وزير الخارجية جون كيري والخداع الأمريكي المستمر
وزير الخارجية جون كيري
والخداع الأمريكي المستمر
تحسين أبو عاصي
– غزة فلسطين –
يطل علينا كيري من جديد ، ونحن الطرف الأضعف الذي لا يملك من المقاومة شيئا حتى السلمية منها ، خاصة عندما يكرر أبو مازن دائما عدم جدوى أي مقاومة ضد إسرائيل.. ولا نملك غير استجداء العالم بعدالة قضيتنا ، تلك العدالة التي تَمكنا خلالها من انتزاع اعترافا أُمميا بنا ، ولا زالت عدالة على الورق باستثناء البسط الحمراء التي تُفرش لفخامة السيد رئيس دولة فلسطين ، وعزف النشيد الوطني ، تتويجا لمسيرة نضالية شاقة حافلة بالدماء والدموع والآلام .. ولا زلنا نضع كل بيضنا في السلة الأمريكية ، ونعتبرها شريكا رئيسيا في مشروع التسوية .. ويبدو أننا لا نتعلم من أحداث التاريخ ، أو نخشى الإعلان عن إفلاسنا السياسي نهجا وتفكيرا وممارسة ، ولا نريد أن ندرك بأن أمريكا لا يمكن أن تكون وسيطا محايدا في يوم من الأيام ، وأنها لا ولن تؤيد الحقوق الوطنية لشعبنا ، وتحاول أن تقدم لنا العسل ممزوجا بالسم الزعاف كعادتها في الخداع المستمر ، ومن ثم إقامة دولة فلسطينية مسخ تحت حراب وأسنة الآلة العسكرية الإسرائيلية ..
السلطة الفلسطينية تملك الكثير من الأوراق لقلب الطاولة ، أو لتغيير اللعبة وذلك إن كانت تملك إرادة وطنية غير مرتهنة ، ولكنني لا أعتقد أنها تقدر على ذلك بسبب أنها مكبلة باتفاقيات وشروط وقيود تجعلها أعجز من أن تلعب بتلك الأوراق ، فقرارها السياسي لا يمكن أن يتخطى الدول المانحة ولا الرباعية الدولية ، والتي هي الأوكسجين الذي تستمد منه السلطة بقاءها ، خاصة أن الدول المانحة هددت السلطة بأنها ستوقف دعمها المالي لها إن لم يتم إنجاز العملية السياسية .. ولنا أن نتخيل كيف سيكون حال السلطة لو نفذت الدول المانحة تهديدها ، ثم أوقفت إسرائيل عوائد الضرائب للسلطة وأوقفت أمريكا دعمها ، كما أن السلطة الفلسطينية لا تجرؤ على التوجه للهيئات الدولية الأكثر ثقلا وأهمية مثل المحكمة الجنائية الدولية ، وليس للسلطة إلا التلويح بذلك فقط لعلها تنجح بلعبة " كِش ملك " فتحظى السلطة بقليل من الإجراءات التي يقوم إعلامنا بتضخيمها بشكل مدروس وهادف مثل : الإفراج عن مجموعة من الأسرى ، أو إزالة حاجز عسكري هنا أو هناك ، أو السماح بلم شمل بعض العائلات الفلسطينية ... فقد قالت مجلّة «إيكونومست» أنّ المجموعة الأوروبيّة دخلت في مفاوضات مع السلطة الفلسطينيّة ؛ للحصول على تعهّد رسمي بعدم مقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة ، والمحكمة الجنائيّة الدوليّة هي أداة بيد واشنطن ، ولا يمكن لأبي مازن أن يؤرق مضاجع من جاء به إلى السلطة ، والسيد أبو مازن لا يزال يستمر في منصبة الرئاسي بتمويل أمريكي وإمداد إسرائيلي ، ألم ترفض السلطة الفلسطينية من قبل العودة إلى المفاوضات إلا في حالة تجميد الاستيطان !؟ ذلك الشرط الذي أعلنت عنه إدارة أوباما ، وما لبثت أن تراجعت عنه تحت ضغط الصهاينة ، ثم هذه هي تعود ضعيفة للمفاوضات تحت ضغط الإملاءات الأمريكية والأوروبية ..
