الظلم

أحمد أحمد عبد الجواد

الشواشنة / الفيوم / مصر

العناصر :

1- تعريفه وأقسامه

2- من صور الظلم في حياتنا

3- موقفنا من الظلم وأهله

4- عاقبة الظالمين في الدنيا والآخرة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعـد :

فالظلم منشأه من ظلمة النفس والقلب ، ومآله : ظلمات بعضها فوق بعض يوم العرض على الرب سبحانه وتعالى ، وقد عرفه العلماء بأكثر من تعريف كلها صحيحة إن شاء الله :

أولها : أنه وضع الشئ في غير موضعه كإثابة المجرم ومعاقبة المحسن .

وثانيها : النقص أو الانتقاص وكل نقص لحق الغير أو انتقاص منه يعد ظلماً منهياً عنه ، قال تعالى : " كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً " ( الكهف ) أي لم تنقص .

وثالثها : مجاوزة الحد بالزيادة أو النقصان ، يعني بالزيادة على الحق المطلوب فيكون تشريعاً بالهوى مذموماً وطغياناً لا يحمد أهله وابتداعاً في الدين ، أو بالنقص منه ، قال تعالى : " فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير " ( هود ) .

 ويطلق الظلم ويراد به كبائر الذنوب وصغائرها مع الفارق الشديد بين العقوبتين والمنزلتين ، ولذلك قيل لآدم في تعديه ظالم وقيل لإبليس ظالم وإن كان بين الظلمين بون بعيد .

والظلم ليس نوعاً واحداً بل هو أقسام وأنواع :

 فأكبرها وأخطرها على دين العبد ظلم العبد ربه سبحانه وتعالى سواء أكان بالشرك أو الكفر أو النفاق الأكبر الذي يظهر صاحبه الإسلام ويدعي الإيمان خوفاً على نفسه وهو في الباطن كافر بالله عز وجل أو كان بالكذب المتعمد على الله عز وجل ، وإلى هذه الأنواع السابقة من ظلم العبد ربه أشار الله في كتابه العزيز كما في قوله تعالى : " إن الشرك لظلم عظيم " ، " ألا لعنة الله على الظالمين " ، " والظالمين أعد لهم عذاباً أليما ً " ، " فمن أظلم ممن كذب على الله " ، " ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً " .

وأما النوع الثاني من الظلم  - أيها الأحباب الكرام – فهو ظلم العبد غيره من الناس وإلى هذا النوع أشار الله تعالى بقوله : " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس " ، " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً " ، وهذا النوع من الظلم يكون بالقول كالتطاول على الناس والنيل من أعراضهم وإلصاق التهم بهم ، كما يحصل بالفعل كالاعتداء باليد ضرباً أو سلباً أو نهباً أو غصباً لحق من حقوقهم ثبت لهم بطريق مشروع ، ويحصل كذلك بشهادة الزور التي تسلب الحق من صاحبه وتعطيه لغير مستحقيه .

وأما النوع الثالث فهو ظلم العبد نفسه ، وقد أشار الله إلى هذا النوع بقوله : " فمنهم ظالم لنفسه " ، " وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " .

وكل هذه الأنواع الثلاثة تعد من ظلم العبد لنفسه لأن العبد حين يشرك بالله تعالى يعرض نفسه لما لا يطاق من العذاب إذا مات على شركه ، لقوله تعالى : " ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق " ، " إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة " ، وكذلك إذا فعل ما يضر غيره فإنه يعرض نفسه للقصاص منه ، وإذا لم يكن في الدنيا بالشريعة العادلة ففي الآخرة بالقضاء العادل ، قال تعالى : " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً " .

أيها الأحبة في الله : وللظلم في حياتنا صور متعددة ، منها :

1- ظلم الإمام رعيته بالاحتجاب دونهم وغشهم وعدم نصحهم ، فلا يدلهم على ما فيه مصلحتهم ونجاتهم ، بل على العكس يزين لهم ما فيه هلاكهم في الدنيا والآخرة .

2- أكل أموال الناس بالباطل كالحلف الكاذب ونحوه

3- أكل أموال اليتامى ، قال تعالى :" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً "

4- ضرب الناس وكسر عظامهم وقتلهم بغير حق ، قال تعالى : " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانا ً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً " .

