كل ما تفعله إسرائيل يؤكد أنها غريبة عن المنطقة

لا تفعل إسرائيل فعلا منذ ولادتها القيصرية المشئومة في المنطقة إلا أكد أنها غريبة عنها في كل شيء . وسنكتفي في توضيح هذه الحقيقة بثلاثة من أحدث أفعالها أو ما كانت وراءه من أفعال دفعت إليها الإدارةَ الأميركية الحالية الرعناء . المعروف أن مسألتي القدس واللاجئين تركتا في اتفاقية أوسلو لمفاوضات تالية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية تجري بعد 5 سنوات من تطبيق الاتفاقية . ومعروف أيضا أن تلك المفاوضات جرت فعلا بين الطرفين وفشلت . فماذا فعلت إسرائيل ؟! انتظرت حتى تهيأت لها السانحة الكبيرة برئاسة ترامب لأميركا ، ودفعت إدارته إلى إخراج القدس من المفاوضات بينها وبين منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية التي حلت عمليا محل المنظمة .نفذ ترامب ما دفعته إليه إسرائيل بجرة قلم في 6 ديسمبر 2017 متجاوزا ما قاله شارون لبيريز في 2001 من حكم إسرائيل لأميركا بمعرفة أميركا ، ومثبتا بقوة أنها لا تحكمها فحسب ، بل تركبها ، وتنخسها ، وتضرب خاصرتيها برجليها إذا أرادت إسراعها صوب ما تريده من أهداف . وفي مسألة اللاجئين ، دائما وعت إسرائيل أن اللاجئين الفلسطينيين شاهد صارخ على سرقتها لوطنهم ، ودرست المسألة في مختلف مستوياتها ، وتوصلت إلى فكرة يبدو ظاهرها منطقيا ، ولكن جوهرها خبيث أعوج باطل . وقوام هذه الفكرة أن صفة اللاجىء لا تنطبق إلا على الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم في 1948 ، أما أولادهم وأحفادهم فلا انطباق لها عليهم . وهي هنا توظف حقيقة قانونية معروفة خاصة في الغرب الذي تهتم بمخاطبته وبمواقفه ، والحقيقة المقصودة هي أن الأولاد الذين ينجبهم المهاجر إلى دول الغرب يصنفون فور ولادتهم مواطنين في هذه الدول ، وتنتفي عنهم الصفة التي حملها والدهم لكونه المهاجر الأول . ولهذا تجرأ نتنياهو على استغراب أن يكون أبناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين الأوائل لاجئين ، وقدم رؤيته الفاسدة السخيفة إلى أميركا فوافقت عليها فورا وتبنتها متحمسة متهورة . ولأن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) شاهد قانوني على حقيقة سرقة الوطن الفلسطيني ؛ سارع الشيطان الأميركي مدفوعا من الشيطان الإسرائيلي للعمل على إلغائها استغلالا لواقع أن أميركا هي المول الأكبر لها ، وفعلا أوقفت هذا التمويل عنها ، وهي الآن في مهب أعنف ريح تعرضت لها منذ إنشائها في 1949 . الخطوتان السابقتان في شأن القدس وفي شأن اللاجئين تؤكدان فعلا أن إسرائيل غريبة غربة حقيقية عن المنطقة . لو كانت فعلا جزءا منها لما استثمرت نفوذها الهائل في أميركا للخروج على اتفاق بينها وبين جهة أصيلة في المنطقة هي منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة الشعب الفلسطيني ، ولا نبرىء هنا المنظمة من تجرؤ إسرائيل على هذا الخروج . وفي مسألة اللاجئين تحديدا ، تؤكد غربتها المطلقة عن المنطقة . إنها لا تتحرج ولو بحافز إنساني صرف عن قذف 6 ملايين لاجىء يستفيدون من خدمات الأونروا إلى غيهب المجهول الذي لن يكون إلا عسرا بائسا ، والجزئية الوحيدة التي تقلقها في هذه المسألة هي ما قد يرتد عليها وعلى أمنها من إلغاء الوكالة . منتهى الأنانية المتوحشة ، ومنتهى عدم المنطق والحس بالمسئولية . إنها تفر من جريمة اغتصابها وطن الفلسطينيين متوهمة أن الفرار ممكن بالاستعانة بالقوة الأميركية الرعناء الحمقاء ، ومؤكدة بالشاهد القاطع أنها غريبة غربة كاملة عن المنطقة جغرافيا وبشرا وقيما ومستقبلا . وهي ترسخ هذا التوكيد إذ تفعل ما تفعله في الوقت الذي تتباهى فيه قيادتها بأن علاقاتها ، ولو سرا ، مع كثير من الدول العربية لا تصدق في حسن حالها . لو كانت فعلا تنتمي للمنطقة لاتجهت وفق هذا الحسن الذي لا يصدق ولما كانت  بهذا التوحش نحو أناس اغتصبت وطنهم . وفعل ثالث أو مسألة ثالثة تؤكد بها إسرائيل غربتها وتنافرها الكاملين مع المنطقة ؛هو قانون القومية الذي وافق عليه كنيستها في 19 يوليو الفائت ، وخص فيه اليهود في فلسطين بحق تقرير المصير ، ونقف عند مادته ، على خطورة كل مواده الأخرى ، التي أقصت بها اللغة العربية عن وضعيتها السابقة لغةً رسمية ثانية في البلاد بعد العبرية ، وحولتها إلى لغة " أقلية سكانية "  . دولة تشعر بانتمائها الجغرافي والحضاري للمنطقة ، خاصة في مستوى إسرائيل القليلة العدد في سكانها اليهود ، والمغمورة اللغة ، لا تفعل هذا مع لغة في عراقة وعظمة اللغة العربية التي هي لغة العقيدة والعبادة لمليار و700 مليون مسلم ، واللغة القومية ل400 مليون عربي ، بل هي لغة يتكلمها أكثر من نصف سكان إسرائيل فلسطينيين ويهودا عربا ، وفي حسرة قال منذ أيام الروائي والكاتب السياسي العراقي الأصل سامي ميخائيل إنه لا يمكن أن ينسى أن لغته الأم هي العربية . اللغة وعاء الحضارة ، ولسان الثقافة ، ومقوية الوشائج بين الجماعات والشعوب ، وإسرائيل بمعاداتها للغة العربية تعادي مليارا و700 مليون مسلم ، وتعادي روح الحضارة البشرية التي لا حياة لها إلا بالتواصل والتخاصب الذي تضطلع فيه اللغة بالجانب الأوفى ، وتؤكد بهذا العداء وبكل أفعالها الأخرى أنها لا تنتمي للمنطقة التي حشرت فيها  . وكل أفعالها  المؤكدة لغربتها عن المنطقة تمهد السبيل  لاقتلاعها منها ذات تاريخ قادم مهما تأخر.

وسوم: العدد 788