فهم الآخر
من أسرار عظمة الإمام الغزالي
زهير سالم
أسرار كثيرة تقبع وراء عظمة العظيم. لا يمكن لإنسان أن يتبوأ مكانته في سيرورة التاريخ الديني أو السياسي أو الفكري أو الفني بسبب واحد يرفعه إلى ذرا التاريخ..
كان
الإمام أبو حامد الغزالي واحداً من هؤلاء العظماء .وما نال لقبه(حجة الإسلام..) إلا
لمجموعة من السجايا رفعته إلى المقام الذي وصل إليه..
ولعل واحداً من أسرار عظمة هذا الإمام،الذي خاض تجاربه الشخصية: الفكرية والسلوكية والنفسية بالممارسة العملية ، فكان يقرن المعايشة العملية(المختبرية)إلى جانب التأمل العقلي أو النظري..لعل سر العظمة أنه كان يحاول فهم الآخر على حقيقته،ليس فقط بقراءة كتبه وأفكاره،وإنما بمعايشته ومجاراته فيما يظن أنه الحق أو السداد..
فعل ذلك مع الفقهاء_المتعلقين بظاهر النص ، كما فعله مع أصحاب المذهب العقلي من الفلاسفة ، وفعله ثالثاً مع الفرق(الباطنية)التي كانت منتشرة في عصره والتي كانت مذاهبها أقرب إلى الفلسفة الاشراقية الهندية المنتمية إلى مذاهب مغرقة في السريالية ، وفعله رابعا مع الصوفية على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم..
مهما تكن النتائج التي وصل إليها الإمام الغزالي راجحة أو مرجوحة ، فإن الذي نريد أن نتوقف عنده هو منهج الغزالي في محاولة فهم الأخر على حقيقته ، وتقديمه للآخرين على حقيقته ومحاورته ومحاججته على حقيقته أيضاً..
بل يقال إن الإمام الغزالي عندما كان يطرح وجهة نظر خصمه للنقد يطرحها بأسلوب أوضح وأسلس وأنصع من أسلوب الخصم..حتى عاب عليه فئة من العلماء ذلك بقولهم إنك في حسن عرضك للشبهة قد تجعلها تعلق في ذهن قارئك،وربما لم تقدر على دحضها المبلغ نفسه...
لم يكن الإمام الغزالي ينسب إلى خصومه ما لا يعتقدون،تشهيراً بهم أو تقبيحاً لموقفهم ..ولم يكن هو ولا واحد من العلماء في المنهج الإسلامي الأصيل يعتمد أساليب التضليل الإعلامي الذي تسرب في هذا العصر مع الأسف إلى مناهج البحث العلمي فتورط فيه مستشرقون ومستغربون..وهم يدعون على الإسلام ودعاته دعاوى لا تنبع إلا من نفوس ملئية بالكراهية والسخيمة..في عصر يُدعى عصر الحداثة والعلم وعلى أيدي أناس يدعون أنهم في هذا العالم هم المتنورون وأن من عداهم هم الظلاميون..