ماذا يريد البشير من زيارة بشار؟

في خطوة فاجأت كثيرين، قام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة خاطفة إلى سوريا الأحد الماضي، التقى خلالها بشار الأسد، الذي تسبب نظامه في تدمير معظم المدن السورية، وقتل مئات الآلاف من المدنيين، وتوطين النفوذ الإيراني والروسي في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية. قُدّمت عدة تفسيرات لهذه الزيارة غير المتوقعة، لكنّ أياً منها لم يقطع بحقيقة الدوافع السودانية التي تقف خلف تلك الخطوة.

يقول الاجتهاد الأول إن زيارة البشير جاءت بدفع من المحور الإماراتي-السعودي مقابل إغراءات مالية. يعمل هذا المحور منذ قرابة عامين على تجاوز التطبيع السري أو غير المباشر مع نظام الأسد إلى التطبيع العلني، لكنه يواجه كثيراً من المشاكل على المستويين الإقليمي والدولي مؤخراً، ولذلك لا يريد أن يكون في الواجهة عندما يخطو هذه الخطوة. وفي هذا السياق، يكون البشير قد كرّس عملية إعادة شرعنة الأسد عربياً بوصفها أمراً واقعاً، وامتص ردود الفعل السلبية الأولى بصفته أول رئيس عربي يزور سوريا ويلتقي الأسد منذ الثورة السورية.

في المقابل، يقول الاجتهاد الثاني إنه إذا كان هناك أحد ما قد دفع البشير إلى مثل هذا الخطوة غير المتوقعة، فهو الجانب الروسي. يتزايد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مؤخراً بشكل غير مسبوق، لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ويحاول البشير استغلال الصعود الروسي في المنطقة من أجل موازنة الولايات المتحدة من جهة، وكذلك انفتاح موسكو الكبير على مصر من جهة أخرى.

مؤيدو هذا الاستنتاج يعتقدون أن قيام طائرة روسية بنقل الرئيس السوداني لمقابلة الأسد هو خير دليل على وجود مثل هذا التوجه، سيما وأن موسكو تحاول هي الأخرى الترويج لنجاحها في إبقاء الأسد والتسويق له رئيساً شرعياً، من خلال دعوة عدد من قادة الجمهوريات التابعة لها أو التي تدور في فلكها إلى تبادل الزيارات معه، ناهيك عما أوردته بعض الصحف السودانية التي أشارت إلى أن موسكو قامت بإيداع مليار دولار في المصرف المركزي السوداني مقابل هذه الخطوة.

الاجتهاد الثالث يقول إن البشير اتخذ هذه الخطوة من تلقاء نفسه ودون دافع من أحد. مؤيدو هذا الخط يختلفون حول الهدف من هذه الخطوة، ففيما يشير بعضهم إلى أن الهدف هو التقارب مع إيران من خلال الأسد، وأن البشير الذي تشارك قوات له في العمليات السعودية-الإماراتية في اليمن، يريد أن يحتفظ بخط الرجعة إذا صح التعبير بعد أن سلك الملف اليمني اتجاهاً آخر مؤخراً.

في المقابل، يرى آخرون أن هدف البشير هو تحقيق أكبر قدر من التوزان في علاقاته مع المحاور المختلفة والمتضاربة التي ترتبط بعلاقات على مستويات متعددة مع السودان، كمحور تركيا-قطر، ومحور الإمارات-السعودية، وأخيراً محور الأسد-إيران. البشير بحاجة إلى استقطاب الدعم المالي والسياسي من جميع القوى الإقليمية الدولية، ليس لأن الخرطوم باتت تعاني اقتصادياً بشكل غير مسبوق فقط، وإنما لأنه يسعى إلى تعديل الدستور بشكل يسمح له بالبقاء في الحكم بعد العام 2020، وهو العام الذي كان من المفترض أن تنتهي فيه ولايته الثانية والأخيرة، حيث لا يزال يحكم منذ العام 1989.