مهلا أيها الوزير!

التهور في الكلام أشد من ضربة حسام

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

سئل يوما الفيلسوف دياجونيس عن أشد عضات الحيوان خطراً؟ فأجاب: إذا كنتم تقصدون الحيوانات المفترسة فعضة النمام، وإذا كنتم تريدون الحيوانات الأليفة، فعضة المتملق. والتملق حالة طبيعية عند ضعفاء الناس والإنتهازيين منهم. إنه ديدن المتزلفين والمتنمقين على طول التأريخ الذي يضعون التيجان فوق رؤوس العراة، سعيا وراء المال والجاه والمنصب. لكن عندما يكون التملق خارج هذه الصفات فإنه يكون نوعا من الإبتذال والوضاعة التي لا مبرر لها. إن فضل مقياس لمستوى روح الأمة وعقليتها ومكانتها ومقدارما يجري فيها من دلائل الحياة والشعور بالمسئولية هو الضوابط الإنسانية الأخلاقية التي تقيد الأمة نفسها بها طوعا.

غالبا ما تعاني الأمم إنحرافا في تقييم الأمور على المستوين المحلي والدولي، وذلك راجع لعدة أسباب منها داخلية وخارجية، وهي ليست هي موضوعنا الحالي، وهناك الكثير من الزعماء والمفكرين والحكماء والعلماء في عالمنا الفسيح الكبير تقتلهم أو تجرحهم رعونة البعض وزلات اللسان أو سوء الظن والتقدير، ونسيان الإعتبارات الإخلاقية في التعامل مع الآخرين سيما الشهداء والأموات. فتجعل من الرجال مضغة سهلة في أفواه أشباه الرجال، ثم لا نظفر من وراء كل هذه المتاهات الضالة سوى المزيد من التشرذم والتفتت والخسائر.

تناقلت وسائل الإعلام مؤخرا التصريحات الوقحة التي سالت بفعل الإسهال الفموي لمن يسمى بالشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير حارجية البحرين حول إحتفالات الجالية العراقية في البحرين والتي جرت في جامعة البحرين، حيث تم فيها رفع صور الرئيس الشهيد صدام حسين وهتافات بأسمه مما أثار حفيظة الدودة الشريطية في أمعاء الوزير وسببت له حكة شديدة. ولسنا بصدد الدفاع عن الرئيس الشهيد فنحن و الوزير نفسه أصغر بكثير من أن نقيم الرئيس الشهيد ونترك موضوع الدفاع عنه لغيرنا.

لكننا نتناول الموضوع من جانب آخر وهو الجهة التي قام بالهتاف. ولماذا هتفت؟ وهل لها الحق في حرية التعبير عن رأيها أم لا؟ وهل من حق الوزير أي يهين رمزا عراقيا له حضور على الواقع العراقي لحد الآن؟ ولمصلحة من لكأ جروح الماضي؟ ولماذا اشعلت صور الرئيس الشهيد فتيل أعصاب الوزير البحريني، في حين فشلت عملية رفع صور الخميني والخامنئي في البحرين في إثارة حميته؟ مع العرض إن من رفع صور الرئيس الشهيد غالبيتهم من العراقيين، لكن الذين رفعوا صور الخميني والخامنئي هم من مواطني الوزير!

قبل هذه المناسبة جرت حالة مشابهة في مصر الشهر الماضي خلال إحتفال الجالية العراقية في القاهرة، وكانت بحضور القنصل العراق في القاهرة، وخرج القنصل من الحفل بعد أن تعالت الأصوات هاتفة بإسم الرئيس الشهيد ورُفعت صوره. وألقيت في الحفل قصائد مجدت العراق وشعبه وإنتقدت الأوضاع الحالية التي خلفها الغزو الامريكي الايراني للعراق. وإنتهى الحفل ولم يعلق أي مسئول مصري عن الإحتفال إيجابا أو سلبا حتى في تغريداتهم الخاصة. وهذا الأمر يوضح المستوى الثقافي الراقي والمتحضر للمسئوليين المصريين. لأن المناسبة عراقية، ومنظمو الحفل عراقيون، ومعظم الحضور عراقيون شردتهم ديمقراطية العم سام وفتاوى الولي الفقيه في إيران. من الطبيعي ان يهتف الحضور بما يجيش في خواطرهم من مدح أو ذم لهذ أو ذاك من الزعماء، فهم أحرار في التعبير عن آرائهم، وهم أدرى من غيرهم بوضع بلادهم، مثلما الوزير البحريني أدرى من غيره بوضع بلاده.

نحن نعلم أن وسائل الاعلام  البحرينية  كغيرها من الوسائل تتغير كمقاييس الحرارة مع تقلبات المناخ  السياسي ودرجات الحرارة، ولو أوكلت مهمة نقد ممارسة الجالية العراقية في البحرين لصحفي أو نقابة غير رسمية في البحرين لمرٌ الأمر بهدوء وسلام، وما على ضجيج الحدث وتصاعدت المهاترات.

