ألا توجد أنواع من استغلال البشر خارج طائلة القانون ؟
تتوزع لفظة "استغلال " دلالتان ، الأولى إيجابية ، والثانية سلبية . أما الدلالة الإيجابية ، فهي ما دل على استعمال فيه منفعة كقولنا : " فلان يستغل أرضه " ،أما الدلالة السلبية ، فهي ما دل على استعمال يهدف إلى إساءة كقولنا :" فلان استغل فلانا" إذا ما استعمله بنية الإساءة إليه .ولا تضاف لفظة " استغلال " إلى البشر إلا وكانت حتما دلالتها سلبية .
وبالرغم من وجود أنواع من استغلال البشر عندنا ، فإن ما صار حديث الرأي العام في الآونة الأخيرة، هو نوع واحد تطرقت إليه العدالة ، وتداوله الإعلام على أوسع نطاق ، ويتعلق الأمربإدانة مدير جريدة أخبار اليوم بتهمة استغلال بعض المشتغلات معه جنسيا، الشيء الذي يعني وجود قانون يجرم هذا النوع من استغلال البشر .
والسؤال المطروح هو : هل يشمل هذا القانون أنواعا أخرى من استغلال البشر أم أنها تبقى خارج طائلته ؟
لا يكاد تشغيل الإناث في مختلف القطاعات يخلو من أحاديث عن استغلالهن سواء الاستغلال المادي حيث تدفع لهن أجور تقل عن الأجور التي تدفع للذكور ، وهذا ما يبرر الإقبال على تشغيلهن أكثر من تشغيل الذكور ،أو الاستغلال الجنسي ، أو هما معا .
وكمثال على استغلال الإناث جنسيا في القطاع الفلاحي نذكر حالة العاملات في مزارع الفرولة بإسبانيا ، ونتساءل هل أدانت العدالة الإسبانية استغلالهن ، وتابعت المسؤولين عن ذلك قضائيا ؟
وليست العاملات في مزارع الفرولة وحدهن اللواتي يتعرضن للاستغلال الجنسي بل تروج أخبار كثيرة عن هذا النوع من الاستغلال في مزارعنا أيضا دون أن تفتح تحقيقات تؤكد أو تنفي ذلك . ويرتاب كثير من الناس في سلوك العاملات في المزارع ، الشيء الذي ربما يضطرهن في بعض الجهات إلى التنقب وإخفاء وجوههن كي لا يعرفن على حد قول من يشكك في سلوكهن. ومهما يكن سلوكهن ،فإنه لا مبرر لاستغلالهن جنسيا ، كما أن ذلك يجب أن لا يخرج عن طائلة القانون باعتباره نوعا من أنواع استغلال البشر الذين يوجدون في وضعية ضعف أو احتياج يضطرهم إلى الخضوع كرها لمن يستغلهم .
ومن أنواع استغلال البشر أيضا استغلال الخادمات في البيوت جنسيا ، وكمثال على ذلك ، نذكر ما يروج من أحاديث عن استغلال الخادمات في دول الخليج العربي . ومشكلة هذه الخادمات في دول الخليج أنهن بعد استغلالهن يزج بهن في السجون ، وتلفق لهن التهم من أجل التغطية على استغلالهن وطمس معالمه . ولم نسمع بتدخل القضاء في دول الخليج لإنصافهن ، أو إدانة المعتدين عليهن .
وليست الخادمات في دول الخليج وحدهن اللواتي يتعرض للاستغلال الجنسي بل تدور أحاديث عن هذا النوع من الاستغلال عندنا أيضا ، إلى درجة أنه تم إنتاج أفلام تعالج هذا الموضوع من أجل لفت الأنظار إلى مظلمة هذه الفئة من الإناث التي تعاني أبشع استغلال للبشر، وقد يقع ذلك في غالب الأحيان خارج طائلة القانون .
وعلى غرار استغلال العاملات في القطاع الفلاحي والصناعي ، والخادمات في البيوت جنسيا ، تروج أحاديث عن استغلال فئات أخرى من الإناث تشتغل في مختلف القطاعات العمومية والخاصة لا حاجة لسردها كمستخدمات أو سكرتيرات، أو نادلات أو حتى منظفات ... وغالبا ما لا يطال القانون من يعتدي عليهن .
ومن أنواع استغلال البشر ما يحدث في قطاع التربية حيث تدور بين الحين والآخر أخبار عن استغلال المتعلمات جنسيا من مختلف الأعمار ، وفي مختلف المستويات التعليمية على غرار ما تداولته وسائل الإعلام بخصوص ما وقع منذ مدة من استغلال جنسي في إحدى الجامعات . ولئن كان القانون قد طبق في هذه الحالة ، فإن حالات عديدة ظلت خارج طائلته مع رواج الحديث عنها في العديد من الجهات ربما كان سبب ذلك عدم تبليغ الضحايا عنها خوفا من الفضيحة والعار .
ومن أنواع استغلال البشر ما يقوم به المشعوذون والدجالون من استغلال جنسي لفئات من الإناث تقصدهم للعلاج أو طمعا في الحصول على شريك حياة أو حرصا عليه حتى لا يختطف منهن أو لأغراض أخرى تكون وراءها دوافع انتقام أو يكون وراءها جهل وتخلف وسذاجة ... وقد يستغل هؤلاء الدجالون والمشعوذون الدين لممارسة اعتداءاتهم الجنسية على ضحاياهم كما كان الحال بالنسبة لدجال مدينة بركان الذي أغرى ضحاياه بالرقية الشرعية لارتكاب ما يتنافى مع الشرع. وإذا كانت العدالة تلاحق بعض هؤلاء ، فإن العديد منهم يظل خارج طائلتها أيضا .
ومن أجل محاصرة هذا النوع من استغلال البشر ، لا بد من تعميم قانون تجريم من يمارسونه في جميع الحالات وفي جميع القطاعات دون استثناء . ولا نشك في أن ذلك من أهداف القانون إلا أن غياب تطبيقه في كثير من الحالات قد يوحي بعدم وجوده أو بعدم جدواه .
ولا بد أيضا أن يأخذ القانون بعين الاعتبار الحواجز النفسية التي تمنع ضحايا الاستغلال الجنسي من التبليغ عنه لما في ذلك من إلحاق الضرر بالسمعة والكرامة، الشيء الذي يعتبر تشجيعا لمرتكبيه .
وفي المقابل لا بد من تجريم اللواتي يستبحن عمدا أو رضائيا كما يقال أعراضهن طمعا في الحصول على شغل أو مقابل أو فوز أو ترقية أو امتياز أو غير ذلك مع وجود أدلة دامغة حتى لا يلتبس أمرهن بأمر الضحايا المغلوبات على أمرهن .
ومن أجل محاصرة هذه الآفة لا بد من إيجاد آليات وأجهزة خاصة تسهر على حماية الإناث في مختلف القطاعات من الاستغلال الجنسي ، وذلك من خلال الحضور الدائم والمستمر ، والتفقد ، والمساءلة . وزيادة على ذلك لا بد أن تضطلع الجهات الحقوقية والإعلامية ، ومختلف جمعيات المجتمع المدني بدورها في محاربة هذه الآفة الخطيرة بكل الوسائل المتاحة .
وسوم: العدد 802