الشعوب الأوربية على خطى الربيع العربي؟
يشبه الاعلام الفرنسي حراك السترات الصفراء ببدايات الربيع العربي
والحقيقة ان الانسانية جمعاء دخلت في مرحلة جديدة مثلت الشعوب العربية فيها القاطرة والملهمة ..
ولعل اكثر تشخيص اثارة ما سمعته من المحللين الفرنسيين في تشريح الظاهرة
كون ما يحدث في باريس
"ثورة فرنسا ضد فرنسا ذاتها" ويقصدون بفرنسا الاولى "الشعب" والثانية "الدولة"
ولأول مرة منذ اعلان الجمهورية الخامسة يظهر الاعلام الفرنسي ان هناك فجوة بينهما تتسع وتتعمق باستمرار حتى صارت حالة الانفصام المنذرة بالانفصال
ولعل اخطر مع يشير الى الانفصال بين الشعب والدولة دعوة نقابة الشرطة العامة الى اضراب مفتوح غدا السبت في تصريح علني على القناة الثالثة ..وهو ذات اليوم الذي يستعد فيه اصحاب السترات الصفراء بالتصعيد
الامر الذي ربما يستدعي فرض حالة طوارئ وتدخل الجيش ضد الشعب الفرنسي ...
واذا وقع ذلك فسيكون الشرخ بين المجتمع والدولة بلغ اعلى مستوى في مؤسساته..
لكن تخوف السلطات ان يكون هناك تمرد للجيش او بعضه انحيازا للشعب كما فعلت الشرطة ...مما قد يسبب حربا اهلية وسيزيدها استعار الهوية اشتعالا ..ويعتبر هذا سيناريو الكارثة اذ سيمتد حتما الى اوروبا كاملة بل وسيتجاوز القارة العجوز ايضا
الاسباب الازمة وابعادها :
١- لقد كان واضحا منذ الرئاسيات الاخيرة والتي افرزت ايمانويل ماكرون الرئيس الشاب من وسط "غير تقليدي" في الخريطة السياسية بفرنسا حيث ولاول مرة يخرج رئيسا من غير رحم الاحزاب التقليدية الكبرى اليمين واليسار فكان ماكرون مرشح النخبة المالية وليس السياسية مما جعله يبدو من البدارة ممثل الشركات واللوبيات وليس الشعب الفرنسي
٢- دخول ماكرون فور انتخابه في صراع مع قيادة الجيوش حيث قام بعزل جنرال بارز بعد ان رفض اوامره في مالي وبعض الدول الافريقية معتبرا انها خطر على فرنسا ..وكان تبرير الرئيس الشاب امام الساحة العسكرية والسياسية انه تم عزله "ليعلم جيدا من هو الرئيس" وهذا من بين الاسباب التي من خلالها اتوقع تمردات في الجيش اذا وجهت الاوامر بالتصدي للشعب الفرنسي
٣- اضعاف ماكرون للحزبين السياسيين العريقين واللذين كانا الوبط الطبيعي الذي يخرج منه رؤساء فرنسا منذ تأسيس الجمهورية الخامسة جعل من الطبقة السياسية تنقم عليه وعلى فريق حكومته ...
وقد كان تأطير الساحة السياسية والنقابية والاعلامية من طرفهما وبتأثيرهما ..ومع اضعافه لهما ضعفت السيطرة والادارة وهذا الذي افرز بشكل مباشر ايضا حراك السترات الصفراء من رحم الشارع وبدون تأطير سياسي تقليدي مما جعل السيطرة عليه بالوسائل التقليدية امرا متعذرا لغاية الان
٤- الازمة الاجتماعية التي تشهدها فرنسا و قوانين التقشف التي اتخذها ماكرون اثرت بشكل كبير على المستوى المعيشي للفرنسيين بما في ذلك الخدمات وهو ما رأه الفرنسيين تعد صارخ على الحياة الكريمة ووجد الشعب نفسه في صراع طبقي مع نخبة في قصر الإليزيه كما عبرت عن ذلك المعارضة في البرلمان اول امس الاربعاء
٥- صعود اليمين المتطرف ومحاولة ركوب الموجة دفع الى مواجهات مباشرة مع قوات الامن هذه المرة مما اثر على معنويات الشرطة التي نفسها تشكو صعوبات انفاق اجتماعي
والتي ترى في اليمين المتطرف عنصرا فرنسيا اصيلا وليس مجموعة مهاجرين مجنسين ..وهذا يمثل فارقا في الرؤية العميقة للفرنسيين ويعطي انطباعا لديهم ان فرنسا تواجه نفسها
٦- الوضع الدولي والاقليمي في القارة العجوز فمحادثات البريكسيت البريطاني وشعار ترامب امريكا اولا تضغطان بشكل رهيب على فرنسا لتكون مع المانيا قاطرتا اوروبا ناقص واحد اي دون بريطانيا ...وهو مكلف للغاية و انعيار العقد الاجتماعي في فرنسا معناه انهياره في كامل اوروبا اذ سيكون ذلك الترجمة الحرفية لفشلها في القيادة لعدم الأهلية .
٧- انخراط فرنسا في حروب كثيرة العقد الماضي من سوريا فليبيا ثم تشاد النيجر و الحرب المفتوحة في مالي وامتحان قواعدها في بوركينافاصو وافريقيا الوسطى كل ذلك جعلها تحت العجز العسكري والمالي مما ادى الى تنازلها عن الكثير من حصثها التجارية واسواقها العالمية لصالح قوى كبرى ومؤثرة مقابل مشاركتها في ضبط مصالحها الحيوية في مستعمراتها القديمة خاصة في الجزائر ليبيا ومالي حيث امدادات النفط واليورانيوم
الامر الذي يهدد لا يهدد فقط انهيار قدرتها الخدماتية والاجتماعية بل يتعداه الى التهديد الغذائي والطاقوي
٨- ان تشبيه ما يحدث بالثورات العربية وحديث المنظرين الفرنسيين ان فرنسا تواجه فرنسا ليس عبثيا
هناك فعلا تصدعات بنيوية على مستوى هوية الانسان الفرنسي ومؤسساته فاستعار مسألة الهوية مؤخرا بصعود اليمين المتطرف وشعارهم فرنسا للفرنسيين
ومسألة المطالبة بادراج لغات النورمون والألزاس وغيرها كلغات رسمية ورفض الحكومة لها
بل ومسألة روح العقد الاجتماعي بين الفرنسيين الذي يرى اغلبهم انه تم تجاهله لصالح نخبة مالية استعبدت الشعب الفرنسي ...
كل هذه الامور تعتبر صواعق تنذر بانفجار داخلي كبير يهدد مستقبل فرنسا واوروبا كاملة وليس مستبعدا ان نرى ساحات ثورية كساحة لاباستي و ساحة الامة وساحة النصر المشتعلة منذ ايام يتكرر فيها ماحذر به الرئيس الاسبق فرانسوا هولاند خليفته ماكرون مخاطبا اياه قبل اشهر
"ليعلم ماكرون ان ساحة لاباستي la bastille اعدم فيها ملوك فرنسا"
وسوم: العدد 802