هل بلادنا دول أم وكالات؟ حتى لانلوم حكامنا

 هذا المقال هو محاولة لوضع النقاط على الحروف لفهم مايجري على ساحة السياسة العالمية عموماً والعربية خصوصاً والسورية تحديداً وبالتالي الاجابة على سؤال يطرحه الجميع وهو: هل حقاً يجب أن نلوم حكامنا؟

 بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت أمريكا كدولة عظمى عسكرياً وإقتصادياً وأيضاً نووية في نفس الوقت ليلحق بها سريعاً إلى النادي النووي الاتحاد السوفيتي والصين، وطبعاً انكلترا وفرنسا ولتشكل هذه الدول فيما بعد مايسمى الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن، أو بمعنى آخر زعماء العالم. هذه الدول شكلت سريعاً جبهتين: شرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي ومعها الصين وغربية بزعامة أمريكا ومعها انكلترا وفرنسا. بالاضافة لهذا التصنيف، فقد صنفت بقية دول العالم إلى دول متطورة علمياً وصناعياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً مثل دول أوربا الغربية والاسكندنافية واليابان واسرائيل ودول عكس ذلك سميت بدول العالم الثالث وتشكل باقي دول العالم بما فيها العربية وتتميز بحكم ديكتاتوري جعل شعوبها تعاني من ثنائية الفقر والتخلف. بعد ذلك انضمت عدة دول إلى النادي النووي مثل إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية إلا أن شعوبها بقيت تعاني من الثنائية الآنفة الذكر ماعدا إسرائيل. بغض النظر عن ذلك، استقطبت الجبهتين المتزعمتين للعالم بقية الدول من حيث الحِماية وبالتالي حصلت فيها على امتيازات سياسية واقتصادية وعسكرية مقابل حمايتها من الجبهة المضادة أو من إحدى الدول التي تدور في فلكها. إذا نظرنا إلى العالم من تلك الزاوية، سنلاحظ أن دول العالم الثالث لاينطبق عليها تعريف الدول وهو التعريف الذي من أهم أركانه (إستقلالية القرار) إن كان سياسياً أو إقتصادياً أو عسكرياً وهذا بالتالي يقودنا لنستنتج أن تلك الدول ليست مستقلة أو أن إستقلالها هو ظاهري وليس فعلي.

 إذا كانت دول العالم حسب هذا التعريف ليست بالدول، فما هي إذن؟ هي ببساطة وكالات تديرها إحدى الجبهتين الآنفتي الذكر، الشرقية أو الغربية، وبالتالي يأتي تعيين زعمائها، إن كانوا يسمون أنفسهم رؤساء أو ملوك أو اُمراء، يأتي تعيينهم من قبل الدولة العظمى التي توفر الحماية لهم طالما لايحيدون عن الخط المرسوم وطالما هم ينفذون الأوامر المطلوبة منهم. هذه الأوامر تشمل تمكين الدولة العظمى من نهب خيرات البلد، السماح لها باقامة قواعد عسكرية لاستعمالها في حال نشوب حرب، شن حروب بالوكالة ضد دول مجاورة، الاشتراك في عمليات عسكرية إلى جانب الدولة العظمى ضد أعدائها، استجواب وتعذيب أشخاص في سجونها لاتريد الدولة العظمى الاساءة بها لسمعتها وغير ذلك. مقابل كل هذا، وبالاضافة لحماية هؤلاء الزعماء عسكرياً ودعمهم سياسياً ورشوتهم مالياً، فهي تسمح لهم بحصة من نهب البلد وبالتنكيل بشعوبهم في حال ظهور أي معارضة سياسية أو نشوب ثورة تهدد بقاء هؤلاء الوكلاء على كراسي الحكم.

