إسرائيل تحتفل بذكرى تأسيسها
احتفلت اسرائيل أمس الخميس بالذّكرى الخمسين لقيامها كدولة حسب التّقويم العبري، علما أنّ اسرائيل قامت كدولة في 15 أيار-مايو- 1948 حسب التقويم الغريغوري، والفلسطينيّون بهذا التّاريخ يحيون ذكرى نكبتهم، حيث تمّ تشريد 950 ألف فلسطيني من ديارهم ووطنهم عند قيام اسرائيل كدولة.
ومن يراقب تاريخ اسرائيل منذ قيامها حتّى الآن سيجد أنّ الحركة الصّهيونيّة التي رفعت شعار "عودة اليهود إلى أرض الميعاد" لتجميع يهود العالم في فلسطين وإقامة دولة لهم، سيجد أنّ الصّهاينة منذ البدايات وحتّى يومنا هذا يرفضون أن يكونوا جزءا من المنطقة، بل يعتبرون اسرائيل جزءا من العالم الغربيّ الذي ساندهم ومهّد لإقامة دولتهم قبل أن تقوم بعشرات السّنين، ومن ذلك وعد بلفور الذي أعلن عنه في 2 نوفمبر 1917، ولم ينته بوعد الرّئيس الأمريكي رونالد ترامب باعتراف إدارته يوم 6 ديسمبر 2017.
فبريطانيا التي سهّلت هجرات اليهود إلى فلسطين أثناء الانتداب، وسمحت بتسليح اليهود، سلّمت أسلحة ومعسكرات جيشها للعصابات الصّهيونيّة عندما أنهت انتدابها على فلسطين يوم 14- أيّار –مايو- 1948. وواصلت هي وفرنسا تسليح اسرائيل ودعمها، واشتركت معها في العدوان الثّلاثي على مصر في أكتوبر 1956.
وقد اعتمدت الحركات الصّهيونية على ارتكاب المجازر بحق الشّعب الفلسطينيّ حتى قبل الاعلان عن اسرائيل كدولة، مثل مجازر دير ياسين، الدّوايمة، الطّنطورة وغيرها، في محاولة منها لبثّ الرّعب واجبار الفلسطينيّين على ترك ديارهم، وواصلت اسرائيل الدّولة تلك المجازر مثل مجزرة كفر قاسم عند بدء العدوان الثّلاثي على مصر عام 1956، وتواصلت بعدها في بحر البقر المصريّة وقانا اللبنانيّة وغيرها.
ويلاحظ أنّ قادة الفكر الصّهيونيّ الذين حكموا اسرائيل منذ الاعلان عن قيامها، قد ارتضوا لأنفسهم ولشعبهم أن يكونوا حرّاسا للمصالح الغربيّة في المنطقة، بل إنّ اسرائيل التي جرى ويجري تسليحها لتتفوّق عسكريّا على دول المنطقة مجتمعة، تشكّل قاعدة عسكريّة متقدّمة لأمريكا وغيرها من دول "النّاتو"، وتقوم بحروبها نيابة عنهم، لكنّ قادتها لم يفكّروا يوما بالتّعايش مع دول وشعوب المنطقة.
واسرائيل التي يحلو لحلفائها الغربيّين أن يصفوها بواحة الدّيموقراطيّة الوحيدة في الشّرق الأوسط، تضطهد مواطنيها من غير اليهود، فصادرت أراضيهم، وتمارس ضدّهم ممارسات عنصريّة، وجزء منهم يعيشون لاجئين في وطنهم بعد ترحيلهم من ديارهم.
واسرائيل التي تحتفل بالذّكرى السبعين لقيامها كدولة، ترفض الانصياع للقانون الدّولي، ولقرارات الشّرعيّة الدوليّة، وللوائح حقوق الانسان العالميّة، ولم تتخلّ عن أطماعها التّوسّعيّة على حساب جيرانها، فهي تستوطن بشكل متسارع أراضي الدّولة الفلسطينيّة العتيدة التي احتلت في حرب حزيران 1967، لمنع قيام هذه الدّولة، وتتدخل في الشّؤون الدّاخلية لدول المنطقة، وتساهم في إثارة الصّراعات فيها، وتدخّلاتها على سبيل المثال في سوريّا والحرب الكونيّة عليها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.
وكلّما امتدّت يد عربيّة للسّلام كلما ازدادت اسرائيل الرّسميّة بعدا عنه، وازداد التّطرّف اليميني المعادي للسّلام قوّة فيها، حتّى وصل تطرّفهم إلى اغتيال رئيس وزرائهم الأسبق اسحاق رابين عام 1996، الذي وقّع اتفاقات أوسلو مع الرّئيس الفلسطينيّ الرّاحل ياسر عرفات. وعمل قادة اليمين الاسرائيلي بقيادة نتنياهو على القضاء على اتّفاقات أوسلو، ومنع أيّ تقدّم في المفاوضات مع الجانب الفلسطينيّ.
واسرائيل الرّسميّة التي تملك أقوى ترسانة عسكريّة في المنطقة، بما في ذلك السّلاح النّووي، ترى نفسها شرطيّ المنطقة، فتشنّ حروبها تحت شعار "أمنها الفضفاض" وتقوم بغاراتها على أيّ قوّة محتملة في المنطقة، تثقّف شعبها على الخوف، وأنّه مستهدف دائما؛ ليبقى جاهزا لخوض حروبها التّوسّعيّة ليست مؤهّلة حتّى يومنا هذا لمتطلّبات السّلام العادل الذي تنشده شعوب ودول المنطقة، وما حديث قادتها عن السّلام إلا من باب العلاقات العامّة وفنّ "إدارة الصّراع" لتضليل الرّأي العامّ العاميّ، ومن المعروف أنّ دولا عظمى كأمريكا، بريطانيا، فرنسا وغيرها، منحازة لاسرائيل بشكل دائم سواء كانت ظالمة أو مظلومة.
وما يساعد اسرائيل وحلفاءها في العداء لمتطلّبات السّلام العادل هو الهوان العربيّ الرّسميّ الذي ارتضى الهزيمة لأمّته ووطنه.
لكنّ استمرار حالة العداء في المنطقة سيكون وبالا على اسرائيل وشعبها بنفس المقدار الذي هو فيه على شعوب ودول المنطقة، ومن يسلب الآخرين حرّيتهم لا يكون هو حرّا.
وسوم: العدد 769