زيارات كيري المكوكية ستفرض حلا في هذه المرة على السلطة الفلسطينية شاءت أو أبت ، ولا يمكن للسلطة أن تقف بوجه العقاب الذي ينتظرها في حالة رفضها للرؤية الأمريكية ؛ لأن البديل هو سقوط نهج التسوية الذي حرصت أمريكا على الإشراف عليه دائما وأبدا ، وسقوط نهج التسوية يعني سقوط المشروع السياسي لحركة فتح زعيمة هذا النهج ، الذي طالما تغنت به ، واعتبرته المولود الجديد الذي لا يمكن لحركة فتح أن تسمح بالمساس به منذ اتفاق غزة أريحا أولا ، وسقوط نهج التسوية والذي يبدو عبثيا حتى الآن وفق اعترافات قادة حركة فتح أنفسهم ، سقوط نهج التسوية يعني نجاح نهج المقاومة ، وتصاعد التيار الإسلامي المتطرف ، ومزيدا من النجاح لحركة حماس الخصم السياسي اللدود لحركة فتح ، والبديل المنتظر لها في حالة فشلها التاريخي ، لذلك كان لا بد من أن يتمخض الجبل الفلسطيني عن شيء حتى لو كان فأرا !!! ومن ثمَّ يوهمون الناس أن الجبل تمخض عن أسد وليس فأر .. والويل كل الويل حينئذ لمن يقول تمخض الجبل الفلسطيني فولد فأرا ...!!!. لذلك أستطيع أن أجزم وبناء على السلوك السياسي والأخلاقي لقادة السلطة الفلسطينية أن المفاوض الفلسطيني رغما عن أنفه أو بإرادته المرتهنة ، سيقبل أخيرا بصيغة تلطيفية مُبطنة تتعلق بيهودية الدولة ، صيغة تحفظ ماء وجه السلطة ، وتصب في مصلحة الأمن القومي لدولة الكيان ومخططاتها المقبلة .. وقد نادى بعض القادة إلى ضرورة البحث عن صيغة مقبولة لدي الطرفين " الفلسطيني والإسرائيلي " حول الاعتراف بيهودية الدولة كان من بينهم نبيل عمرو عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير عندما قال " إن أبو مازن على استعداد للاعتراف بدولة يهودية وفقاً لخارطة الطريق التي تنص على أن الحل يجب أن يتضمن إقامة دولتين واحدة يهودية وأخرى فلسطينية " .
كما أعتقد أن ما تبديه السلطة الفلسطينية من تشنجات وفق ما نتابعه من خلال وسائل الإعلام والمصادر المعنية ، ما هي إلا تشنجات مسرحية ، كما ظهر بوضوح من خلال تشنج المرحوم ياسر عرفات مع شريكه رابين في مصر عندما رفض التوقيع تحت عدسات الكاميرات وعلى مسمع ومرآي من العالم .. وما نسمعه من تهديد مستمر يتعلق بحياة السيد عباس ، وعن استمرار الفجوات بين الموقفين ، وعن التلاسن الذي يصفونه بالحاد بين كيري وعريقات ، وما نسمعه بان الرئيس هدد كيري بقلب الطاولة والتراجع عن المرونة التي أبداها لإنجاح الجهود الأمريكية ، ما هو إلا مسرحية لا تنطلي على شعبنا الفلسطيني ، كما كان الوضع تماما قبل وبعد اتفاق أوسلو ...
