الكنـز (1)
الكنـز(1)
(رواية للفتيان والفتيات)
ضرغام فاضل
في يوم من أيام الصيف الحارّة ..وبالتحديد في يوم الجمعة ..تلقّى الصديقان بدر وصهيب مكالمة من صديقهما سامي, يدعوهما فيها لمرافقته لأمر ضروري..حاول الصديقان معرفة هذا الأمر,الذي يستدعي حضورهم في يوم إجازتهم..والذي غالباً مايقضّونه بصحبة الأهل وزيارة الأقارب..أو القيام بنزهة برفقة الأهل.ولكنّ سامي أكد لهم أن الأمر ضروري.فماكان من الصديقين إلا أن يلبيّا طلب صديقهما. وهاهما يقفان في إحدى الساحات العامة القريبة من سوق شعبية.
كان الموعد في الساعة التاسعة صباحاً..وهاهي الساعة تشير للتاسعة والربع ..وسامي لم يحضر..قال صهيب متذمّراً:
- أيعقل هذا ؟؟ نحضر حسب الموعد وحضرة الأستاذ سامي متخلّف عن الحضور!! .
ابتسم بدر وهو يرى الانزعاج في نبرة صديقه :
- الغائب عذره معه ياصهيب ..
تأفأف صهيب..وأدار وجهه صوب جهة أخرى..بينما أردف بدر :
- تبدو منزعجاً جداً..خيرا ًإن شاء الله ؟
أجابه صهيب :
- لأنّني كنت متوقعاً أن أحضر لأراه واقفاً بانتظاري..وليس العكس تماماً..طبعاً هذا إذا افترضنا أنه سيحضر ..
أطلق بدر قهقة عالية..ثم قال :
- لا..اطمئن ..لقد حضر والحمد لله..انظر إنه يعبر الشارع..بعد أن رآنا .
قبل أن يعبر سامي الشارع لوّح لأصدقائه بيده..ثم عبر الشارع ..وعندما صار قريباً منهم :
- السلام عليكم .تأخّرت عليكم أليس كذلك ؟
بعد أن ردّ الصديقان على تحيّة صديقهما ,ضحك بدر مستهزئاً:
- صاحب الدعوة يأتي متأخّراً.أعاننا الله على زمننا هذا.
عرف سامي أن( صهيب) متضايق من تأخيره..فوضع يده على كتف صديقه الزعلان..وقال مطيّباً خاطره :
- أولاً أودّ أن أعتذر عن تأخّري عليكم,لسبب خارج عن إرادتي..وأقدّر لكم تلبيتكم دعوتي لمرافقتي في جولتي ..
ازداد غضب صهيب..عندما سمع كلمة (( جولة ))..وقال مستفهماً..وقد عقد حاجبيه ليتأكّد ممّا سمعه :
- ماذا !! تقول جولة ؟؟
تدخّل بدر ليغيّر الموضوع,بعد أن أحسّ أن ( صهيب) صار يتحجّج,من أجل إحداث مشكلة ربّما تعكّر عليهم صفو هذا اليوم..إذ قال بعد أن ألقى نظرة سريعة على السماء الصافية من فوقه :
- أتعرفان ؟ أن الجوّ غير ملائم للتنزّه.
ردّ عليه صهيب..بعد أن أطلق ضحكة استهزائية :
- ومن قال لك إنه دعانا للقيام بنزهة ؟وإنما جولة ..ألم تسمع تصريحاته قبل قليل ؟؟
وضع سامي يديه على كتفي صديقيه..وقال لهم وهو يحثّهم على المشي :
- هذا صحيح.. فأنا لم أدعكم للتنزه.. بل لتشاركاني فرحتي بالحصول على مكتبة أنيقة,اشتراها لي والدي تقديراً لتفوّقي في الدراسة..
