لماذا لا يهتم العالم الغربي باعتقال عشرات العلماء والدعاة السعوديين كما ينشغل باختفاء الصحفي جمال خاشقجي ؟
في الوقت الذي عبرت فيه العديد من الهيئات والمنظمات الغربية بل وحتى بعض الحكومات عن قلقها الشديد من اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي أثناء دخوله القنصلية السعودية في تركيا ، لم يسجل مثل هذا الموقف حين تناقلت وسائل الإعلام من قبل أخبار اعتقال عشرات العلماء والدعاة السعوديين في السعودية ، والذين يلف مصيرهم الغموض كما يلف مصير الصحفي المختفي، والذي تذهب بعض المصادر إلى أنه ربما تكون قد تمت تصفيته . وواضح أن العالم الغربي بهذا الموقف يكيل بمكيالين في قضية واحدة تتعلق بحرية الرأي وحرية التعبير لمواطنين من نفس البلد .
ومعلوم أن العلماء والدعاة الذين يجهل مصيرهم لحد الساعة يشتركون مع الصحفي خاشقجي في انتقاد سياسات النظام السعودي الذي تغيرت بتولي ولاية العهد الأمير محمد بن سلمان حيث ساء وضع الحريات في السعودية منذ زيارة الرئيس ترامب لها ، والذي نهج سياسة ابتزاز النظام السعودي بذريعة حمايته من الزوال وقد حصل منه على أموال طائلة ، ولا زال يطالب بالمزيد ، ويفخر بذلك في مهرجاناته الخطابية أمام مواطنيه خلال حملته الانتخابية ، والذين يصفقون له بحرارة لأنه ينهب أموال دولة أجنبية بشكل لا أخلاقي ولا قانوني . وقد بلغ به الأمر حد التهديد الواضح وليس المبطن بزوال النظام السعودي في ظرف أسبوعين إن لم يواصل دفع مليارات الدولارات مقابل حمايته عسكريا لضمان بقائه ، وذلك بكل صلف وبمنتهى الإهانة للنظام السعودي .
ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية تقف وراء قرار اعتقال كل من ينتقد سياسات النظام السعودي بمن في ذلك العلماء والدعاة ، ويؤكد ذلك سكوتها على ما يجري في السعودية وكأن هذا السكوت يندرج ضمن ما تحصل عليه من أموال سعودية. ومن الواضح أيضا أن اعتقال العلماء والدعاة جاء عقب إعلان ترامب قرار نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس واعتبارها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني المحتل ، وعقب الحديث عن تقارب بين هذا الكيان والنظام السعودي وأنظمة عربية أخرى في إطار ما يسمى بصفقة القرن التي تستهدف إنهاء القضية الفلسطينية لفائدة ولصالح الكيان الصهيوني المحتل .
ولا شك أن الذي جعل العالم الغربي يسكت سكوت الشيطان الأخرس عن موضوع اعتقال العلماء والدعاة السعوديين هو رفض هؤلاء لما يسمى بصفقة القرن باعتبار القضية الفلسطينية قضية دينية وعقدية لوجود المسجد الأقصى فوق التراب الفلسطيني المحتل . ومعلوم أن العالم الغربي يساند الكيان الصهيوني المحتل بلا حدود ، ويقف موقف تحيز مكشوف من القضية الفلسطينية ، لهذا لا يعنيه في شيء اعتقال العلماء والدعاة السعوديين وغيرهم الذين يرفضون الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين المسلمة والعربية .
والعالم الغربي مطالب اليوم بحكم ما يدعيه من وصاية على الديمقراطية في العالم وعلى الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته أن يقف نفس الموقف من اختفاء الصحفي خاشقجي مع اختفاء العلماء والدعاة ، وكل المعتقلين والمختفين في السعودية والضغط على النظام السعودي لاحترام حقوق الإنسان واحترام حرية الرأي وحرية التعبير لجميع المواطنين السعوديين على اختلاف مشاربهم .
وإنه لمن العار أن يسكت العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة على ما يجري في السعودية من اعتقالات لمجرد تعبير المواطنين عن آرائهم فيما يجري في وطنهم و ذلك من حقهم . ومن المخزي أن يكون ثمن سكوت الولايات المتحدة على انتهاك حقوق الإنسان في السعودية وعلى رأسها حق التعبير عن الرأي مقابل ما يبتزه الرئيس الأمريكي من أموال لا حق له ولبلاده فيها لأنها أموال الشعب السعودي المغلوب على أمره .
وعلى المنظمات والهيئات العالمية المناصرة لحقوق الإنسان وحرياته بما فيها حرية الرأي وحرية التعبير أن تتعامل بنفس المستوى من القلق مع كل المعتقلين والمختفين قسريا في السعودية بمن فيهم العلماء والدعاة وبطبيعة الحال الصحفي خاشقجي .
وعلى الدولة التركية أن تكشف حقيقة اختفاء الصحفي السعودي فوق ترابها ، وأن تتخذ الإجراءات الواجب اتخاذها في حق كل من يثبت تورطه في هذه القضية إذا ما كانت تهمها مصداقيتها أمام شعوب ودول العالم وإلا سيكون سكوتها وصمت عار على جبين قيادتها . ولا يجب أن يقف الأمر بالنسبة إليها عند هذا الحد بل عليها ألا تسكت عن اعتقال كل سجناء الرأي في السعودية بمن فيهم علماء ودعاة أجلاء لتكون منسجمة مع ما ترفعه من شعارات وما تعلن عنه من مبادىء .
وعلى كل دولة تحترم حقوق الإنسان أن تبرهن على ذلك من خلال موقف واضح مما يجري في السعودية من اعتداء صارخ على حقوق الإنسان .
وإذا كانت بريطانيا ودول غربية أخرى قد فرضت عقوبات على روسيا بسبب مقتل عميل روسي فوق ترابها، فعليها أن تتخذ نفس الموقف إذا ما ثبتت تصفية الصحفي السعودي وتصفية علماء ودعاة لا تتوفر أية معلومات عن اختفائهم أو اعتقالهم لحد الآن .وعليها ألا تكيل بمكيالين ،فتعاقب من يعتدي على غير المسلمين في حين لا تبالي بحياة الرعايا المسلمين ،الشيء الذي يثير شكوك حول موقفها هذا.
وعلى كل الشرفاء وكل الأقلام الشريفة في العالم أن تتحمل مسؤوليتها أمام الله عز وجل وأمام التاريخ لمناصرة حرية الرأي وحرية التعبير في السعودية وغير السعودية صيانة لكرامة الإنسان الذي كرمه الله جل جلاله.
وسوم: العدد 793