لقد وجه النقد لرئيس شهيد غير قادر عن الدفاع عن نفسه بالرغم من وجود ملايين ممن يدافعون عنه طوعا ويلقمون الوزير مداسا. لكن كما قيل عندما تخلو الغابة من الأسود تسيطر عليها الذئاب! للموت قدسية عند الله والبشر على حد سواء، وللشهادة قدسية مضاعفة عتد المسلمين. وقد أمرنا الإسلام الذي يفتقر الوزير لمعرفة أبجديته كما يبدو أن نترحم على الأموات، ونذكر محاسنهم، ونسأل الله تعالى ان يغفر لهم ذنوبهم. هذه هو خلق الإسلام يا وزير!

الرئيس الشهيد الذي ينتقده الوزير البحريني كان الحارس للبوابة الشرقية ولولا وقوفه بوجه الطغاة المعممين في إيران لكانت المملكة الفقيرة الضعيفة ملحقة بولاية الفقيه. والوزير أدرى من غيره بإمكانات بلاده العسكرية والإقتصادية! فلولا القوات السعودية التي مسكت بالبحرين في اللحظة الأخيرة لتدحرجت المملكة إلى الهاوية منذ فترة طويلة. البحرين مَدينة لصدام سابقا ولللعاهل السعودي لاحقا في بقائها كمملكة على الخارطة، ونكران الجميل ليس من شيم الرجال يا وزير! اليوم تنكرت لجميل صدام، وغدا ستتنكر للعاهل السعودي. والحقيقة إن نصريح الوزير يُخيل للمرء في باديء الأمر كأنه صادر عن مسئول في نظام الملالي في إيران وليس البحرين.

ويبدو ان الوزير البحريني يجهل او تجاهل المواقف المساندة للمملكة، وهذا يفسر قوله" ذاكرة البعض لا تتعدى عشاء البارحة،  صدام احتل الكويت، وقصف الرياض والدمام والبحرين بمئات الصواريخ، نحن لا نمجد هذه الأشكال". هذا الرأي ينطبق على الوزير الذي لا تتعدى ذاكرته غذاء وليس عشاء البارحة. الأشكال التي لا يمجدها هي تاج على رأسه. الأشكال التي لا تحترم الرموز العراقية هي أشكال نجسة وعفنة لا تقل سفالة ولؤما وغدرا عن ملالي ايران. ربما الرئيس الشهيد ليس رمزا لكل العراقيين وهذا أمر طبيعي، فلكل زعيم مؤيدين ومعارضين، مثله ملك البحرين الذي لا يشكل رمزا لكل البحرانيين سيما المعارضين له والمنضوين تحت عمامة الخامنئي. ولكنه يبقى رمزا للبحرين رغم أنف الجميع. كذلك الرئيس الشهيد فهو رمز للعراقيين رغم أنف الجميع!

ولا نعرف ماهية المئات من الصواريخ التي إنهالت من العراق على البحرين كما تحدث الوزير! اللهم إلا اذا اعتبر الوزيرالبحريني ان الكيان الصهيوني والبحرين وجهان لعملة واحدة. أو إيران والبحرين وجهان لعملة واحدة! أما الكويت والسعودية فقد حصل ما حصل! والوزير أدرى بالأسباب قبل أن يتحدث عن النتائج، ويمكن أن يسعف ذاكرته بالرجوع إلى محاضر الجامعة العربية قبل الأزمة ليفهم الموقف بالتمام قبل ان يدلي بدلوه فيما لا يخصه، مع رفضنا التام لمبدأ الغزو وبكل أشكاله وأسبابه، لقد دفعنا وما زلنا ندفع ثمن غزو للكويتين الأشقاء ولآخر قطرة من دماء العراقيين. لكن من سيدفع ثمن الغزو الأمريكي الإيراني للعراق؟

لقد طويت الصفحة ولا فائدة من لكأ الجراح ثانية. وحديث الوزير ينطبق عليه مثل عراقي " لما إنتهى العرس جت الرعنه تهلهل". ولا نعتقد ان السعودية والكويت قد خولت الوزير ليكون محاميا للدفاع عنهما، فالدولتان الشقيقتان فيهما الكثير من السياسيين والزعماء والمفكرين ممن لا يكون الوزير البحريني في حضرتهم سوى تلميذا مبتدئا في عالم السياسة. ونود أن نبين للوزير بأن جيش المختار بزعامة الإرهابي واثق البطاط قد قصف المملكية العربية السعودية بالصواريخ قبل أشهر قلائل، ولكننا لم نسمع تغريدة أو نعيق عن الحدث؟ هل صواريخ المختار صديقة وصواريخ صدام معادية؟

