الأب الروحي !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

في وقت واحد تقريبا ، جرت ثلاثة حوادث . الأول اتصال هاتفي من شخص يدعى وحيد بقناة تلفزيونية انقلابية يتحدث فيها عن وقائع منتظرة ستجري في مصر والثاني حديث وزير الدفاع السابق المشير طنطاوى إلى إحدى الصحف الانقلابية أيضا وضح من خلاله رأيه فيما جرى ويجري منذ يناير 2011 ، والثالث تراجع الفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق عن ترشحه للرئاسة المصرية المزمع أن يجريها الانقلابيون بعد شهرين أو أكثر قليلا .

يمكن أن يضاف إلى هذه الحوادث حادثا رابعا وهو التسريب الذي تم لحديث الفريق أحمد شفيق آخر رئيس للوزراء في عهد مبارك والمرشح الرئاسي السابق وتضمن رايه في الانتخابات الرئاسية القادمة .

فيما يتعلق بالسيد وحيد فلم يكن اتصالة بالقناة الانقلابية هو الأول من نوعه . إنه الاتصال الرابع ، سبقه تلاثة اتصالات. الأول في أواخر عهد مبارك توقع فيها السيد وحيد سقوط مبارك  وسقوط التوريث والثاني في عهد مرسي تنبأ فيها بسقوطه والثالث بعد الانقلاب وتوقع فيه أن قائد الانقلاب لن يترشح للرئاسة . تحقق ما قاله وحيد في الاتصالين الأول والثاني ، مع احتمال كبير أن يتحقق ما قاله في الاتصال الثالث والاتصال الرابع . إن السيد وحيد ليس فلكيا وليس قارئا للنجوم ، ولكنه فيما يبدو مقرب من أجهزة ذات تاثير فوقي قوي ، خاصة أن ما يقوله يتحقق ، ثم إنه يتصل من رقم مشفر لا يمكن معرفته ويرفض البوح بالرقم الأصلي .

لقد قال وحيد في الاتصالين الثاث والرابع :  إن قائد الانقلاب العسكري لن يصل للرئاسة وإن الرئيس القادم سيكون رجلا عسكريا لم يذكر اسمه حتى الآن في الإعلام. وقال إن من يدير مصر الآن هم مجموعة من الأفراد غير معروفين للعامة وهم من يأخذون القرارات، والقيادات الظاهرة تنفذ فقط ما يتم اتخاذه من القيادات الحقيقية والرئيس القادم من هذه القيادات ( غير المعروفة).

وأضاف السيد وحيد  أنه لن يقوم للاخوان قائمة بعد اليوم وأن الرئيس محمد مرسي سيخرج من السجن ثم سيتم قتله بالخارج بعد خطفه!

وأخطر ما أشار إليه "وحيد"  أن حدثا ضخما سيحدث لإلغاء الانتخابات الرئاسية وإلغاء الدستور وتعيين رئيس عسكري ولن يؤخذ رأي الشعب بعد ذلك اليوم في شىء من إدارة مصر!

إذا أضفنا ما قاله وحيد إلى ما قاله المشير طنطاوي سنجد تكاملا مدهشا يشير أن من يحرك القيادات الظاهرة على السطح يستعد لأخذ زمام المبادرة بيده وحكم مصر بالحديد والنار ، وإلغاء الوجود الإسلامي في المجتمع إلغاء كاملا حتى الوجود الشكلي سينتهي تماما !

فالمشير طنطاوي ابن الـ77 عامًا، والمتخرج فى الكلية الحربية عام 1956، هو أطول قيادة عسكرية جلوسًا على كرسى وزارة دفاع مصر منذ عام 1991 حتى 2012 بما يقرب من 21 عامًا ، وقد لقي ثناء كبيرا وعظيما قبل أسابيع من قائد الانقلاب ، وفهم من هذا الثناء أن الانقلابيين يخضعون لتوجيهاته ويستأنسون بآرائه ، مايعني أن حضوره القيادي قائم بين ضباط الانقلاب ، ولعل الانقلاب كان في جانب منه ثأرا لعزله مع ما مثله الانقلاب من تنازلات مهينة استجابة للكنيسة على حساب الإسلام والرئيس المسلم المنتخب والهوية المصرية العربية .

