الحكم على الإسلام من خلال من يدعون الانتماء إليه ظلم صارخ في حقه
بالرغم من أن القرآن الكريم أشار بشكل واضح إلى الفوارق بين الصادقين في إسلامهم والكاذبين ، فإن الناس لا زالوا في زماننا هذا يحسبون على الإسلام كل من يدعي الانتماء إليه ، ويحكمون عليه من خلال ما يصدر عنه من مواقف وأفعال .
أليس من السخف أن ينطلق البعض من حالة أنثى في وضعيتين، وضعية تظهر فيها بزيها الموحي بأنها مسلمة ، وأخرى تظهر فيها دون ذلك اللباس ثم تقام ضجة كبرى حول هذه القضية ؟ كم من حالة ذكرها القرآن الكريم لأشخاص أظهروا إسلامهم ، وخالفت ذلك أفعالهم ؟ ألم يحدثنا القرآن الكريم عن المنافقين والمنافقات وما قالوا وما فعلوا ،وكانوا يحسبون على الإسلام ولكنه لم يحمله مسؤولية ما كان منهم ؟ أليس حدود ما يستطيعه المسلمون هو الحكم على الظواهر والله عز وجل يتولى السرائر ؟ وهل يكفي أن يحكم الناس لأحد بإسلامه انطلاقا من الظاهر ليكون عند الله عز وجل كذلك ؟ أليست الأعمال في الإسلام بالنيات التي يجب أن تسبقها ، وهي نيات إنما علمها عند من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ولا علم لمخلوق بها مهما كان ؟
وبناء على شرط سبق النية العمل كان من المفروض أن يكون إقبال المرأة المسلمة على اللباس الذي أشار القرآن الكريم إلى الكيفية التي يكون عليها أن تقدم بين يدي ذلك بنية تكون بينها وبين خالقها ليكون لباسها إسلاميا بغض الطرف عن البقعة التي تعيش فوقها في هذا المعمور ، وبغض الطرف عن قماش لباسها نوعا أو لونا أو شكلا ، أوتفصيلا أو خياطة ما دام مراعيا للكيفية المنصوص عليها في القرآن الكريم بحيث يستر ولا يجسم ، ولا يشف . ومن أقدمت على مثل هذا اللباس دون نية سابقة، فهي إنما ترتدي لباسا ككل لباس وإن ستر ولم يجسم ولم يشف، لأن لباس المرأة المسلمة يدخل ضمن تعبدها ، وهو أمر إلهي ككل الأوامر الإلهية ، ولأن تركه أيضا نهي من النواهي الإلهية . ولا يمكن أن ترتدي المرأة المسلمة زيها الإسلامي في بلاد تدين بدين الإسلام ، فإذا حلت بالبلاد التي لا تدين به خلعته ، لأنها إن فعلت نقضت النية التي سبقت ارتداءها له، وهي نية غير مشروطة بحيز مكاني دون آخر ، والتي تبيح لنفسها خلع لباسها في غير بلاد الإسلام ،يمكنها أن تأتي كل ما نهى عنه الله عز جل لنفس السبب إذا أرادت أن تكون منطقية مع نفسها .
ومن المثير للسخرية لدى كثير من النساء المحسوبات على الإسلام أن ارتداء الزي الإسلامي بالنسبة إليهن مرتبط بأزمنة وأمكنة أو ظروف معينة في المسجد والحج والعمرة وأثناء الحداد . وإننا لنرى على سبيل المثال لا الحصر البرلمانيات عندنا يحضرن جلسات بعينها بزي يحاكي الزي الإسلامي دون النية التي تسبقه بل بنية حضور تلك الجلسات فقط .
ومن المثير للسخرية أيضا أن يصير الزي الإسلامي بالنسبة لبعض النساء زي يوم الجمعة فقط تماما كما يعتبر الكسكس طعام الجمعة ، فيتم بذلك إفراغ زي شرعه الله عز وجل للمرأة المسلمة من دلالته التعبدية ليصير مجرد عادة اجتماعية يستوي فيها مع أكلة الكسكس وشراب اللبن في يوم الجمعة .
والذي حملني على الخوض في زي المرأة الإسلامي هو عنوان مقال نشر على موقع عنكبوتي جاء فيه أن التي سجل عليها خلع لباسها خارج أرض الوطن قد أفتت بأن هذا الزي ليس ركنا من أركان الإسلام . أجل إن أركان الإسلام الخمسة معلومة لا حق لأحد أن يزيد فيها أو ينقص منها ، ولكن زي المرأة المسلمة عبادة تعبدها بها خالقها ،وليس من حقها أن تفتي فيها بهواها مهما كانت الظروف .
ومع أن الضجة التي أثيرت حول تغيير هذه المرأة لباسها داخل وخارج الوطن وراءها الصراع الحزبي والسياسي الدائر في بلادنا بين من أعلنوا مرجعية حزبهم الإسلامية ، وبين خصومهم ممن يرفضون استغلال المرجعية الإسلامية حزبيا وسياسيا ، ولهذا صاروا يعددون لهم الهفوات التي تجعلهم خارج إطار المرجعية الإسلامية التي يدعونها ، ومن ضمن تلك الهفوات ظهور تلك المرأة بزي إسلامي داخل الوطن والتجرد منه خارجه. وما يريده خصوم الحزب الذي يدعي المرجعية الإسلامية عندنا ليس مجرد إحصاء زلات أو هفوات أصحابها بل الذهاب بعيدا إلى أن كل من يدعي هذه المرجعية سيكون حاله حتما كحال هؤلاء، وبناء على هذا لا جدوى من الرهان على الإسلام مرة أخرى وقد جرب عند من ادعوى مرجعيته، فنقضوها بمواقف وأعمال شاهدة على ذلك ، ومن ثم لا بد من الرهان على من لا مرجعية إسلامية لهم، لأن ذلك سيجعلهم خارج إطار النقد الذي تعرض له من أعلنوا تلك المرجعية ، وهذا يعني أن من لا يصرح بها يحق له أن يتصرف بكل حرية ، ولا لوم عليه إذا أتى من الأعمال والمواقف ما لا ينسجم مع دين الإسلام .
ومعلوم أن الذين ادعوا المرجعية الإسلامية ولم يرعوها حق رعايتها ، ولم يصدر عنهم ما يثبت دعواهم قد قدموا خدمة كبرى للمفسدين حين ثار عليهم الشعب في ثورة ربيعه ، وقدموا خدمة كبرى أيضا لمن لم يكن يحلم بالإمساك بزمام الأمور، فصار اليوم يقدم نفسه مرشحا وهو يرى أنه لا مندوحة عنه لقيادة البلاد ، وقد انطلقت حملاته الانتخابية قبل الأوان ، وصار يتحدث عما بعد 2021 حديث الواثق من فوزه ممتطيا ظهور الذين ادعوا المرجعية الإسلامية ، وأساءوا إليها وما أساءوا في الحقيقة إلا لأنفسهم .
ومهما يكن من أمر فليس من المنطقي الحكم على الإسلام من خلال كل من ادعى الانتماء إليه ،لأنه لا بد لهذا الادعاء من بينة يشهد عليها الواقع ، ولا تقبل فيه يمين.
وسوم: العدد 815