وهنا جاء دور بدر هذه المرّةكي يثور على صديقه مستفهماً:
- توقظنا من نومنا..وتجعلنا نتناول فطورنا خلال ثوان فقط..وتحرمنا من راحة يوم الجمعة..كلّ هذا من أجل أن نشاركك فرحتك بالحصول على مكتبة ؟ !!.. ياأخي ألاتخجل ؟؟
- ضحك سامي ..ثم أجاب :
-ليس هذا كلّ شيء..
مدّ صهيب كفّه الأيمن ..وبحركة مبالغ بها صافح سامي ..وهو يقول مبتسماً ابتسامة مصطنعة :
- باسمي وباسم كل الأصدقاء..أقدّم التهنئة الحارة بمناسبة حصولك على مكتبتك الأنيقة..والآن..أستودعك الله..
وسحب بدر من يده ..استعدادا ًللاتصراف ..قائلاً:
- هيا يابدر..لنعُد إلى البيت ونكمل تناول فطورنا ..
استوقفهما سامي..وقد غيّر من نبرته وصار أكثر جديّة :
- ماهذا؟ماالذي جرى كما اليوم ياإخوان ؟! اسمعوني حتى أكمل...أتتحجّجان بأيّ حجّة لتتركاني..والسلام .؟
فانبرى بدر ليوضّح :
- ياأخي والله ظننا أنّ مشكلة كبيرة تنتظرنا..مما دعانا أن نترك كلّ شيء ونحضر ..
وأضاف صهيب:
- حتى إنّنا لم نتناول فطورنا مثل الناس .
سحب سامي صديقيه من يديهما ..وهو يقول :
- أحلى فطور ..في أحلى مطعم ..أنتما مدعوّان على حسابي قبل أن أفاتحكما بأيّ موضوع ..
لم يجد الصديقان بدّاً من مرافقة صديقهما سامي وتلبية دعوته لهما على الإفطار..وفي المطعم جلس الثلاثة إلى طاولة مستديرة..وبعد أن تناولوا إفطارهم راحوا يحتسون الشاي,وهم يناقشون سبب حضورهم هذا اليوم..بعد أن شرح لهما سامي كل شيء نظر في وجهي صديقيه ..ثم ماعاود أن سألهما مبتسماً:
- والآن.. هل عرفتما سبب دعوتي لكما اليوم ؟
أجاب بدر :
- نعم.. أنت محتاج لمساعدتنا في انتقاء الكتب التي ستملأ بها رفوف مكتبتك.. هذا شيء يسعدنا..
وتنحنح صهيب قبل أن يقول:
- ولكن يا سامي.. لست مضطرّاً لأن تملأ مكتبتك بالكتب خلال يوم واحد فقط.. عليك أن تتريّث في ذلك..
وأكّد بدر :
- هذا صحيح... يمكنك أن تقوم بزيارة المكتبات كلّما سنحت لك الفرصة,لتنتقي الكتب برويّة. كما إن هناك معارض للكتب تقام بين فترة وأخرى..وهي خير فرصة لشراء الكتب بثمن مخفّض.. وستجد مكتبتك بعد فترة وجيزة قد صارت عامرة بعنوانات كتب منتقاة بمهارة..
ضحك سامي ضحكة خفيفة ,قائلاً:
- صدّقاني أنا أعرف هذا جيداً..ولكنّني سمعت من صديقي حسام أنّ رجلاً يفترش الأرض صباح كلّ جمعة ليبيع مجموعات قيّمة من الكتب المستعملةوبأسعار مناسبة..
أدرك بدر فكرة صديقه الذكيّة ..فهزّ رأسه معجباً بها..وقال :
- يا للمفكّر والمدبّر!!
وأضاف صهيب:
- فكرتك جيدة..فإذا كان المال الذي معك يكفي لشراء عشرة كتب جديدة،فإنّه سيكفي لشراء عشرين كتاباً مستعملاً..
استعدّ الثلاثة لمغادرة المطعم..بينما قال سامي ممازحاً صديقيه :
- والآن يا أصدقاء..وبعد أن تفضّلت عليكما بإفطار شهيّ في مطعم راقٍ..عليكما أن تردّا لي الفضل..
