التحزب العشائري

يبدو أنّ الفراغ السّلطويّ في بعض المناطق الفلسطينيّة ومنها القدس قد شجّع البعض أن يغالي كثيرا في محاولاته للظّهور بأيّ ثمن، وقد أصبحت الأعراف العشائريّة ميدانا لسباق هكذا أشخاص، فأخذوا يتخبّطون بها تخبّطا عشوائيا مثيرا للشّبهات.

وإذا كنّا نؤكّد هنا أنّ العشائريّة ثقافة موروثة من جاهليّة ما قبل الإسلام، أفرزتها "ثقافة الصّحراء الوحشيّة"، إلّا أنّ أحدا لا يستطيع إنكار دورها في تفكيك المجتمعات العربيّة إلى عائلات وعشائر وقبائل، كما أنّها تقف حاجزا في طريق بناء الدّولة المدنيّة التي تحكمها القوانين.

وإذا كانت العشائريّة الحقّة تتحلّى بالأصالة، ولها قوانينها وأعرافها في فكّ الخصومات، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها، فإنّه لا يمكن فهم محاولة البعض تحويل العشائريّة إلى حزب أو تنظيم! أو مؤسّسة! بينما هي في الأصل عمل فرديّ تطوّعيّ لإصلاح ذات البين وترسيخ السّلم الأهلي. وقد بتنا نقرأ في الصّحف ووسائل الإعلام عن مسمّيات وهميّة لا وجود لها على أرض الواقع، فمثلا "الأمانة العامّة للعشائر في القدس وفلسطين"! من أين أتت هذه التّسميّة؟ وممّن تتشكّل هذه "الأمانة"؟ وإن وجدت فمن شكّلها؟ وبناء على ماذا؟ وما هي أهدافها؟ ومن يقف وراءها؟ وما هي نشاطاتها؟ وإلى أين ستصل؟ ومن المخوّل بإقامة الهرم العشائري؟ وكيف؟ وهل رجال الإصلاح العشائريّون بحاجة إلى ترخيص وبطاقة عضويّة تتجدّد سنويّا مثل تجديد رخصة قيادة السّيّارة؟ وهل تستطيع أيّ مؤسّسة تحريك رجال الإصلاح لحلّ خصومة ما إذا لم يتحرّكوا هم بدوافع شخصيّة؟

وهل هذه التّحرّكات العشائريّة التي شهدناها ولا نزال منذ بضعة أسابيع في القدس تحديدا، والتّي تتمثّل بما يسمّى "مؤتمرات" و"لقاءات" وغيرها بريئة، أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟ وهل تأتي هكذا أمور بشكل عفويّ، أم أنّها مدروسة ومخطّطة وتتزامن مع ما يجري على السّاحة من التفاف على منجزات شعبنا، ومحاولة إضعاف السّلطة الفلسطينيّة، ومرجعيّتها منظمّة التحرير؟ وهل ستخرج علينا روابط قرى جديدة تحت مسمّيات مختلفة؟

وهل إشراك بعض الشّخصيّات المرموقة في هكذا نشاطات بريء، أم أنّ هناك من يصطاد في الماء العكر ليحقّق أهدافه على ظهورهم؟ وهل ننتبه بأنّ "الطريق إلى جهنّم معبّد بالنّوايا الحسنة؟

وسوم: العدد 813