 من هذا المنطلق، فقد كان هناك دائماً ولايزال صراع بين الدول العظمى حول تلك الوكالات، وحين نرى انقلاباً عسكرياً هنا أو هناك فالسؤال الذي يطرح هو من سرق وكالة من؟ على سبيل المثال، وبعد أن نجح (كاسترو) بالوصول إلى الحكم في كوبا، نقل وكالتها لأسباب سياسية من أمريكا للاتحاد السوفيتي الذي دعمه، فحاولت أمريكا غزو الجزيرة عسكرياً لاسترجاع الوكالة وفشلت، ثم حاولت اغتياله عدة مرات وفشلت أيضاً، ليس لأنه كان أذكى، ولكن بسبب دعم السوفييت له. بعد استقلال الدول العربية، كانت بأكملها وكالات غربية، أمريكية أو بريطانية أو فرنسية، لتتحول سريعاً إلى وكلات أمريكية صرفة. ولكن وبسبب المواقع الجغرافية لتلك الدول وظهور الصراع العربي الاسرائيلي، وربما أيضاً بسبب تفاهمات سياسية بين الشرق والغرب لتقاسم مناطق النفوذ أو الوكالات، تحولت بعض تلك الدول العربية إلى المعسكر الشرقي مثل مصر في عهد عبد الناصر وليبيا في عهد القذافي والجزائر في عهد بومدين وعدن في عهد قحطان الشعبي والعراق في عهد عبد الكريم قاسم وسورية في عهد صلاح جديد. ولكن تمت إعادة تلك الدول كوكالات أمريكية أو إدخالها في حالة من (الفوضى الخلاقة) بالتدريج، فتمت إعادة مصر بعد رحيل عبد الناصر وتم فرض حصار وعقوبات على القذافي إلى أن تمت تصفيته قبل سنوات، وتمت إعادة الجزائر بعد رحيل بومدين وإعادة عدن بعد توحيدها مع اليمن بزعامة صالح وإعادة العراق بعد إقناع صدام حسين بشن حرب على إيران وإعادة سورية بايصال حافظ الأسد إلى الحكم.

 كل هؤلاء (الزعماء-الوكلاء) أغفلوا حقيقة أن ولائهم للاتحاد السوفيتي لم يكن كافياً كون الأخير هو القوة العظمى الثانية، وليست الأولى، وأن أمريكا وحلفائها خلال الحرب الباردة كانوا دائماً بصدد ضم الوكالات التابعة للسوفيت لبقية وكالاتهم. هذه الحقيقة وعاها حافظ الأسد، فوافق أن يلعب دور (الوكيل المزدوج)، بحيث يقسم وكالته المسماة سورية لخدمة القوتين الغربية والشرقية في آن واحد، فيشتري سلاحه حصرياً من الروس ويسمح لهم باقامة قواعد عسكرية من جهة، ومن جهة ثانية يحمي حدود حليف الغرب الأهم في المنطقة، إسرائيل، بعد أن أهداها الجولان في حرب 1967 دون قتال وأخرج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982. مقابل ذلك، وليحافظ على صورته الوطنية، سمح له بالاشتراك في مسرحية حرب تشرين 1973 وأعادوا له القنيطرة بعد تدميرها ليزاود بها ويستعملها كمسمار جحا ليبقى في الحكم. ولو أن حافظ الأسد رفض أن يقوم بهذا الدور الذي لايختلف أحد بوصفه بالخياني، لكانوا أزاحوه كما أزاحوا غيره أو لكانوا كلفوا غيره بذلك الدور المرسوم لمن يحكم الوكالة السورية كائناً من كان. ماحصل للملك السعودي فيصل حين استعمل النفط كسلاح بعد حرب تشرين فتم اغتياله وماحصل قبله لملك الأردن طلال الذي اتخذ خطاً وطنياً فتم إرساله إلى مشفى المجانين وماحصل بعده لصدام حسين حين أوقف الحرب مع إيران دون إذن المعلم فتم توريطه في الكويت ثم إعدامه لهي أحسن أمثلة على مصير من يخرج عن سياسة الوكيل ويحاول أن يلعب دور البطل على حساب مصالح معلمه أو دون أخذ الموافقة منه. وكما أن هناك عائلات حاكمة في الدول العربية وغيرها من دون العالم الثالث، غير مسموح بتغييرها، مثل آل الصباح في الكويت وآل ثاني في الامارات وآل سعيد في عُمان والعائلة الهاشمية في الأردن والحسن في المغرب، فيبدو أن عائلة الأسد أيضاً متوافق عليها دولياً، غربياً وشرقياً واقليمياً وإسرائيلياً أن تبقى تدير (وكالة سورية) لحين حصول تغير جوهري في السياسات والتفاهمات والوكالات الدولية.

 من هذا المنظور، على شعوب العالم الثالث، ومنها شعوبنا، أن تنسى موضوع السيادة والكرامة الوطنية، فهذه موجودة فقط عند الدول القوية والمرهوبة الجانب. وكما أن شعوب العالم الثالث تقاد كالغنم من قبل حكامها، فهؤلاء الحكام بدورهم يقادون بنفس الطريقة من قبل أسيادهم في الشرق أو الغرب، وسلملي على السيادة.

وسوم: العدد 761