فرض الضرائب على الكنائس استهتار بالأديان
عندما تقوم بلدية القدس بفرض ضرائب على الكنائس في القدس العربيّة، فهذا يعطي دلالات كبيرة ما كانت لتكون قبل اعتراف إدارة الرّئيس الأمريكي ترامب يوم 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لاسرائيل، فدور العبادة في القدس وفي غيرها هي بيوت لله، يؤمّها المؤمنون للصّلوات، وهي ليست عقارا يملكه فرد بعينه أو مؤسّسة بعينها، لكنّ اسرائيل استغلّت قرار ترامب الذي أزاح حسب تعبيره هو ونتنياهو القدس عن طاولة المفاوضات، ليؤكّد أنّ القدس وكل ما ومن فيها ملك لاسرائيل، وبالتّالي فتهويد المدينة العربيّة المحتلّة لم يتوقّف يوما واحدا منذ منذ وقوعها تحت الاحتلال.
وفرض ضريبة السّكن "الأرنونا" على الكنائس فيه تجاوز للخطوط الحمراء جميعها، خصوصا وأنّ معتنقي الدّيانة اليهوديّة لا يعترفون بالدّيانتين السّماويّتين الأخرتين "الاسلام والمسيحيّة". وإذا كانت الحركة الصّهيونيّة تستهدف المقدّسات الاسلاميّة في المدينة المقدّسة، وفي مقدّمتها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشّريفين، وتخطّط لهدمه لبناء الهيكل المزعوم مكانة، فإن استهداف الكنائس وفي مقدّمتها كنيسة القيامة التي تعتبر الأكثر قداسة عند المؤمنين المسيحيّين، كونها تحوي قبر السّيّد المسيح -عليه الصلاة والسّلام- حسب المعتقد المسيحيّ، فهذا لا يشكّل اعتداء على القدس وشعبها الفلسطينيّ فحسب، بل يتعدّاه إلى مسيحيّي ومسلمي العالم جميعه، وهذه واحدة من "بركات" الرّئيس الأمريكيّ المتصهين ترامب.
واستهداف المساجد والكنائس يعني استهداف الوجود العربيّ الفلسطينيّ قبل كلّ شيء، من خلال استهداف المعتقدات والرّموز الدّينيّة، لأنّهم يريدون القدس يهوديّة خالصة، مع أنّ تهويد المدينة له أهداف سياسيّة قبل كلّ شيء، وفي مقدّمتها منع حلّ الدّولتين الذي يحظى بإرادة عالميّة، وهذا يعني حرمان الشّعب الفلسطينيّ من حقه في تقرير مصيره على ترابه الوطنيّ وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشّريف.
والقدس كمدينة معروفة تاريخيّا بتعدّديّتها الثّقافيّة، وأهمّيتها الدّينيّة، لا يمكن أن تكون مدينة لديانة واحدة، لكنّ قرار الرّئيس الأمريكيّ بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، والاجراءات الاسرائيليّة في المدينة التي تبعت ذلك القرار تؤكّد من جديد أنّ اسرائيل غير مؤهّلة لحكم المدينة، عدا أنّ قرار ترامب واجراءات اسرائيل تنتهك القانون الدّولي وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة، وهذا يؤكّد من جديد أنّ اسرائيل ومن ورائها أمريكا تتهرّبان من متطلّبات السّلام العادل الذي تنشده دول وشعوب المنطقة، كما يؤكّد أنّ أمريكا لم تعد مؤهّلة لرعاية أيّ مفاوضات، وبذلك لا بدّ من مؤتمر دوليّ تشارك فيه الدّول دائمة العضويّة في مجلس الأمن الدّولي، وبعض الدّول ذات التأثير في السّياسة الدّوليّة وبعض دول الاقليم، لفرض سلام يتناغم والقانون والشّرعيّة الدّوليّة.
وسوم: العدد 761