غزة بين السلطة الفلسطينية وترامب
لقد أثار دهشتي -بل وحفيظتي- تصريح منسوب للسيد صائب عريقات مسؤول ملف المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية حول قرار ترامب الأخير بوقف تمويل الأونروا، حيث أكد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، أن قرار الولايات المتحدة الأمريكية وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" مخالف للقانون الدولي ولقرار الأمم المتحدة، الذي أنشأ هذه الوكالة لتقديم الغوث لللاجئين الفلسطينيين.
تذكرت وانا أستمع لهذا الجزء من التصريح معاناة أهل غزة بسبب العقوبات المفروضة من السلطة في رام الله، والسيد صائب عريقات جزء منها. ولا أدري إن تبادر إلى ذهن أحدهم في السلطة هذه المقارنة العجيبة بين تصرفهم حيال غزة وتصرف ترامب حيال أونروا!
وللمقارنة السريعة فقط، يمكننا أن نشير إلى ما يلي:
• قرار ترامب المشار إليه هو مخالف للقانون الدولي
• قرار ترامب هو قرار سياسي، يقول المحللون أنه جزء من خطة غير معلنة التفاصيل تسمى إعلامياً بصفقة القرن، والبعض يقول أنه لإزالة قضية اللاجئين من على طاولة المفاوضات كما أزال من قبلها قضية القدس
• القرار يمثل ضغط على السلطة الفلسطينية لأنه سيكون مطلوباً منها توفير ما تفوره الأونروا في المخيمات الفلسطينية.
• القرار يمثل عقاباً أمريكياً على السلطة لرفضها للسياسات الأمريكية الأخيرة تجاه القضية الفلسطينية والمنحازة كاملاً لإسرائيل
وبالمقارنة البسيطة، فإن مبررات قرار السلطة في عقوابتها على غزة -حسب تصريحات السلطة الوطنية الفلسطينية المعلنة- هي كما يلي:
• قرار السلطة الفلسطينية في معاقبة غزة هو مخالف للقانون الدولي وللقانون الفلسطيني على حد سواء
• ممارسة الضغط على خصم سياسي (حماس) من أجل الرضوخ لطلبات السلطة الفلسطينية في غزة
• هذا الضغط هو ضغط سياسي في محاولة لإملاء وجهة نظر فتح في التعامل مع الإحتلال (على إعتبار أن منظمة التحرير لا تشمل الفصيلين الرئيسيين المعارضين)
• الضغط يمثل عقاباً من السلطة الفلسطينية على الشعب في غزة والذي سقوم بدوره بنقل هذا الضغط على حماس
أما ما قامت به السلطة الفلسطينية ولم يقم به ترامب، هو ان ترامب إستخدم حر مال بلاده الذي يمن به على الآخرين في تفنيذ العقوبات التي أرادها على السلطة الفلسطينية، بينما تقوم السلطة الفلسطينية بإستخدام أموال أهل غزة نفسها في معاقبة غزة، مستفيدة من أن الإحتلال يحول لها هذه الأموال بموجب إتفاقيات سابقة.
ويتبين لي أن الطرفين قاما بإستغلال النفوذ لديهما للضغط على الطرف الآخر من أجل إبتزاز مواقف سياسية تمثل وجهة نظر أحادية تجاه مواقف سياسية لا يحق لأي منهما التصرف فيها منفرداً حتى لو إمتلك النفوذ الكافي.
لم أقصد بهذه المقانرة السريعة تبرير مواقف ترامب من قضية فلسطين العادلة، ولكني أردت الإشارة إلى ضعف الموقف الفلسطيني ةإهتراءه أمام المواقف الدولية المخالفة له.
إن غزة بما تمثله من قوة الـ "لا" الفلسطينية يتم إبتزازها من السلطة الفلسطينية ومن إسرائيل ومن أمريكا من أجل إضعاف هذه الـ "لا". وعلى السلطة الفلسطينية التي لا تستطيع قول لا قوية أن تستفيد من المخزون الفلسطيني الأكثر حرية في غزة لا أن تمارس ضده نفس ما يمارس ضدها.
وسوم: العدد 788