ليس إجادة التمثيل المسرحي فحسب هو ما تتقنه السلطة وقادة فتح ، فنحن نتذكر ما آلت إليه ملفات كثيرة تتعلق بقضية شعبنا .. فعلى سبيل المثال لا الحصر ، أين ملف بناء الجدار العنصري التي تابعته محكمة لاهاي !؟ وما مصير ملف تقرير غولدستين الدولي والمتعلق بلجنة التحقيق في المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في عدوانها على غزة ، وانتهاكها للقانون الإنساني والدولي !؟ وأين ملف مذبحة جنين والتي تم فك الحصار بعده عن ياسر عرفات ثمنا لإغلاق هذا الملف !؟ التنازل عن ملفات كثيرة هامة مثل تلك الملفات التي تمس بكرامة شعبنا الفلسطيني تم طويها ، مما نعتبره مؤشرا قويا على تنازل أكبر لقضايا كبيرة تمس الوجود الفلسطيني وقضيته العادلة والتي لن يقدر عباس ولا من يؤيده على طمسها وتصفيتها ... لذلك أعتقد في نهاية المطاف أن القيادة الفلسطينية ستقبل بحي أو بحيين عاصمة لها في القدس الشرقية ، وبحسب ما نشرت وسائل إعلام إسرائيلية فإن كيري عرض على الرئيس أبو مازن إعلان "بيت حنينا" عاصمة للدولة الفلسطينية ، وربما يضيفون لذلك منطقة أخرى مثل أبو ديس أو غيرها مع ممر إلى المسجد الأقصى وبذلك ينتهي موضوع القدس إلى الأبد وفق مخططهم .. وستتنازل السلطة عن حائط البراق لليهود ، وستقبل بعضوية التواجد الإسرائيلي في اللجنة التي ستشرف على المسجد الأقصى وسيكون لقوات الاحتلال وجودا ولو الكترونيا للإشراف على معبر الكرامة " المنفذ الوحيد من الضفة الغربية إلى الأردن ومن ثم للعالم الخارجي " كما كان الشأن في معبر رفح البري ، وستقبل السلطة بقوات إسرائيلية محددة في الأغوار يتم التوافق على ماهيتها وعددها وحجمها ، وربما بدوريات مشتركة مع السلطة الفلسطينية كما حدث في غزة بعد أوسلو ، وبعودة حوالي سبعين ألف لاجئ إلى الضفة الغربية فقط ، وليس إلى مدنهم وقراهم في فلسطين التي هُجروا منه عنوة ، وتعويض من يريد أو حصوله على الجنسية التي يرغب فيها مع توفير حياة إنسانية مقبولة له في تلك الدول ، وسيتم تبادل الأراضي فقد وافق الرئيس أبو مازن على استبدال بعض المناطق في القدس الشرقية بنفس الكم والنوع في مناطق أخرى ، وسيتم استئجار المستوطنات لمدة زمنية طويلة جدا ، وانسحاب المستوطنين من الكتل الاستيطانية المتفرقة فقط ، والتي لا تعتبرها إسرائيل مستوطنات إستراتيجية ... وقد أعلن نتنياهو عن ذلك رسميا وفق صحيفة معاريف العبرية الصادرة في 27 / 2 / 2014 أنه سيوافق على إخلاء بعض المستوطنات ضمن اتفاق سلام مع الفلسطينيين ، وكذلك إعلان أوباما مؤخرا أنه يعمل بقوة على تحرير اتفاق يرضي الطرفين ... ولن يطالب الفلسطينيون بعد ذلك بأي حق تاريخي لهم في فلسطين ، وسيعلنون عن انتهاء الصراع مع اسرائيل ، خاصة وان إسرائيل تطالب السلطة عدم مطالبتها بشيء من خلال تعهد السلطة أمام الأمم المتحدة !!. وسيبقى الفلسطينيون مرشحون لأي اقتتال داخلي بسبب صراع التوجهات السياسية التي ستتفاعل بقسوة بعد ذلك ، والتي هي اليوم تتفاعل على نار هادئة من تحت الرماد ، ويكون سببها حركة فتح وقيادتها التاريخية ومن لم يصدق فإن غدا لناظره لقريب ...
ربما لا يزال البعض من أبناء شعبنا يثقون بالرئيس أبي مازن وبالقيادة الفلسطينية ولو بنسب متفاوتة ، لكن الخشية أن يفقدون كل الثقة ، فالأيام حبلى بما هو آت ... فيا طالب النصر من أعداك مُت كمداٌ *** كطالب الشِّهد من أنياب ثعبان .