5- التطاول باللسان على الخلق سباً وشتماً وقذفاً .

6- قطع الطريق وسلب الأموال وانتهاك الأعراض وترويع الآمنين

7- ظلم الزوج زوجته بإهدار حقوقها وإساءة عشرتها وهجرها بغير حق شرعي وتعريضها للرذائل وعدم تعليمها أمور دينها وترك النصح لها .

8- ظلم الزوجات للأزواج ويحصل ذلك بعدم صيانة أموالهم وعدم المحافظة على أعراضهم والإهمال في تربية الأبناء وسوء المعاملة له ولأهله .

9- ظلم الآباء للأبناء بسوء اختيار الأمهات وسوء التسمية والتربية وسوء التعليم وترك التوجيه وعدم إعانتهم على برهم لهم .

10- ظلم الأبناء للآباء بترك برهم والإحسان إليهم ونسيان فضلهم وجحود حقوقهم .

11- ظلم الأغنياء للفقراء بعدم إعطائهم حقوقهم في أموالهم لأن للفقير حقاً في مال الغني ولا يحل جحده فمن منعه فهو ظالم ، قال تعالى : " وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " .

12- ظلم أصحاب الأعمال للعمال الأجراء لما جاء في صحيح البخاري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " قال الله تعالى :" ثلاثة أنا خصمهم ومن كنت خصمه خصمته : رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً ثم أكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره " .

13- الظلم في القضاء بين الناس إذ الواجب على القاضي تحري العدالة والبعد عن الجور والقضاة على خطر عظيم ، فقد أخرج الحاكم من حديث بريدة - وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي – أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال : " قاضيان في النار وقاض في الجنة ، قاض قضى بالحق فهو في الجنة ، وقاض قضى بجور فهو في النار ، وقاض قضى بجهله فهو في النار ، قالوا : فما ذنب هذا الذي يجهل ؟ فقال : ذنبه ألا يكون قاضياً حتى يعلم " ، لهذا كان سادة السلف يهربون من القضاء خشية الظلم ، بل منهم من هددوه بالجلد ومنهم من تم جلده  ولم يقبل القضاء ورعاً وخوفاً ، فواعجباً لمن يدفعون الرشوة ليكونوا في موقع القضاة ، نسأل الله العافية !!!

ويلحق بالظلم في القضاء صور منها .

1- التفريق بين الحكام والمحكومين في المحاسبة والمحاكمة ، فبينما يمكن محاسبة المحكومين بسهولة أمام القضاء لا يمكن هذا للحكام إلا بشروط صعبة تجاوزت نسبة محدودة في المجالس النيابية ، وهذا لم يحدث في الدول النامية حتى اليوم .

2- التفريق بين الوزراء والعاديين من الناس ، فلا يحاكم الوزير إلا باتهام من رئيس الدولة واستفتاء من مجلس الشعب وفي محكمة خاصة نصفها مستشارون ونصفها من أعضاء المجلس وكل هذه الضمانات والاستثناءات لا تتوافر للرجل العادي من المواطنين .

3- التفريق بين الأغنياء والفقراء حيث يسمح القانون بإخلاء سبيل المتهم على ذمة التحقيق والقضية حتى تثيت البراءة أو التهمة ، وكذلك يبيح القانون تأجيل تنفيذ الحكم الصادر ضد المتهم إلى حين الفصل في الاستئناف ، كل ذلك نظير كفالة يدفعها المتهم من ماله ، فالغني يخرج حينئذ والفقير لا يستطيع لعجزه عن الدفع ، وهذا ضد مبدأ المساواة .

4- التفريق بين الأعضاء الظاهرين في المجتمع كالمحامين وأعضاء المجالس النيابية والأطباء وبين الأفراد العاديين ، فبعض القوانين الوضعية لا يسمح برفع الدعوى ضد هؤلاء إلا بعد استئذان جهات معينة ، وبعض القوانين يجيز حفظ القضايا والاكتفاء بالعقوبات الإدارية ضدهم فقط حرصاً عليهم وعلى سمعتهم بينما لا يتوفر ذلك للأفراد العاديين  .