وإذا التفتنا إلى تراجع الفريق سامي عنان عن الترشح لرئاسة الجمهورية ، وما تبعه من مقولات للصحفيين الأمنيين والمخابراتيين حول استجابته للمشير طنطاوي في الإعلان عن عدم ترشحه حرصا على وحدة الصف العسكري ، في الوقت الذي أكد فيه الفريق أحمد شفيق انصياعه لقائد الانقلاب وتجديد ثقته فيه ، سنجد أن الأمور لا تسير اعتباطا ، ولكنها محكومة بسياق أكبر يحركه قائد أكبر أو ما يمكن تسميته بالأب الروحي .. فمن ياترى يكون الأب الروحي او الرجل الكبير الذي يريد أن تكون مصر خاضعة لحكم عسكري يحرّم عليها الحكم المدني والرئيس المدني ؟

فلنتأمل بعض ما جاء في حديث المشير طنطاوي إلى صحيفة الانقلاب  ، ولنتذكر قبل ذلك أن الرجل وهو يحكم مصر باسم المجلس العسكري قبل انتخاب الرئيس محمد مرسي حاول الظهور بملابسه المدنية في وسط العاصمة ويومها رجّح مراقبون أنه سيتقدم للترشح للرئاسة ولكن جرت المياه والرياح في اتجاه آخر فرض إجراء الانتخابات الرئاسية على النحو الذي كان مع  حل مجلس الشعب في اختبار لقدرة المدنيين على مواجهة سيطرة الأب الروحي وتأثيره الصاعق!

قال المشيرطنطاوى في حديثه : «الموقف فى مصر كان سيئًا، وفى منتهى الخطورة، وربنا سترها، و30 يونيو كانت المخرج لمصر»

وقال: «المخطط الموجود فى مصر لم يكن أحد يعرفه ويوم 30/6 لما الناس عرفت وفهمت المخطط قام الشعب بالتظاهر».

وقال: «ربنا ستر، و30 يونيو أحبطت المخطط الأمريكى، وهم ( يقصد الاخوان ) ما حققوش أى شىء من ذلك، رغم أنهم كان ليهم مردود قوى فى البلد وأضروا بمصر وكانوا بيولعوا فيها كل ما تهدأ. .

 وأجاب طنطاوي على سؤال : لماذا سلم مفاتيح مصر إلى الإخوان مع علمه بخطر الجماعة على البلاد؟ قائلا : «أنا مسلمتهاش»، وكررها 3 مرات «أنا مسلمتهاش.. أنا مسلمتهاش.. أنا مسلمتهاش.. الشعب هو اللى سلم الدولة للإخوان، وأنا وقت ما كنت رئيس المجلس العسكرى اجتمعت مع جميع العناصر والاتجاهات المختلفة فى البلد، ووقتها كل المصريين عايزين ديمقراطية، وأنا كجيش مش هحكم البلد لمدة طويلة، فقمنا بعمل انتخابات والشعب اللى اختار.. هو اللى خلى الإخوان يمسكوا البلد».( كلمة مخطط تكررت قرابة عشرين مرة في حديث طنطاوي !) .

ردد طنطاوي اتهامات الانقلاب للإخوان بالتورط في وقائع ؛ اعتلاء قناصة أعلى أسطح العمارات المطلة على التحرير، ومهاجمة أقسام الشرطة، وتهريب المساجين ، لكنه أمام المستشار أحمد رفعت، قاضى الجولة الأولى في محاكمة مبارك ، لم يحمّل المشير جماعة الإخوان أية مسئولية عن أية أحداث، سواء القناصة، أو مهاجمة الأقسام، أو اقتحام السجون،ولم يوجه لهم الاتهام .

مجمل ما قاله طنطاوي يكشف عن رفض الجيش لثورة يناير واعتماده خطة الثورة المضادة والتهيئة للانقلاب على الديمقراطية وإرادة الشعب ورفض الحكم المدني مع انه كان يتقرب إلى الشعب عقب سقوط مبارك ، ولكن استمرار القتل أكد أن الأب الروحي لن يسلم أبدا بالحرية مالم تنتزع منه ، ومالم يجد إصرارا على المقاومة إلى آخر مدى !