لا بد من المراجعة الأمينة لمواقف كافة قادتنا ، مراجعة باتت ضرورة لا تحتمل التأجيل ، مراجعة تطرح الخلافات جانبا ؛ لأن الأمر يتعلق بمصير الشعب الفلسطيني والذي هو أكبر بكثير من الخلافات التنظيمية والشخصية ... ولا بد من صياغة جديدة لعملية الصراع بين جميع قادة الشعب الفلسطيني ، ومن الخطأ احتكار قادة فتح مصير الشعب الفلسطيني بأيديهم ، ولا بد من الاتفاق على مرجعية واحدة ، وربما لم يتم تفعيل اللجنة القيادية المؤقتة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، والتي طالبت بضرورة إصلاح المنظمة وتفعيل دورها التاريخي لذات الهدف ، وتمرير مخططات بسهولة على الطرف الفلسطيني الذي لا يملك حولا ولا قوة بفعل قرارات قادة حركة فتح ورؤيتها في إدارة الصراع ، وإتباع نهج التسوية في ظل المراوغة والمكر الإسرائيلي ، والدعم الأمريكي الكامل والغير مشروط ، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية أو ما تبقى منها .. آمل ألا يحدث ذلك ...
حَيَّى الله كل كتائب المقاومة الفلسطينية التي أدركت أن أقرب السبل لعودة الحق المسلوب هو من خلال خطف الجنود وقنصهم ، ومن خلال زرع العبوات وتدمير آليات العدو واقتحام مغتصباته ...
معذرة إليك أيها الشهيد أحمد موسى ، يا من سقطت أول شهيد لحركة فتح في ميدان الوغى ، وأنت تؤمن بأن الحق يحتاج إلى قوة لا استجداء ولا تمثيل ، ومعذرة إليك أيها الشهيد عبد الفتاح حمود "عضو اللجنة المركزية لحركة فتح " فقد تداعت الخطوب وهبت العواصف على حركة فتح التي عاش ومات الشهداء على مبادئها الثورية ، حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ، ومعذرة إليكم يا شهداء شعبنا ونحن ننتظر أن تكون أرواحكم قناديلا تضيء لنا طريق الكفاح المسلح لا طريق المفاوضات العبثية والخداع الأمريكي والدولي ... ويجب أن يستحي أولئك الكُتَّاب المنافقون الذين يغمزون بعين لصالح القيادة الفلسطينية في رام الله ، ويغمزون بالعين الأخرى لصالح المقاومة ، وأولئك المتسلقون السياسيون الذين يدعمون المقاومة علنا خارج فلسطين ، وفي داخل فلسطين ضدها ، فهم سبب ضياع البلاد والإفلاس السياسي ...
وتذكروا تصريح الرئيس الصهيوني شمعون بيريز خلال استقبال رؤساء منظمات يهودية أمريكية في القدس المحتلة الجمعة (21/2/2014) ، والذي أكد فيه أن عملية المفاوضات الرامية للتوصّل إلى اتفاق تسوية سياسية مع الجانب الفلسطيني ، تصب بشكل أساسي في مصلحة تل أبيب التي تسعى إلى الاعتراف بها كـ "دولة يهودية" وقال بيريز : "إن إقامة دولة فلسطينية تصب في مصلحتنا ، فالهدف من المفاوضات مع الجانب الفلسطيني هو الحفاظ على الكيان كدولة يهودية" ...
سيادة الرئيس أبو مازن : لقد أيدناك من قبل ، واليوم من حقنا أن نختلف معك ، وسنؤيدك سيادة الرئيس أبا مازن عندما تقف صلبا قويا ضد أعدائك ، سنؤيدك وأنت تحافظ على كل الثوابت الفلسطينية ومنها حقوق كل لاجئ فلسطيني بعودته إلى وطنه ، سنؤيدك وأنت تحمي شعبك من هجمات المستوطنين وجنود الاحتلال ، سنؤيدك وأنت تدافع عن شعبك في الشتات لا أن يموتوا جوعا في اليرموك أو يُهجروا من العراق إلى البرازيل ، سنؤيدك وأنت تعلنها أمام الملأ أن المفاوضات عبثية ، وأن المقاومة هي أقصر الطرق لتحرير فلسطين ، سنؤيدك عندما تلتقي بكل أشقائك من كافة القوى الفلسطينية بما فيهم حماس والجهاد الإسلامي ، وقد اتفقتم على إستراتيجية واحدة لتحرير فلسطين ، سنؤيدك وأنت تطالب بفلسطين بعزة المقاوم الثائر ، وقد أوقفت التنسيق الأمني ومطاردة المقاومين وقتلهم واعتقالهم ، فقد خاب ظننا بالمفاوضات ، وتلاشت الآمال في نهج التسوية ...