عاصفة خامسة بوتفليقة .. إلى أين ستدفع الجزائر ؟!

إخواننا وأحباؤنا الجزائريون قدوة مثلى لنا عربا ومسلمين ، ولكل حر في العالم يمقت العدوان والاستكبار الاستعماري ، ويحب العدل والمساواة بين البشر . صناعة القدوة ليست سهلة ، لهذا ضحى الجزائريون بمليون ونصف مليون شهيد ، ونجهل عدد الجرحى الذين تعوقوا مدى عمرهم ؛ ليزيحوا عن صدرهم ومن طريق مستقبلهم 130 عاما من استعمار فرنسي أصر طوال تلك السنين على محو هويتهم الجغرافية والوطنية والدينية واللغوية والثقافية مصنفا بلدهم امتدادا لفرنسا ، وفعل كل منكر لوأد الجانب الديني واللغوي من تلك الهوية ، ومن غريب ما فعل في هذا الجانب أنه أصدر في القرن التاسع عشر جريدة بلغة عربية هزيلة مضطربة قبيحة لتكريههم في لغتهم وتنفيرهم منها ودفعهم إلى الجنوح إلى الفرنسية خاصة الجيل الناشىء الذي لم يتصل بالينابيع الأصلية الصافية للعربية . حارب الاستعماري الفرنسي التوسعي الجزائريين على جبهة عريضة ، فقاتلوه على عرض هذه الجبهة حتى حرروا وطنهم واستقلوا في 19 مارس 1962 بعد 8 سنوات من الثورة التي بدأتها جبهة التحرير الجزائرية في الفاتح من نوفمبر 1954 . وحين أراد ديجول أن يقلل من غضب القوى الاستعمارية في بلاده عليه لاعترافه مضطرا باستقلال الجزائر قال : " تركت فيهم الفرنسية " قاصدا أن اللغة الفرنسية ستحتفظ بالنفوذ الفرنسي في الجزائر . وبعد الاستقلال لم تنغلق الجزائر على نفسها للاستشفاء من جراحها الطويلة الغائرة في كل جزئية من جزئيات ذاتها ، وسارعت في حيوية وحماسة للوقوف مع كل حركات التحرر في أفريقيا وآسيا ، واحتضنت القضية الفلسطينية في عمق قلبها ، وقال الرئيس هواري بومدين _ رحمه الله _ قولته المشهورة : " أنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة " . وفي التعريب ، ورغم مشاقه المتعددة ، حققت خطوات واسعة ، والكتاب والشعراء الجزائريون الآن من صفوة من يكتبون بالعربية ، والمواقع الإعلامية الجزائرية يعز أن تجد فيها خطأ لغويا . واسترسلت القدوة الجزائرية مبهرة جذابة ليفاجأ كثيرون من محبي الجزائر بإلغاء  الانتخابات البرلمانية في 1991 التي فازت في بدايتها  جبهة الإنقاذ الإسلامية بقيادة عباسي مدني ، وبما لحقها من الأحداث الدامية التي قتل فيها قرابة 200 ألف مواطن . وبدا بعد آلام ومرارات كثيرة أن الجزائر عادت إلى طريق القدوة القديمة ولو بحماسة أقل وتعثر لا يخفى . وحدثت الصدمة الكبيرة لنقاء القدوة في إصرار حزب حركة التحرير الوطني ، حزب بوتفليقة ، على ترشيحه لولاية رئاسية خامسة ، فانتفضت المعارضة الشعبية لترشيحه ، وما شهدته مدن الجزائر الجمعة الماضية من مظاهرات عارمة كان استفتاء شعبيا مباشرا عفويا على رفض أغلب الجزائريين لهذا الترشيح  . والحق أن كل إنسان مهما كان بعيدا عن هذه القضية يستغرب هذا الترشيح ، وغريب أن يقول معاذ بوشنب منسق هيئة تسيير حزب التحرير الوطني الحاكم : " إن الله بعث بوتفليقة في 1999 لإصلاح الأمة " ، فمع ما في الكلام من مغالاة في " البعث الإلهي " فقد انقضى على ذلك البعث عشرون عاما ، تدهورت فيها صحة بوتفليقة بدنا وعقلا تدهورا شبه كامل يعرف بوشنب أبعاده وحقائقه ، ويعرف أن بوتفليقة لا يصلح معه حتى لإدارة شئونه الذاتية ، فكيف يكلف بإدارة شئون بلد ؟! وأليس من الأوجب والأصوب والإنساني أن يترك ليرتاح ؟! وأليس في حزبه من يرشح بدلا منه ؟! فما الأمر في الشعب الجزائري كله ؟! كل من تابع مظاهرات الجمعة امتدح سلميتها ، ووعي الشباب الذين تظاهروا حتى إنهم نظفوا ساحاتها ، ولم يخربوا ولم يعنفوا . إنهم الممثلون الحقيقيون للشعب الجزائري الذي يطلب حقا مشروعا في هذه المظاهرات ، هو اختيار مرشح رئاسي أقدر صحيا من بوتفليقة على إدارة شئون البلاد في عالم يتسارع فيه الاختلال ، وتتدافع فيه المفاجآت غير السارة خاصة للعرب والمسلمين . يبدو أن داء كره التخلي عن السلطة داء عربي يصعب جدا التعافي منه ، فيرشح من نفدت قواه الصحية مثلما يحدث في الجزائر، وتعدل مواد الدستورمثلما حدث في مصر  تمديدا لهذه السلطة . الجزائريون كانوا قدوة مثلى لنا عربا ومسلمين ، ولسوانا من شعوب العالم ، وحكماء إذا توسطوا في خلاف بين طرفين  حلوه  ، فليحفظوا هذه القدوة ، وليستبقوا حكمتهم ، ويتجنبوا أن تدفع بهم عاصفة خامسة بو تفليقة إلى ما يكرهونه وما نكرهه لهم .

وسوم: العدد 813