داعش وأخواتها
مصطفى العلي
صحيح أن داعش التي كان يعدها النظام لتكون ضربته الفنية القاضية على الثورة من داخلها قد تراجعت ككتلة ظاهرة على الأرض وانكفأت إلا أن أخواتها من الاختراقات في صفوف الثورة لا تزال تتوسع حتى تكاد تتحكم في معظم مفاصلها إن لم نتشاءم ونقل أكثر من ذلك وإلا فما معنى أن تحرر الثورة ثمانين بالمائة مما تم تحريره أيام الكلاشنكوف وبعض قذائف الآربي جي الفاسدة والألغام البدائية وجرر الغاز المفخخة وتراوح مكانها بعد وصول الأسلحة المتطورة نسبيا مما تم اغتنامه من قوات النظام أو تصنيعه أو شراؤه أو الحصول عليه من مصادر أخرى من مضادات حديثة للدروع وهاونات وراجمات صواريخ وصواريح بعيدة المدى نسبيا . نفس الأسطوانة تتكرر في كل مرة يعلن عن عنوان رنان لاسم معركة تملأ النفوس زهوا وأملا أننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من الخلاص ،تماما كما كان ينتشي المواطن العربي على خطابات عبد الناصر قبل نكبة حزيران عندما فكر أن يرمي اسرائيل في البحر أو كما كان السوريون ينتشون على أنغام فيروز "خبطة أقدامكن عالأرض هدارة" بينما كان الخبط يقع على رؤوسنا ونحن نخسر ثلاث وعشرين قرية إضافية ضمن هزلية حرب تشرين... (البنيان المرصوص "ولا هو مرصوص ولا ما يحزنون" الجسد الواحد معركة القصاص , قطع الوريد , قطع الإمداد , الألف هاون....) إلى آخره من هذه العناوين التي توضع في غير محلها حتى لتكاد تعتقد أنها إنما صممت خصيصا لتنفيس معنويات الناس وإظهار الجيش الأسدي كقوة لا تقهر وليس باليد حيلة تماما كما فعل بائع جولان عندما تظاهر بتحرير الجولان المقبوض ثمنه .
وغالبا ما كان يحصل هذا الأمر إما بزج أبنائنا الأبرار الصادقين في معارك ارتجالية غير مدروسة معروفة نتائجها مسبقا أو بتحقيق تقدم ثم بالتراجع عنه أو الوصول بالمعركة إلى مشارف النصر ثم يحصل التراجع أو الإنسحاب بطريقة دراماتيكية متذرعين بذرائع متكررة في كل مرة إما نفاد الذخيرة أو بانسحاب أحد الفصائل المشاركة فجأة أو بحصول عملية التفاف لا يمكن التصديق بحصولها دون تواطؤ أو اختراق ..هذا الاختراق الذي يعتبر الإنشقاق الوهمي أو الالتحاق الوهمي بالثورة أبرز أشكاله ( هذا الأسلوب اليهودي الباطني القديم الحديث "آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخرهم لعلهم يرجعون")
وهو ما يمكن تعميمه على كافة مناحي وقطاعات الثورة من إعلامي إلى سياسي إلى اجتماعي فالأخبار الكاذبة والغير دقيقة والمبالغ بها هي جزء لا يتجزأ في هذا السياق فأول نتيجة تتمخض عنها هي فقد الناس الثقة بالثورة والثوار وبالإعلام يتم تعويم أقوام في منتهى التفاهة ويهمل أهل الثورة الحققيقيون والمجاهدون الفعليون ثم الحملات المكثفة والمركزة على اتهام كل من له علاقة بالثورة باتهامات مجانية دون أي دليل لجعل جو إنعدام الثقة بأحد هو السائد . نأتي إلى الجانب الاجتماعي فنجد أنفسنا أمام الكثير من نماذج شبيحة بشار ولكن بثياب الثورة الخضراء نفس زبانية النظام بقدرة قادر أصبحوا من عمق الثورة بحصولهم على رخصة ثائر أو جيش حر وتحت هذا العنوان الوهمي يندرج الكثير من كباراللصوص وقطاع الطرق ماهم إلا دواعش وشبيحة ولو اختلفت ألوان ثيابهم وبلغت لحية أحدهم الثلاثة أمتار هم ومن يتستر عليهم سواء بسواء النتيجة واحدة هي إيصال الناس إلى مقولة "ثورة حرامية والله يرحم أيام بشار" . من هنا كان الساكت عن قول الحق شيطان أخرس وهو مشترك في جريمة اجهاض الثورة.
الثورة التي تمكنت من الإطاحة بداعش ومخططاتها قادرة على الإطاحة بأخواتها عن طريق القيام بالكثير من عمليات التطهير والتعزيل والتنظيف والمحاسبة والمكاشفة والعودة بالثورة إلى جادة النصر القريب بإذن الله إذا ما توفر المخلصون الصادقون وتصدوا لهذه المهمة العسيرة جدا....