال.
ومهما كان فالمؤمن معلق القلب بربه سبحانه. يرجو رحمته ويخشى عذابه. ولا تمر به حال تسؤه إلا وهو يحسن الظن بربه وأنه قدر ذلك لحكمة وأنه سيرفع عن عبده المصاب فاتقوا الله أيها المسلمون وأحسنوا الظن بالله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمته ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).
اللهم أقل عثراتنا، وعافنا من زلاتنا، وجد علمك على جهاد عباد لا يرجون غيرك . ولا يتقون إلا بك فإنك واسع المغفرة ليس لدي خطيئة مهرب إلا أنت. سبحان الله وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
أيها المسلمون:
إحسان الظن بالله فرع عن العلم فمن عرف ربه أحسن الظن فرحمة الله تسبق غضبه والعفو أحب إليه من الانتقام والمسامحة أحب إليه من الأخذ والاستقضاء، والترك أولى عنده من الاستقضاء، والمغفرة لا تنقض ذرة من ملكه.
وهو لا يتشفى بقضاء عبيده ولا يوصد بابه أمام ثوابه وهو القائل في الحديث القدسي: (إن رحمتي سبقت غضبي). والله غفور كريم يعطي عبده . حسن ظن العبد به وقد قال في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي).
هو أرحم بعباده من أنفسهم وأرأف بهم من والديهم من رحمته أن قسم الرحمة بين عباده.
فالخلق يتراحمون برحمة واحدة من مائة رحمة. فكيف ينسى العبد رحمة الرحيم ولا يحسن الظن إلا به هو الحكيم الذي يعطي لحكمه ويمنع لحكمه والخلق كلهم عباده.
أحب الخلق إليه أنفعهم لعباده فمن عرف الله حق المعرفة حسن ظنه به. حتى ولو كان في أشد أحوال فقره أو مرضه.
فاتقوا الله وأحسنوا الظن به.
[1] انظر خالد الشايع .... الطبري ص121_ 124