عقوبات أوروبية على “المخابرات الإيرانية” وطهران تتوعد بالرد

في آخر ردةّ فعل إيرانية على الإجراءات التي اتخذتها بروكسل والمتمثلة بإدراج وزارة المخابرات الإيرانية على قائمة الإرهاب، صعدت طهران من لهجتها بأنها  ستتعامل مع أوروبا وفق مبدأ المعاملة بالمثل بعد قيام أوروبا بإدراج الفرع الخارجي  التابع لوزارة المخابرات الإيرانية للعقوبات ،  وإدراج شخصيتين إيرانيتين على قائمة الإرهاب.

بهرام قاسمي – المتحدث باسم الخارجية الإيرانية

بدوره وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية “بهرام قاسمي”، القرار الأوروبي هذا بغير المنطقي والمثير للجدل ، وحذّر من قيام إيران باتخاذ إجراءات مماثلة عملية مقابل هذه الإجراءات الأوروبية ، كما نقلت وكالة الإنباء الإيرانية الرسمية الحكومية “ايرنا”، عن مصدر إيراني مطلع أنّه تم استدعاء  ستّة من السفراء والقائمين بالأعمال للسفارات الأوروبية إلى مبنى وزارة الخارجية الإيرانية في طهران للاستماع إلى  وجهة النظر الأوروبية من جراء اتخاذ هكذا قرارات، وفي المقابل جاء الرّد الإيراني ردا حادا على لسان المسئول الإيراني، حيث ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن  مقابلة ممثلي الدول الست لم تستغرق هذه أكثر من عشرة دقائق.

هذا وقد جاء فيما تسرب من وسائل الإعلام الإيراني أنّ إيران بصدد إعادة النظر في التعاون الأمني والمخابراتي بينها وبين دول  الإتحاد الأوروبي لكن السؤال المحوري  ما الذي يمكن لإيران فعله في هذا السياق؟ أعتقد أن كلمة المعاملة بالمثل كلمة كبيرة، وعندما تطلقها طهران في هذا التوقيت يعتبر سوء تعبير من جانب الإيرانيين ،  سيما فيما يتعلق بقدرة إيران الفعلية وقدرتها على مواجهة دول الاتحاد الأوروبي ، وهي لا زالت أحد الأطراف الفاعلة كضامن للاتفاق النووي ، ورفع سقف وحدة التصريحات هو بمثابة إرسال رسالة للداخل الإيراني بأن إيران لا زالت قادرة على مواجهة الضغوط ، واستهداف الخصوم والأعداء في الخارج ، خاصة رموز المعارضة الإيرانية  .

ايران على لوائح الإرهاب الدولية

بموازاة ذلك فإن الدولة الإيرانية أعجز من أن تفرض عقوبات على أجهزة الأمن الأوروبي ، وإدراج قادتها  ضمن قائمة الإرهاب ، وهذا التصرف في الحقيقة يشبه التصرف الذي أقدم عليه مجلس النواب الإيراني قبل برهة من الوقت  والذي يقضي بفرض عقوبات على سيناتورات أمريكيين ، مما أثار سخرية الرأي العام الإيراني ، وبات وسيلة من وسائل التندر على وسائل التواصل الاجتماعي الإيراني . وفي المجمل فإن  هذه التصريحات الإيرانية ، لا تتجاوز حدود الشعارات التي تندرج في اطار توجيه الرسائل للداخل الإيراني الذي بات يعاني من ويلات سوء إدارة السياستين الداخلية والخارجية الإيرانية التي مازال الشعب الإيراني يدفع ثمنها غالياً لغاية اللحظة .

المشاركين في معاهدة لوزان (فيما يخص المشروع النووي الإيراني)

 الخطوة الأوروبية ستدفع بالتأكيد إلى تصعيد وتيرة  النقاش السياسي حاد بين الطرف الإيراني والغربي،وأن الدرجة الثقة بدأت تقل خاصة من جانب الدول الأوروبية التي بدأت تستشعر فعلاً ضرورة تعديل الاتفاق النووي ، خاصة فيما يتعلق بالصاروخي ودعم إيران للإرهاب .