5- إعطاء الحاكم حق العفو العام أو العفو الخاص عن الجرائم التي تقع ضد أمن الدولة أو أمن الأفراد ، والظلم في هذا أن هذا العفو قد يكون عن الجواسيس الذين يهددون أمن البلاد أو عن المجرمين المفسدين في الأمة لكونهم مقربين ذوي محسوبيات ، بينما صغار المجرمين يبقون في السجون ، ويتمتع المجرم النسيب بالحرية ، والأصل أن يكون الناس أمام القانون العادل سواء ما داموا مرتكبين للجرائم في حق الدولة أو في حق الأفراد .

أيها الأحباب الكرام : مر بنا عدد غير قليل من صور الظلم في حياتنا وهذا العدد لا يعني الحصر بل هو ما وفقني الله للوقوف عليه وجمعه ، ومن المؤكد أن هناك صوراً خفيت علينا نرجو الله أن يوفق غيرنا لكشفها وتحذير الناس منها .

والآن : ما الواجب علينا نحو الظلم والظالمين ؟

وللجواب على هذا السؤال نقول :

يتمثل الواجب في النقاط الآتية : -

1- محاولة حجز الظالم ومنعه من الظلم : لقوله صلى الله عليه وسلم : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، قال رجل : يا رسول الله ، أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره ؟ قال : تحجزه أو تمنعه من الظلم ، فإن ذلك نصره " .    ( أخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ) .

2- إذا لم يستجب الظالم واستمر في بغيه وعدوانه وكان بالإمكان ردعه باليد حتى يرتدع دون أن يؤدي ذلك إلى فتنة أشد ردعناه ، لقوله تعالى :" فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله "  ( الحجرات  ) .

3- إذا كان الظالم من القوة والمنعة بحيث لا سبيل إلى ردعه وكان استخدام القوة معه يؤدي إلى فتنة ولا يحقق المقصود فيكون الواجب حينئذ ترك مودته وترك طاعته وعدم معاونته وعدم الدخول عليه ولا تكثير سواده ، وهذا الذي عناه مولانا سبحانه وتعالى - والله أعلم بمراده - حين نهانا بقوله : " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " .

· فإذا لم نقم بالواجب المذكور وولينا ظهورنا كأننا لا نرى ولا نسمع وأصبح الظالم عندنا في الميزان كالمظلوم فإن النتيجة ستكون وخيمة وصعبة ، إنها النار التي تشوي الوجوه وتسيل الصديد ، إنه فقدان الأولياء وضياع الأنصار ، قال تعالى : " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " (هود - 113 )  .

· إن السلبية مع الظالمين والرضا بما يصنعون يعني الحشر معهم ، قال تعالى : " احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم " ( الصافات – 22 ، 23 ) ، والمراد بقوله تعالى : " وأزواجهم " أي أشباههم وأمثالهم وأتباعهم ، ويكفي معين الظالمين خيبة وسوء مآل أنه ليس من النبي وليس النبي منه ولا يرد عليه الحوض ولا يشرب من يده الشريفة في يوم شديد الحر .عن كعب بن عجرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد عليّ الحوض ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وهو وارد عليّ الحوض " ( أخرجه الترمذي وقال : حديث غريب صحيح  ) .وقال مكحول الدمشقي – رحمه الله - : ينادي مناد يوم القيامة : أين الظلمة وأعوانهم ؟ فما يبقى أحد ندّ لهم حبراً أو حبر لهم دواة أو برى لهم قلماً فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم .

· ومن نظر إلى أعوان الظلمة بعين الرضا يخشى عليه من حبوط عمله ، قال سعيد بن المسيب رضي الله عنه : لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لألا تحبط أعمالكم الصالحة ، قال ابن عمر رضي الله عنهما :" الشُرط – يعني الظلمة منهم – والجلاوزة كلاب النار يوم القيامة " ، والمراد بالجلاوزة : أعوان الظلمة .

· ومن وقف في موقف يقتل فيه المسلم ظلماً ولا يدافع عنه إلا عمته اللعنة – والعياذ بالله - ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقف أحدكم موقفاً يقتل فيه رجل مسلم ظلماً فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدافعوا عنه " ( رواه الطبراني والبيهقي بإسناد حسن ) .

