على الشعب المغربي أن يكون يقظا وحذرا وعلى وعي بدسائس جهات مشبوهة

على الشعب المغربي أن يكون يقظا وحذرا وعلى وعي بدسائس جهات مشبوهة ومغرضة تشن حربا  ماكرة على هويته الإسلامية وقيمه الأخلاقية  

أكرر للمرة الألف أن ما يحدث اليوم في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه من أحداث سياسية واجتماعية، إنما هو من تداعيات إجهاض حراكات وثورات الربيع العربي الذي ضاعت الآمال التي علقتها عليها الشعوب العربية التواقة  منذ عقود للخروج من وضعية ما بعد النكبة والنكسات المتتالية والتي وفرت الجو المناسب لاستشراء الفساد السياسي الذي فرخ بدوره كل أنواع الفساد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي .

ومعلوم أن وراء عملية إجهاض حراكات وثورات الربيع العربي الغرب بزعامة الولايات المتحدة والذي وظف أنظمة عربية في عملية الإجهاض هذه . والسر وراء تدخل الغرب في حراكات وثورات الربيع العربي هو ما أفرزته في بعض الأقطار العربية من  قبيل وصول أحزاب سياسية ذات توجه إسلامي راهنت عليها الشعوب العربية، الشيء الذي أقلق الغرب والأنظمة العربية المتوجسة من السقوط على غرار تلك التي تم إسقاطها. واختلق الغرب مقولة " الإسلام السياسي " كوصف لتلك الأحزاب خصوصا حزب الحرية والعدالة المصري المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، والذي فاز في انتخابات قيل عنها أنها أول انتخابات نزيهة إذ لو لم تكن كذلك لما وصل هذا الحزب إلى مركز صنع القرار . وتمت الإطاحة بهذا الحزب عن طريق انقلاب عسكري دموي سكت عنه الغرب على غير عادته ،لأنه كان متورطا فيه بل كان هو مدبره والمخطط له من أجل إعداد الجو المناسب لتمرير ما بات يعرف  اليوم بصفقة القرن ، وهي الصفقة التي ينتظر منها التمكين للاحتلال الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط على حساب قضية الشعب الفلسطيني .

 ومن أجل تبرير الانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية  في مصر اختلق الغرب عصابات إرهابية مجرمة وبثها في بؤر التوتر في العالم العربي لتلطيخ سمعة الإسلام وتشويهه بنسبة الأعمال الإجرامية التي تقوم بها تلك العصابات له ، وكان القصد هو وصف كل الأحزاب ذات التوجه أو المرجعية الإسلامية بأنها تمثل ذلك الإسلام السياسي العنيف  ، لذا يجب محاربتها بلا هوادة  تماما كما تحارب  تلك العصابات الإجرامية المختلقة أو المصنوعة من قبل المخابرات الغربية ، والتي تمارس الإرهاب باسم الإسلام ، وتلتقي  في نظر الغرب وحلفائه في الوطن العربي مع تلك الأحزاب في المرجعية الإسلامية والنهل من مصدر واحد . ولهذا اعتبر الانقلاب العسكري الدموي في مصر عملا مشروعا في نظر الغرب وحلفائه في الوطن العربي ، كما اعتبرت كل مواجهة مع الأحزاب ذات نفس التوجه في العالم العربي مشروعة بل ومطلوبة بذريعة محاربة الإسلام السياسي الذي يشكل خطرا محدقا بالعالم بأسره  . وهكذا تم التضييق على كل حزب رفع شعار الإسلام في العالم العربي  ، وحيكت ضده المؤامرات بأساليب مختلفة ، ونصبت له الأفخاخ للتأثير على أدائه ، ومن تلك الأحزاب من وقع في تلك المصائد بخروجها عن وعودها وبرامجها مخافة استئصالها كما تم استئصال حزب الحرية والعدالة المصري ، فكان استئصالها هي الأخرى بطريقة خبيثة وماكرة حيث عزلت عن حواضنها الشعبية ، وحمّلت أوزار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي صاحبت فترة أخذها بزمام الأمور ، وهكذا وقعت في الأفخاخ ، وتم الانقلاب عليها انقلابات غير دموية ، ولكنها أخطر من الدموية لأنها أساءت إلى المرجعية الإسلامية، وشوهت الإسلام ونسبت له ما ليس فيه وحملته مسؤولية أخطاء تلك الأحزاب المنتسبة إليه ،والتي حوصرت من كل جانب ليكون أداؤها هزيلا وسيئا ودون طموح الشعوب التي راهنت عليها حين انتفضت ضد الفساد ولكن تلك الأحزاب لم تفلح  من إخراجها من الفساد إلى الإصلاح .

وما يرفع اليوم من دعوات للنيل من الهوية الإسلامية ومن قيم الإسلام تحت شتى المسميات، إنما يدخل ضمن الحرب التي تشن على الإسلام بذريعة محاربة ما يسمى الإسلام السياسي الذي قدمت العصابات الإجرامية المطبوخة مخابراتيا  كنموذج ممثل له ، وعليها تقاس كل جهة ترفع الإسلام شعارا لها .