تحدث الوزير عما سماه حماقات صدام بقوله"حماقة صدام جعلت العراق لإيران ليومنا هذا. ولا يفتخر به إلا الضعوف". نقول للوزير الحماقات أدرى وأعرف بأهلهاّ! ويبدو ان الوزير كالأطرش في الزفة ولا يعرف ما يدور حوله! لأن حماقة الرئيس بوش ومن سائر في ركبه من زعماء الغرب، وحماقة الحكام العرب الذي فتحوا أرضهم وسمائهم وبحارهم أمام قوات الغزو هي التي جعلت العراق بيد إيران يا وزير...! كل العرب بلا إستثناء يتحملون وزر غزو العراق بنسب متفاوته. لذا حديث الوزير عن الحماقة أشبه بحديث غانية عن الفضيلة والعفة. الرئيس الشهيد قاتل الولايات المتحدة التي لم تسفع يوما مملكة البحرين بإستنكار واحد ضد التصريحات الإيرانية الإستيطانية المعادية للبحرين.

يواصل الوزير تهجمه على الشعب العراقي وليس الرئيس الشهيد فحسب بقوله" ولا يفتخر به ـ أي بصدام ـ إلا الضعوف". الوزير يتحدث عن الضعف وهو  يجلس على كرسيه بحماية السعوديين! ولولا القوات السعودية لكان الوزير أسيرا في سجون ولاية الفقيه، او متسكعا في شوارع الغرب يستجدي عطفهم.

أن تصف بالضعف الملايين من العرب والعراقيين  ممن يحبون الرئيس الشهيد، هو قلة حيا ولا نقول أكثر. أما التأسف للشعب الكويتي بالقول" يعز علينا ان ترفع صور صدام حسين في جامعة البحرين، وسط تصفيق البعثية." نقول للوزير بأنه اذا كان مدح الرئيس صدام يعني ذم الكويت، فإننا نقدم لك التهاني على هذه العبقرية السياسية. فقد إكتشفت معادلة جديدة في عالم السياسة. فعلا الشخص المناسب في المكان المناسب! لكن هذه واحدة من مشاكل الحكم الوراثي التي يرتقي فيها غير المناسب في أرفع المناصب!

إذا كان البعثيون هم من صفقوا للرئيس  الشهيد ورفعوا صوره فلا حاجة للإعتذار من الكويتيين، لأن هذا امر طبيعي. كل قوم بما لديهم فرحون ويصفقون لزعيمهم. في البحرين مثلا هناك من يصفق للخامنئي، وهناك من يصفق للعاهل السعودي، وهناك من يصفق للسيسي وغيرهم. فهل سيقدم الوزير إعتذاره لمناوئيهم؟

ان الذين يصفقون للرئيس الشهيد ليس جميعهم من البعثية ولا جميعهم من العراقيين، لكن الذي يوحد مشاعرهم إتجاه الشهيد هو الوضع الذي وصل اليه العراق بعد الغزو، البعض منهم ربما كانوا معارضون للحكم الوطني السابق سرا أو علنا. لكن البديل عنه كان عراق اللاعراق، ليس اكثر من أطلال تنعق فيها الغربان وتحوم حولها الذئاب. إن سيئات الحاضر هي التي ايقظت حسنات الماضي. ونود لو يطلع الوزير على الإحصائيات الكارثية بعد العزو الامريكي للعراق، ليتعرف على الأسباب التي تقف وراء دفع العراقيين للتأسف على الحكم الوطني السابق والترحم على الرئيس الشهيد.

هذا آخر تصريح ل( محمد كريم عابدي) عضو اللجنة البرلمانية لشئون الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية حول البحرين والسعودية، يذكر فيه" يتوجب على كل شيعة العالم نصرة إخوانهم من الشيعة في البحرين والسعودية الذين يواجهون أعتى أنظمة الظلم الملكية الوهابية من قمع واضطهاد وقتل واعتقال. أن شيعة السعودية والبحرين ليسوا بحاجه لنحميهم أو نقاتل معهم لينتصروا، فهم لديهم القدرة الكافية لان يحموا أنفسهم بـأنفسهم. ولكن يجب أن نساعدهم في ذلك من خلال تزويدهم بالسلاح والعتاد الذي يمكنهم من حماية أنفسهم من حكم الظلام"!

حسنا لنسمع ردا مناسبا من قبل الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، بإعتباره وزيرا للخارجية والأمر من إختصاصه! هل يتجرأ بردٌ قوي كما فعل في حفل الجالية العراقية؟ علما إن هذا التصريح ليس الوحيد للبغل الإيراني ضد البحرين والسعودية، فقد سبق أن هدد بإحتلال السعودية، وكان ردٌ السعودية كالعادة مخزيا ولا يتناسب مع قوة التصريح.

كلمة أخيرة للوزير البحريني" اذا كانت بيوتكم من زجاج فلا ترجموا الناس بحجر".