ربت بدر على بطنه ..وقال:
- لا بأس..ما دامت البطن ممتلئة..
أرجع صهيب الكرسي الذي كان يجلس عليه إلى مكانه..وهو يقول :
- هيا.. قبل أن تشتدّ حرارة الجو..
ثم خرج الثلاثة إلى الشارع..وقد صار أكثر زحمة بالناس المتسوّقين والمتبضّعين.سار الثلاثة في شارع تجاري مزدحم جداً,وعلى جانبي الشارع وقف عدد من الباعة المتجولين,ممّن افترشوا الأرض لعرض مايبيعونه . قال بدر وهو ينظر بوجوه الناس من حوله ..ويعلي صوته كي يسمعه أصدقاؤه :
- إنني أعجب لأمر هؤلاء الذين يبيعون كتبهم بعدما تعبوا في الحصول عليها..ربّما قد قضّوا ساعات أو أياماً وهم يبحثون عن عنوان لكتاب واحد من هذه الكتب..
أجابه سامي :
- ربّما الحاجة للمال هي التي دفعتهم لذلك..أو قد يكون السفر أو أيّ ظرف آخر..
شقّ الأصدقاء طريقهم بصعوبة..باحثين عن رجل بالأوصاف التي أخذها سامي من صديقه حسام..رجل كبير السن,وبدين ..يبيع كتباً مستعملة..بضعة أمتار ..ثم صرخ صهيب مشيراً بيده صوب جهة ما,كمن اكتشف شيئاً:
- ذاك هو الشخص الذي نبحث عنه.
اقتربوا منه ..وعندما صاروا على بعد خطوات ..قال بدر مبتسماً:
- إنه يطالع في أحد الكتب.. يبدو أنه مثقّف..
ألقى الثلاثة التحيّة على البائع ..الذي كان العرق يتصبّب من جبينه..وبعد أن ردّ البائع ,بادر سامي بالسؤال:
- من فضلك يا عم..إنّنا نستأذنك في أن تسمح لنا بالاطّلاع على عنوانات هذه الكتب، لأنّنا ننوي
شراء مجموعة منها..
ابتسم البائع وكأنّه استغرب هذا الخلق والتعامل اللطيف ..فكما يبدو أن الناس في مثل هذه الحالات تعوّدت أن تقلّب صفحات الكتب والمجلاّت التي تباع دون أي استئذان ..أشار البائع لهم نحو الكتب مرحّباً..وقال :
- على الرّحب والسعة..وسأعاونكم في ذلك..
جلس سامي إلى الأرض ليكون قريباً من الكتب..وكذلك فعل بدر وصهيب..وراح الثلاثة يقلّبون صفحات الكتب المستعملة,يعاونهم البائع في ذلك .كان أوّل شيء يجذب انتباه الأصدقاء هو عنوان الكتاب..ثم نظافة أوراقه وسلامتها..وخلال وقت ليس قصيراً كان كدس كبير قد تجمّع قربههم. قال بدر وهو ينشّف العرق المتصبّب من جبينه:
- ياه.. لقد أمضينا أكثر من ساعة ونحن نتصفّح هذه الكتب..
راح سامي يصفّف الكتب بشكل منتظم لكي يسهل حملها ..وهو يقول:
- شكراً لكم..لقد كانت النتيجة طيّبة.. مجموعة قيّمة من الكتب..
تعاون الثلاثة على حملها..بعد أن دفع سامي ثمنها للبائع ..وطلب منه أن يهيّأ له مجموعة أخرى ..على أمل أن يكرّر زيارته في مرة قادمة ..وعده البائع خيراً,ولكنّه طلب من سامي أن تكون الزيارة في أيام الجمع فقط .وانطلق الثلاثة عائدين إلى بيوتهم .
يتبع إن شاء الله