ويوجد خيط ناظم لتلك الدعوات لا يخطئه الملاحظ بحيث لا يصعب عليه أن يجد صلة بينها ، ولنأخذ على سبيل المثال نموذج الدعوات المروج لها في بلدنا المغرب من قبيل المطالبة بما يسمى الحق في الخصوصية ،وتملك الجسد والتصرف فيه ، فبموجب هذا الحق تستباح الأعراض بحيث تصير جريمة الزنا مشروعة، وتسمى علاقة جنسية رضائية أو علاقة جنسية خارج الزواج ، وتصير جريمة إجهاض الحمل الناتج عن هذه العلاقة أمرا مشروعا ، كما أن  الحمل الذي لا يتخلص منه بالإجهاض يصير نسبا على غرار النسب الناتج عن علاقة الزواج المشروع ، ويصير الشذوذ الجنسي بين الجنس الواحد مشروعا ويسمى علاقة جنسية مثلية .

ومن تلك الدعوات أيضا الطعن في نصوص القرآن الكريم الخاصة بقسمة الإرث بين الذكور والإناث ، والمطالبة بتعطيل تلك النصوص بذريعة عدم مسايرتها لظروف العصر ومستجداته ، ونظرا لما صارت عليه وضعية المرأة ، وبذريعة الدفاع عن مساواتها مع الرجل ، ولتكون المطالبة  بتعطيل تلك النصوص بداية تعطيل غيرها من النصوص خصوصا وأن الجهات المطالبة بهذا التعطيل تستشهد بالتعطيل الفعلي لبعضها كما هو الشأن بالنسبة لنصوص الحدود والعقوبات التي تم تعويض بعضها بعقوبات وضعية .   

ومن تلك الدعوات أيضا وتحت شعار حرية الاعتقاد وحرية العبادة والدفاع عن الأقليات الدينية  المطالبة بحق الردة والخروج من الإسلام إما تنصرا أو اعتناقا لعقائد فاسدة منحرفة عن تعاليمه من قبيل عقيدة الشيعة والبهائية والأحمدية . وتحت نفس الحق يدعو البعض إلى العلمنة وهي المطالبة بحلول ما يسمى بالمجتمع المدني محل المجتمع المتدين على غرار ما هو كائن في المجتمعات الغربية العلمانية التي لا تدخر جهدا في محاولة عولمة علمانيتها ليصير العالم العربي الذي يدين بدين الإسلام طوع يدها تديره كما تشاء ، وتتوخى من عولمة علمانيتها القضاء المبرم على الهوية الإسلامية لهذا العالم .

والملاحظ أن هذه الدعوات التي يعبر عنها بالمقالات والندوات والمحاضرات واللقاءات والمؤتمرات بحيث لا يمر يوم دون أن تطالعنا وسائل الإعلام الورقية والرقمية بأخبارها  وهي دعوات ذات صلة ببعضها، ويفضي بعضها إلى بعض ويكمل بعضها بعضا ، وتصب جميعا في اتجاه هدف واحد هو استهداف هوية الأمة المغربية المسلمة ، والإجهاز على قيمها وأخلاقها الإسلامية .

وتجمع هذه الدعوات بين أطراف وجهات  مختلفة مغرضة تغتنم ظرف تداعيات إجهاض حراكات وثورات الربيع العربي خصوصا الصراعات السياسية والحزبية لتحقيق مكاسب ومصالح على حساب الإسلام لمجرد أن أحزابا سياسيا تبنت المرجعية الإسلامية، ومنها حزب العدالة والتنمية المغربي الذي صارت أخطاء أصحابه تحسب على  الإسلام وكأنه هو الناطق الرسمي باسمه أوهو ممثله الشرعي  . وتدفع تلك الجهات في ترسيخ قناعة في أذهان الشعب المغربي بأن الرهان على التوجه الإسلامي رهان خاسر انطلاقا من تجربة هذا الحزب الذي تحولت ثقة الشعب فيه إلى انعدامها وقد ألبته عليه تلك الجهات ، وساهم هو بدوره  في ذلك بمواقف لم يقبلها منه الشعب ، وأن البدائل عن التوجه الإسلامي  موجودة  وهي الخيار الوحيد ، وهي بدائل من تخطيط الأجندة الغربية التي تتوجس مما تسميه الإسلام السياسي ، ومن تنفيذ وتنزيل تلك الجهات المشبوهة التي يجب على الشعب المغربي أن يحذرها وأن يكون على يقظة تامة مما تخطط له وتحوكه من دسائس ومؤامرات. وإن هذا الشعب يمر بظرف جد دقيق ، وهو يساوم اليوم  في هويته الإسلامية بطرق ماكرة وخبيثة تدس له السم في العسل .

وأخيرا نقول لهذا الشعب العظيم والأصيل إن الرهان على البدائل التي تقدم له اليوم وتبهرج له رهان خاسر مادام الثمن هو الهوية الإسلامية وقيم الإسلام، لأنه بدونها لا قيمة لهذا الشعب أمام شعوب المعمور . وإن الدفاع عن هذه الهوية باستماتة والثبات عليها ،وذلك  برفض كل بديل ينقضها هو مسؤولية الجميع، ومن تأخر أو تقاعس في ذلك يكون قد قدم خدمة مجانية لخصوم هويته الإسلامية سواء الرؤوس أو الأذناب .

وسوم: العدد 777