الشحاذون

سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز

يا بُنيّ، أدعو الله أن لا يبتليك بالفقر والإملاق، وأن يمن عليك بالتمول

والغنى. فإن كنت من ذوي السعة والنعمة، وهذا ما أتمناه لك من كل قلبي،

إياك أن تتصدق على السائلين الذين يتجولون في الأسواق مادين أيديهم

للرائح والعائد، أو أولئك الذين يقفون في التقاطعات وكأنهم شرطة مرور. لا

يغشك من شد يده يتظاهر بأنها مكسورة، أو مشى مشية الأعرج، أو تظاهر أنه

ابن سبيل ولا يبتغي سوى أجرة سيارة تقله إلى بيته؛ أو بيده وصفة طبيب

يطلب منك ثمن دوائه، كل أولئك كذابون يريدون أن ينتحلوا ما في جيبك

بحيلة.

واعلم أن السألة طوائف، منهم شباب وقعوا في مصيبة الإدمان، فإن تصدقت

عليهم ساعدتهم في الاستمرار بإدمانهم.

ومنهم أطفال أو نساء تستغلهم عصابات، فإن تصدقت عليهم دعمت تلك العصابات

المجرمة في ثرائها وفسادها.

ومنهم شيوخ طماعون سقطت قطرة حيائهم، فهؤلاء يجمعون الصدقات ولا ينعمون

بها، بل يكنزونها لتصبح إرثا غزيرا لمن لا يستحق.

وهذا لا يعني إنك تجعل يدك مغلولة إلى عنقك فتمسك عن الإنفاق والصدقات

والزكاة، بل في رقبتك مسؤولية أثقل وأصعب!

واجبك هو أن تبحث عن الفقراء الحقيقيين الذين سُلبوا من ثروات بلدهم،

والذين لا يسألون الناس إلحافا، تبحث عنهم في الحي الذي تسكنه، أو في

الأحياء التي تقع في الحواشي؛ تدخل في شوارعها الترابية أو المعبدة

تعبيدا غير مناسب فأمست وعرة ذات مطبات وحفر، فتجدهم وتتصدق عليهم ليلا

بمبالغ تكفيهم لمدة، أو تتسوق لهم مما تتسوق لبيتك. ولا تنس أن ترفق مع

البضاعة كتابا عربيا يرفع من ثقافتهم؛ وحاول أن يكون عطاؤك في خفية.

وأن تدخل دكاكين الأحياء الفقيرة فتبحث في دفاتر الديون عن الفقراء

والمساكين واليتامى الذين لا يستطيعون تسديد ديونهم، فتسددها لهم.

وأما ابن السبيل فخذ بيده واستقل له سيارة توصله إلى بيته، وكذلك افعل مع

الذي يطلب منك ثمن الدواء، خذ وصفته واشتري له الدواء دون أن تدفع له

مبلغا.

إلا اللهم أيقنت كل اليقين إنهما يستحقان الإعانة نقدا؛ وأنّى لك أن تستيقن؟!

ولا تجعل واسطة بينك وبين الفقير والمسكين؛ فلتكن الصدقة من يدك ليده.

واحذر أن ترضي ضميرك بالتصدق على الذين لا يستحقون فتغفل عن الذين يستحقون.

هذا إذا أردت أن تكون إنسانا، ولا أقول مؤمنا يخاف الله فيتصدق ليتقرب

إليه، والمؤمن أولى بالصدقات والزكاة.

وإن وسوس لك الشيطان فأمسكت عن الصدقات وحرمت الفقراء من حقهم، خرجت من

الإنسانية؛ وسوف تبقى مديونا للفقراء والمساكين في الدنيا والآخرة.

وسوم: العدد 789