هل تحضّر الصين لتواجد عسكري لها في البحر المتوسط؟
شهد العقد الماضي مزيداً من التراجع في النفوذ الأميركي في عدد لا يستهان به من المناطق حول العالم، منطقة الشرق الأوسط تُعدّ واحدة من أهم هذه المناطق، إذ بينما كانت واشنطن تركّز على ضرورة نقل الاهتمام والتركيز من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا، حيث يزداد التنافس السياسي والاقتصادي والعسكري مع الصين، كانت بكين تركّز على توسعها المالي والاقتصادي الخارجي بشكل غير مسبوق، لا سيما في منطقة حوض البحر المتوسط.
وباعتبارها منطقة حيوية بين القارات الثلاث الآسيوية والأوروبية والإفريقية، فقد شكّلت عقدة مواصلات غاية في الأهمية في استراتيجية الصين لخط الحرير البحري، بين العامين 2009 و2010 على سبيل المثال، ازداد حجم صادرات الصين إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة حوالي 31 %، وفي العام 2011، بلغت قيمة البضائع المصدّرة من الصين إلى الاتحاد الأوروبي حوالي 300 مليار دولار، الغالبية العظمى منها كان يتم تصديره عبر البحر، ومع تنامي حجم صادراتها ونهمها إلى الموارد الأوّلية، وازدياد الاعتماد على الاتحاد الأوروبي كشريك تجاري، نشطت الصين في تطوير البنى التحتية اللازمة لتسهيل حركة التجارة، وتقليص الوقت والتكاليف اللازمة لإيصالها.
ولمّا كان ذلك يصبّ أيضاً في سياق مشروع طريق الحرير الجديد، الذي تعمل بكين على إنشائه، ويخترق مجموعة كبيرة من الدول من شرق آسيا مروراً بآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا، فإن اهتمام بكين بإنشاء و/أو شراء مزيد من المرافئ الاستراتيجية على طول الخط البحري الموازي لهذا الخط البري قد ازداد في السنوات القليلة الماضية، في العام 2006، أطلقت الصين مشروع ممرات التجارة الذكيّة والآمنة مع عدد من الدول الأوروبية، ثم توسع المشروع في العام 2010، وأصبح يضم حوالي 120 خطاً تجارياً ينخرط فيه حوالي 200 مشغّل اقتصادي بين 16 ميناء بحرياً.
وفي هذا السياق بالتحديد، قامت الصين في العام 2010 بشراء سلطة ميناء بيرايوس -أكبر ميناء في اليونان، وواحد من أكبر الموانئ في البحر المتوسط- أمام هذا التوسع تحاول العديد من الدول الأوروبية الحدّ من الاستثمارات الصينية التي من شأنها أن تشكّل خطراً عليها، أو أن تؤسّس لاحقاً لنفوذ صيني يؤهّل بكين لأن تملي شروطها الخاصة على الجانب الأوروبي، لكن هذه الاستراتيجية لم تنجح حتى الآن مع تمتين العلاقات الصينية-الإيطالية، وبحث الصين عن مزيد من الموانئ في حوض البحر المتوسط، وآخرها ميناء طرابلس في لبنان.
ومع التوسع المالي والاقتصادي والتجاري الصيني في منطقة البحر المتوسط، من المتوقع أن تحضّر الصين لتواجدها العسكري في المنطقة مستقبلاً، صحيح أن التواجد الصيني في حوض المتوسط لا يزال حديثاً مقارنة بالانخراط الغربي في المنطقة، لكن حجم الأموال والتجارة المتدفقة يفترض أن الصين ستعمل مستقبلاً على تأمين الكم المتزايد من الاستثمارات والمصالح عسكرياً، لأنها أصبحت مرتبطة بالأمن الاقتصادي والسياسي القومي الصيني، ومع التراجع الأميركي المتزايد، فإن تحقق مثل هذا الاحتمال يصبح أكثر واقعية، نجحت بكين حتى الآن في تفادي إثارة المخاوف العلنية من حجم مصالحها المتزايد، من خلال زحفها الصامت وسط ضجيج الحروب الإقليمية والانخراط الغربي، لكن ما أن تشرع بكين في تأمين مصالحها في المنطقة عسكرياً، حتى تصبح جزءاً لا يتجزأ من هذه الضوضاء.
وسوم: العدد 818