المالكي والتصعيد في زمن التصعيد
باسم حسين الزيدي
المنتدى السياسي في مركز المستقبل للدراسات والبحوث
فتح أكثر من جبهة للصراع، وعدة رسائل سياسية مهمة، تلك التي قام رئيس الوزراء العراقي "نوري المالكي" بتمريرها الى من يعنيه الامر في الداخل والخارج قبل اسابيع قليلة من انتخابات برلمانية ورئاسية عدها الكثير من المراقبين "مفصلية" لتأريخ العراق في ظل الاوضاع الحرجة التي يتشاطرها حالياً مع اغلب دول المنطقة.
وقد تعددت القراءات واختلفت الاستنتاجات، من قبل المحللين والسياسيين، لمعرفة الاسباب الكامنة وراء تصعيد الخطاب السياسي لرئيس الوزراء، اضافة الى اهمية التوقيت الذي أطلقت فيه هذه التحديات.
فعلى المستوى الداخلي كان الابرز:
1. تصعيد الازمة مع اقليم كردستان بعد الخلاف المعلن حول آلية تصدير النفط والموازنة الاتحادية.
2. التهديد باستمرار الصرف من الميزانية الاتحادية، حتى في حال استمرار عدم تصويت البرلمان العراقي على اقرار الموازنة الاتحادية للعام الحالي، ومن دون الالتفات الى المخالفة الدستورية التي تتبع هذا الفعل، على حد تصريحات السيد "المالكي".
3. العمليات العسكرية واسعة النطاق في الصحراء الغربية ومحاصرة الفلوجة استعداداً لاقتحامها في حرب مفتوحة مع الجماعات المتطرفة والداعمين لها.
4. اتهام رئيس البرلمان العراقي "اسامة النجيفي"، واحزاب اخرى، بصورة مباشرة بتدبير مؤامرة لإفشال الحكومة الحالية من خلال تعطيل الموازنة والسعي لانهيار العملية السياسية في العراق.
اما على المستوى الخارجي فكان الابرز:
1. الاتهام الصريح لدول "السعودية وقطر" بأنها الداعم الرئيسي والمسبب الاول للإرهاب في العراق، بعد ان كانت الاشارة اليهما في السابق ذات دلالات رمزية فقط.
2. الاشارة الى بعض الدول الاوربية بانها غضت الطرف عن بعض الدول الداعمة للإرهاب، من دون توضيح المزيد من التفاصيل.
3. عقد مؤتمر عالمي لمكافحة الارهاب ليكون نواة لمنظمة ترعى التعاون الدولي ضد الارهاب والتطرف، يكون مقرها في بغداد، وقد طالب فيه "رئيس الوزراء" بعزل الدول الداعمة لتلك الحركات، وجدير بالذكر ان "السعودية وقطر" لم تشهد أي تمثيل لها في هذا المؤتمر.
وقد اشارت معظم تلك الفرضيات الى ثلاث اوجه محتملة وراء اللهجة التصعيدية للخطاب السياسي، وعلى المستويين المذكورين، لرئيس الوزراء.
1. يرجح البعض، ان التصعيد الاعلامي والسياسي للأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبهذا المستوى المفتوح، انما هو "مغامرة سياسية" او "رهان غير محسوب" قد ينقلب الى الضد، سيما وان عمليات الربح والخسارة انتخابياً يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار في هذه المرحلة.
2. فيما يرجح اخرون، ان الامر لا يعدو كونه من باب الدعاية الانتخابية، وهو مقدمة لكسب اصوات الناخبين والفوز بولاية ثالثة قد ينالها "المالكي"، في ظل الاوضاع الحالية، خصوصاً وانه لم يعلن عدم رغبته في ولاية ثالثة، ويبدو ان التصعيد في وجه الخصوم أفضل وسيلة لجعلهم في خندق المدافعين بدلاً من الهجوم، وقد تؤدي في نهاية المطاف الى سحب اعتراضاتهم المباشرة حول ترشحه لمرة اخرى، اضافة الى كسب المزيد من الاصوات الانتخابية.
3. الوجه الثالث ربما يحتاج الى المزيد من التأمل، وهو يشير الى ان هذا التصعيد ليس من باب "المغامرة السياسية"، وان كان أقرب الى التمهيد لولاية ثالثة، انما هو انتقال طبيعي للخطاب السياسي العراقي ليتناسب مع متغيرات المرحلة القادمة، والتي ربما تشمل منطقة الشرق الاوسط، ومن خلال معرفة ان المستويين الداخلي والخارجي مجدولين بضفيرة واحدة، وان التعاون الدولي لمكافحة الارهاب والتنسيق لحل الازمة السورية، وربما تحجيم دور بعض الاطراف الاقليمية، مقابل اعطاء ادوار لأطراف جديدة، وغيرها من القضايا التي سيلعب العراق فيها دور مهما.
ومهما تنوعت هذه الأوجه وكثرت التكهنات، يبقى الشيء الواضح ان زمن التصعيد هو الصوت المسموع في الوقت الحالي، وان الانتخابات القادمة هي التي ستحدد ما إذا كان للتصعيد مبررات، وانه مقدمة لاحتمالات اوسع وأعمق، وهي التي سترسم الخارطة المستقبلية.