مضمون كلمة رئيس الهيئة الشيخ عدنان أمامة
في المؤتمر الصحفي للجمعيات والهيئات الإسلامية
في بيروت أمس الأحد
الحمد لله القائل:{لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم}، والصلاة والسلام على نبينا محمد r القائل فيما يرويه عن ربه: (يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.)
أما بعد فكنا نأمل بعد مرور "قطوع" ولادة الحكومة الجديدة، وإنجاز البيان الوزاري، ونيل الحكومة ثقة مجلس النواب أن ينعكس ذلك أمناً وعدالة واستقراراً على اللبنانيين، وبالأخص على فريق ومكون أساسي من مكونات البلد ناله القسط الأوفى من سياسات ظالمة ممنهجة بحقه وحق شبابه إلا أنّ كل تلك الأحلام قد تبخرت، لا بل ارتفع منسوب الظلم ووصل إلى مرحلة خطيرة باتّسامه بصبغة طائفية بغيضة عالية، الأمر الذي أصبح يحمل نُذُر حرب أهلية، فقد أقدمت مخابرات الجيش على حلق لحية الشيخين عمر الحمصي، وعمر الاطرش وهما قيد الاحتجاز في الريحانية، مما يُعد مساساً بمقدّس إسلامي، وشعيرة من شعائر الإسلام، وإننا إذ نستنكر هذا الفعل الطائفي المشين نطالب قيادة الجيش بالقبض على من أقدموا على هذه الفعلة النكراء، وإنزال أشد العقوبات بهم، ونتساءل ماذا كان سيحصل لو كانت الفعلة نزع صليب أحد الرهبان، أو حلق لحية أحد المعمّمين من مذهب آخر؟
وأقدم رئيس بلدية على قطع طريق بلدة عرسال اللبنانية ليخنق داخلها مائة وعشرين ألف إنسان بمن فيهم من نساء وأطفال، وعجزت الدولة وقواها الأمنية عن استرضائه وإقناعه بفتح الطريق، بينما استأسدت وقتلت حسام الشوا الذي كان يطالب بفك الحصار عن عرسال في قصقص بصرخة "يا زينب" مذكّرة الجميع بما حصل في أحداث عبرا. فأي ظلم وتحيز بعد هذا من دولة تدّعي العدالة والمساواة؟!
إننا كنا قد أعلنّا أننا مع خيار الدولة، ومع جيشها الوطني، لكننا كنا نعني بها الدولة ذات السيادة على كامل أراضيها، ومع الجيش الذي يحمي أراضي تلك الدولة ويدافع عن المواطنين من العدوان الخارجي عليهم، فإذا بطائرات جيش الإجرام الأسدي تقصف عرسال صباح مساء، وتضرب مدفعيته قرى وبلدات عكار ووادي خالد ويسقط عشرات الضحايا، بينما يقف الجيش متفرجًا مكتوف اليدين يعدّ الغارات وعدد الشهداء والجرحى ويترك الناس لمصيرهم، والأنكى من ذلك أنه أظهر بطولاته على الفارّين من جحيم النار الأسدية فأخذ يعتقل الناس بحجة أنهم من جبهة النصرة والجيش الحر، وكأن هذا الوصف يلصقه المقاتل على جبينه، والأقبح من هذا أن تكون حجة الاعتقال أنّ المعتقلين لا يحملون أوراقا ثبوتية!!
إنّ أقلّ ما تفعله الدُول التي تحترم نفسها إنْ لم تكن قادرة على الردّ على مصادر العدوان أن تستنكر وتحتج وتقدم شكوى إلى مجلس الأمن وتستدعي سفير الدولة المعتدية، وهذا ما لم تفعل شيئاً منه دولتنا "المستقلة"!!
كنا قد أعلنا أننا مع الدولة لكننا قصدنا بها الدولة العادلة وليست الدولة الظالمة التي تنحاز لفريق على حساب فريق آخر، وليت الأمر اقتصر على الفعل والممارسة بل تعداه إلى المطالبة بشرعنة الظلم، فأحد أكبر الساسة يعلن أن الجيش على حق ولو كان ظالما، وهو منطق مرفوض بكل
التشريعات السماوية منها والأرضية، وقيادة الجيش تطالب مجلس الوزراء أن يعفيها من المساءلة حتى عندما تصرع الناس على قارعة الطريق وكأنّ دم الناس بات دم قطط أو بعوض!!
إننا نعلن بالمناسبة أنه إذا كان البعض يريد أن يجعل من الجيش أو غيره إلهاً معبوداً مقدّساً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يُسأل عمّا يفعل، فهذا شأنه. أما نحن فإننا مسلمون، أهل توحيد نعتقد أن الوحيد في الكون الذي لا يُسأل عمّا يفعل وهُم يسألون هو الله وحده الأحد الصمد، وكل من عداه مقهور مربوب مسؤول عن أفعاله ولا معصوم إلا من عصمه الله وهم الأنبياء والمرسلون.
يوم أعلنا أننا مع سلطة القضاء كان قصدنا القضاء الذي يحترم الأصول وليس القضاء الذي يعلن فيه القاضي براءة المتهم إلا أنه يبقى في السجن أيامًا وشهورًا بل ربما سنوات بأمر من المخابرات، وحين تذكرهم بالقانون يقولون لك "بُـلّه واشرب ماءه".
القضاء الذي يحترم الاتفاقيات الموقعة في مناهضة التعذيب، وليس القضاء الذي يغطي على المسالخ البشرية الموجودة في أماكن احتجاز الموقوفين وخاصة في وزارة الدفاع، ويسمح للمحققين بتجريد الموقوف من ثيابه، وتعليقه بالبلنكو الساعات الطويلة وضربه وتهديده حتى بعِرضه وتركه دون طعام أو شراب ليضطر الى الاعتراف أنه مَن قتل الحسين t، ولا القضاء الذي يوافق على احتجاز الموقوفين في زنازين منفردة لشهور بل لسنوات لا يعرفون خلاله الليل من النهار.
وعليه فإننا نطالب القضاء بالوفاء بتعهداته الموقعة في مناهضة التعذيب واحترام حقوق الإنسان والقيام بإغلاق مراكز الاحتجاز في الريحانية وما يشبهها.
وكما أنّ الجيش يمنع من يريد الدخول إلى لبنان ليفجّر نفسه فكذلك عليه أن يمنع من يخرج من لبنان ليقتل النساء والأطفال ويتسبب بجلب المفجّرين إلى الداخل.
كما نطالب بالبدء فوراً بتطبيق مضمون البيان الوزاري الذي أعطى حق المقاومة ضد العدوان لكل اللبنانيين، سواء كان المعتدي هو الكيان الصهيوني أو النظام السوري، وأن يسمح لكل من يريد المقاومة بالتسلّح والاستعداد للمقاومة.
نقول لكل من يتشدق بحب الجيش والحفاظ على هيبته: سلّم إن كنت صادقاً سلاحك للجيش واسمح له أن يدخل إلى مربعاتك الأمنية وسلّمه حواجز الأمن الذاتي لديك.
المكتب الإعلامي في
هيئة علماء المسلمين في لبنان
الاثنين ٢٤ آذار ٢٠١٤م
٢٣ جمادى الأولى ١٤٣٥ه