آذار وبحار الدم (الحلقة 44) الطليعة المقاتلة في اللاذقية
كان الوضع في اللاذقية كما هو في حلب، حيث حاول الأخوة من تنظيم الطليعة المقاتلة في حماة إرسال بعض العناصر لتنشيط العمل في اللاذقية بالتعاون مع إخوة من المحافظة، إلا أن هذه الجهود أيضاً لم تكن تفي بالمطلوب وتعرضت للكشف والانهيار بسبب ضعف التنظيم هناك وقوة شوكة الطائفة العلوية في المحافظة.
الطليعة المقاتلة في حمص
أمّا في حمص فقد تهاوى العمل العسكري بشكل كاملٍ تماماً بعدما تمكنت السلطة من تجنيد عدد من الجواسيس في صفوف الإسلاميين، وقد أدت المواجهات والاعتقالات في صفوف الطليعيين إلى قتل العشرات واعتقال المئات منهم، كما وتم للسلطة كشف العديد من القواعد في المحافظة.
الطليعة المقاتلة في حماة
أمّا في حماة فبالرغم من أن الأوضاع والظروف الأمنية لم تكن بأحسن حالاً مما عليه بعض المحافظات الأخرى إلا أن تنظيم الطليعة كان يُبدي تماسكاً وصموداً كبيرين في وجه ما يجري حتى هذه الفترة، من هنا كانت محاولة المقاتلين في قيادة الطليعة لاستباق الأحداث والاستفادة من الإمكانات المتبقية لهم مع نهاية عام 1981 في كل من حماة وحلب ودمشق وبعض المحافظات الأخرى على قلتها، وذلك بتسخيرها للقيام بثورة شعبية تدعم انقلاباً عسكرياً في الجيش يقوده ضبّاطٌ إسلاميون في الجيش، إلا أنه ومع تزايد التوتر في الآونة الأخيرة من عام 1981 كانت الاتصالات بين هذه الفصائل قد انقطعت صلتها مع القيادة تماماً، وأخطر هذه الحالات كان اعتقال مراسل قيادة الطليعة المقاتلة بين حماة ودمشق كما مرَّ معنا وانقطاع الأخبار عن تنظيم دمشق نهائياً مع مطلع عام 1982 وبالتالي غياب التنسيق فيما بينهم .
وكذلك كان على القيادة في حماة أيضاً أن تجد حلاًّ لبضع عشراتٍ من الأخوة طلاّب جامعة حلب المحاصرين في مدينة حلب والذين انقطعت فيهم السبُل بعد انكشاف تنظيمهم هناك، وفعلاً وفي أواسط شهر كانون ثاني 1982 تمكن الأخوة من تهريب حوالي عشرين من الأخوة وإيصالهم إلى حماة وتوزيعهم على عدّة قواعدٍ فيها، بالإضافة إلى تمكن بعض الأخوة بجهودهم الخاصّة من مغادرة حلب ودخول حماة بشكل إفراديّ وجماعيّ.
أمّا في حماة نفسها فكان تنظيم الطليعة بكامله قيادة وعناصر يعانون معاناةٍ شديدة من ضغط السلطة الأمني على المدينة، فمسلسل الاشتباكات اليومية في شوارع المدينة، وانكشاف العديد من القواعد، واعتقال المئات من المقاتلين وذويهم لم ينقطع طوال كل الفترة الماضية، وحسب تقديرات القيادة بلغ عدد الشهداء من الطليعيين أكثر من مئة مقاتل وعدد المعتقلين تجاوز بضع مئات منهم، وأصبح تأزم الوضع وتعقيداته هاجساً يومياً للقيادة التي لم تعد ترى أيَّ فائدة من الانتظار، لأنه في الواقع كان الانتظار عملية موت بطيء وإفناءٌ لإمكانيات الطليعة في حماة وفي سورية ككل .
يقول أحدهم: (كان الأسى والحزن يعصف بنا ونحن نرى الأخوة يُستشهدون تباعاً، والقواعد تُدمر واحدة بعد أخرى، وأصبحنا لا نأمنُ على أنفسنا حتى من بزوغ شمس النهار أو حتى حلول ظلام الليل، وأصبح الأخوة في حالة دفاع عن النفس وبلا أي تحرك مدروسٍ، وهم في انتظار التعليمات الجديدة من القيادة والمتوقعة في أية لحظة. ولم يكن أحدٌ يعلم لماذا هذا التأخير وما هي أسبابه؟ أو حتى إن كان هناك مَنْ يريد أن يُعطِّل اتخاذ مثل هذا القرار " قرار المواجهة الشاملة مع النظام الطائفي")؟
بدأت الطليعة تشعر أكثر من أي وقت مضى بأن السلطة قد أعطت الصلاحيات المطلقة للجيش وسرايا الدفاع والوحدات الخاصة وللأجهزة الأمنية المختلفة وحتى للعملاء والجواسيس بتدمير المدينة وإبادة شعبها، وحتّمت عليهم الحالة والظروف هذه أن يتفقد كلٌّ منهم من يعرف من رفاقه يومياً، بل صاروا يتفقدون بعضهم صباحاً ومساءً خوفاً من أن يُعتقل أحدهم فيقعوا في مصيدة الأمن، خصوصاً بعدما حصل قدرٌ من الانفتاح أكثر من اللازم بين عناصر الطليعة بسبب التطورات السريعة والأوضاع المتأزمة التي كانت تعصِفُ بهم فلم يعد يتوقع أحد من أين سيأتيهم الخرق فقد أصبح كل شيء ممكناً ومتوقعاً.
وقد تبين لهم فيما بعد أنه كان هناك تضارباً في التوجهات لم يعرفوا أسبابها لدى قيادة الطليعة في الخارج حول تبني قرار إعلان الثورة في سورية رغم ما بين أيديهم من معطيات وأسباب قوية تجعلهم يتخذون قرار المواجهة بأسرع ما يمكن.
كانت الأمور في حماة ليست هادئة، بل على العكس كانت الأمور في حماة تغلي مثل المرجل والمواجهات على أشدها بين الطليعة والسلطة، إلا أن الفارق الوحيد بين الماضي والحاضر هو أنه في الماضي أي قبل سنة أو سنتين أو أكثر كان عناصر الطليعة هم الذين يحددون ضربتهم وأين وكيف ومتى، أما في النصف الثاني من عام 1981 أصبحوا في موقع الدفاع عن النفس في أغلب الأحوال تجاه ما يحدث.
استفزاز التنظيم في حماة والإعلان عن النفير
اتبعت الأجهزة الأمنية السورية ما يعرف في أساليب مكافحة حرب العصابات بـ(استفزاز العصابيين) وقد أنهكت هذه الاستراتيجية تنظيم الطليعة في حماة تماماً، وكشفت معظم قواعده، وباتت قاعدته القيادية المركزية مرشحة في كل لحظة للانكشاف والسقوط. من هنا أخذ عمر جواد (أبو بكر) القائد الميداني للتنظيم يخطط للمواجهة وإعلان النفير. وكان ذلك يعني أنه قد وقع تماماً في فخ خطة (استفزاز العصابيين) التي تستهدف أساساً إخراج (العصابي) من مكمنه، فالقاعدة هي أن العصابات المحاصرة تخسر دوماً معركة المواجهة والدفاع المتمركز في منطقة محدودة.
يتبع
وسوم: العدد 760