ولكن  فعلاً هل  لدى إيران أي  من الوسائل والأدوات التي تستطيع معها  الضغط على الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه   ؟ في تقديرنا  أن سياسة الإتحاد الأوروبي تجاه إيران لم تصل إلى مستوى التصعيد الخطير  ، لكن  إذا ما أردت إيران تنفيذ هذه التهديدات التي توعدت بها ، فإن  واحدة من الوسائل التي يمكن لإيران اللجوء إليها تكمن في قطعها لمستوى  التعاون الأمني فيما بينها وبين الإتحاد الأوروبي، أو تخفيضه ، وربما  قد تصل إلى  طرد بعض المسئولين الأمنيين الغربيين المتواجدين في طهران والذين شرعوا بالعمل في طهران بعد الزيارات الأخيرة التي قام بها سفراء غربيون إلى طهران ليقدموا لدولهم تقارير أمنية حول التزام إيران بما تم التوافق معه مع طهران خاصة في موضوع التعاون في مكافحة الإرهاب . فقطع هذه العلاقات الأمنية بين طهران وأوروبا يمكن له أن يكون واحدة من الطرق التي ستنتهجها إيران للمعاملة بالمثل مع الاتحاد الأوروبي،ولكن سيكون لذلك تداعيات سلبية على العلاقات بين طهران وعواصم الاتحاد الأوروبي ، وفي مقابل ذلك وهذا هو الأمر  المهم  هو استبعاد  أن تحدّ المخابرات الإيرانية من أنشطتها لاستهداف المعارضة الإيرانية  في أوروبا، وهذا هو المهم ، من هنا ينبغي على دول الاتحاد الأوروبي أن ترفع من وتيرة ضغطها على إيران لمنعها من ممارسة هذه الأعمال الإرهابية على أراضيها . وهذا  يقودنا إلى تساؤل مهم وهو يتعلق  بحجم هذا التبادل الأمني المخابراتي بين إيران و دول الإتحاد الأوروبي؟ وفيما إذا تعرض هذا التعاون لضربة فعلياً ، وكيف سيؤثر ذلك على العلاقات الأمنية  بين طهران والاتحاد الأوروبي، وهل  هذا يعكس تعاون حيوي بين الطرفين ؟

بطبيعة الحال تكمن طبيعة العمل المخابراتي بين طهران والإتحاد الأوروبي بالعمل الأمني السرّي، ولا يرتبط هذا العمل بطبيعة العلاقة الثنائية والتعاون بين إيران والإتحاد الأوروبي بقدر  تسريب إيران لشكل من المعلومات  الأمنية حول منطقة الشرق الأوسط، و تبادل وجهات النظر الأمنية فيما بين الطرفين  فيما يتعلق بالتنظيمات الإرهابية التي وصفها وزير المخابرات الإيراني الأسبق علي يونسي ” بالسلفية السنية ” ، ومن المؤكد أنها ستتواصل للتأكيد على أهمية وقوف إيران إلى جانب الغرب في معركته ضد الإرهاب ” السني ” الحريصة على تشويهه، وأن طهران لا زالت طرفاً وشريكاً فاعلاً في هذا المحور ، وتعزيز فكرة بقاء إيران ضمن هذا المحور والترويج لذلك لدعم موقف إيران أمام الضغوط الأميركية المتصاعدة ، هذا إلى جانب أن طهران تبرع في القيام بفكرة العميل المزدوج لدى التيارات المتطرفة التي تنشط في العراق وسوريا  ومن شأن ذلك تقديم معلومات وفيرة لدور هذه التنظيمات للعمل على  الأرض الأوروبية هذه بالمحصلة قضايا تحوز على أهمية فائقة لدول الاتحاد الأوروبي .

من هنا يمكن فهم كيف تمارس طهران دوراً لإبتزاز دول الاتحاد الأوروبي ،  فهذا التعاون الأمني يعد بمثابة السيف التي تضعه إيران على عنق أوروبا، فهاهم المسئولين الإيرانيين يلجئون إلى تهديدات بين الفينة والأخرى، و أحيانا ما كنا نسمع بأن مسئولين أمنيين أوروبيين قد طلبوا من إيران علنًا تقديم معلومات مخابراتية تتعلق بعناصر من “داعش” وباقي المجموعات الإرهابية الأخرى ،أو تلك المعلومات المتعلقة بتهريب المواد المخدرة فيما بعد تمّ التعاون بين إيران والأوروبيين في هذا المجال .

رحمان فضلي – وزير الداخلية الإيراني

الأمر الأخر  هل من الممكن أن يؤثر  هذا الخلاف الجديد الإيراني الأوروبي على الاتفاق النووي؟هذا الموضوع يعيدنا مرّة أخرى للموضوع الأمني،  الإجابة عند الإيرانيين هو ما يتم الترويج له في وسائل الإعلام الإيراني ، وفي توظيف السجال بين أجنحة النظام الإيراني وخلاصته أن الاتفاق النووي لم يوفر لإيران الفائدة المرجوة بل بات وبالاً على إيران ، أما بالنسبة لأوروبا فقد ضمن هذا الاتفاق أمنها واستقرارها والحفاظ على مصالحها ، وقد شهدنا في الفترة الأخيرة تصريحات  لمسئولين في الحكومة الإيرانية مثل وزير الداخلية الإيرانية الذي هدد غير مرّة عندما قال، إذا ما أردنا زعزعة الأمن في أوروبا فنحن قادرون على ذلك ، حيث يمكننا وفي ظرف أربعة وعشرين ساعة فتح الحدود للاجئين والسماح لهم بالتوجه لأوروبا. في الحقيقة من مصلحة الغرب الإبقاء على الاتفاق النووي وهي بالفعل تريد ذلك، فهم يسعون إلى عزل موضوع الاتفاق النووي عما جرى مؤخرا من توتر سياسي بينهما وبين إيران. أعتقد أنه ولطالما بقيت إيران  ضمن الاتفاق النووي، فإن أوروبا ستسعى للبقاء ضمن هذا الاتفاق، لكن الأحداث والتطورات أثبتت عجز دول الاتحاد الأوروبي عن مواجهة الضغوطات الأميركية الآخذة بالتصاعد .

وسوم: العدد 807