فاتقوا الله – عباد الله – واحذروا الظلم والظالمين ولا تركنوا إليهم ولا تحبوهم ، فإنهم القوم يشقى بهم جليسهم ومعينهم ، وتذكروا دائماً قول الله عز وجل : " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " ( المائدة – 2 ) .

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ...............

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله إمام المرسلين وخاتم النبيين وبعد :

وصلاً بما سبق نقول : إن الظلم عاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة ، فأهل الظلم في الدنيا يبغضهم الله سبحانه وتعالى : " إنه لا يحب الظالمين " ، ومن أبغضه الله جعل بغضه في قلوب الصالحين من خلقه ، كما أن الظلم يجعل صاحبه عرضة لغضب الله وانتقامه منه في نفسه وماله وولده ، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ، والله يرفعها فوق الغمام ويقول لها : " وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " .

ومما يؤكد خطورة الظلم أن صاحبه محروم من الأمن النفسي يمشي يتلفت حوله لأن أعداءه كثيرون بسبب ظلمه وبغيه ، فهو يتوقع الانتقام في أي وقت ، وغياب نعمة الأمن النفسي من أشد العقوبات في الدنيا حيث تتحول الحياة في غيابها إلى علقم ونكد وشقاء .

ونتائج الظلم الوخيمة ليست مقصورة على الظالم وأعوانه فقط ، بل إن الحياة يصيبها الكساد والقلق ، فالكل خائف على عرضه وماله ودمه ، لهذا لا يستقر مع الظلم عمران ، ولا تكون معه حضارة ولا يحصل في ظله تقدم علمي ولا صناعي ولا اقتصادي .

يقول أبو هريرة – رضي الله عنه - : " إن الحبارى تموت في وكرها هزالاً من ظلم الظالم " ، والحبارى طائر رمادي اللون على شكل الأوزة في منقاره طول .

أرأيت كيف أثر الظلم حتى على الطيور ؟!

كما أن شيوع الظلم بلا رادع يجعل الحياة غابة يكون البقاء فيها للأقوى وليس للأصلح الأتقى .

وأما عقوبة الظلم وأثره في الآخرة فخطير جداً ، حيث يصاب الظالم بالإفلاس حين يضيع رصيده من الحسنات ويزيد رصيده من السيئات ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه فال : " أتدرون من المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ماعليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " رواه مسلم .

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شئ فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " وراه البخاري .

إن عقاب الظالم يتضاعف عليه يوم القيامة ويصبح كالطوق المحيط به ، ويالها من صورة مؤلمة مخزية لا تتحملها الجبال الرواسي ، فعن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه الله من سبع أرضين " متفق عليه .

فالقاضي العادل في انتظار كل ظالم يوم القيامة إلا أن يتوب ويتحلل من مظلمته قبل لقاء ربه ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : " من ضرب سوطاً ظلماً اقتص منه يوم القيامة " رواه البزار والطبراني بإسناد حسن ، وروى مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " لتؤدن الحقوق – إلى أهلها – يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " .  

والظلم شؤم على صاحبه حتى ولو كان قليلاً جداً ، لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة ، قالوا : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله ؟ قال : وإن كان قضيباً من أراك " .

وأخيراً نختم بهذه الآيات من سورة إبراهيم ، قال الله تعالى : " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء " ( إبراهيم 42 ، 43 ) .

ففي هاتين الآيتين صورة مرعبة يظهر فيها الظالمون وقد شخصت أبصارهم وارتفعت فهي لا تقر في مكان ولا تطرف لهول ما تراه ، ثم هم مسرعون يجيبون الداعي إلى المحشر ورؤوسهم مرفوعة وعيونهم مفتوحة لا يرجع إليها الطرف ولا تغمض من شدة الهول ، وقلوبهم هواء لا عقل فيها ولا فكر وكأن القلوب قد زالت عن أماكنها .

ألا فليتق الله الظالمون وأعوانهم قبل أن يأتي يوم يسألون فيه الرجعة فلا يمكنون منها ، قال تعالى : " وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال . وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال . وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال . فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله . إن الله عزيز ذو انتقام " ( إبراهيم 44 – 47 ) .

نسأل الله الهداية والتوفيق .