يوميات السيول السوداء (9)
قال أهل الشعيبية إن المياه نزلت من بيوتهم قليلا بعد أن توجهت نحو الفلاحية، لكنهم لا يستطيعون دخول قراهم من شدة الرائحة الكريهة التي سببتها مزارع القمح وقد عفن السنبل بعد أن بقى غارقا لأكثر من عشرين يوما فی السيول، فأمست رائحته لا تطاق.
عندما رجعنا من الشعيبية وصلنا الأهواز بعد صلاة المغرب، لفت نظرنا خلو الشوارع؛ يبدو أن معظم المسؤولين المستوطنين أرسلوا عوائلهم إلى خارج الأهواز خوفا من السيول التي وصلت إلى مداخل المدينة وباتت تهدد الجميع بالغرق؛ والمواطنون لا يخرجون حذرا من مباغتة السيول لمنازلهم.
كنا قبل أزمة السيول نسير في مثل هذا الوقت سير السلحفاة من شدة الازدحام في الأهواز، أما في هذه المرة فكنا نطوي الشوارع بسرعة 100 كم/س.
صلينا في محطة الوقود ونسقنا أن ندخل الملاشية لنرى ما مدى خطورة السيول عليها وقد أقام أهلها سواتر محكمة وساعدهم أخوتهم من المدن الأخرى ليحموا المدينة من اجتياح السيول المفتعلة.
الیوم ظهر رجل دين معمم وقد تداولت مقطع فلمه مجموعات التواصل وهو يرمي تربة الحسين علیه السلام في مياه السيول معتقدا أن الخطر سيزول! ما جعل الناس يسخرون منه ويضحكون رغم مآسيهم.
بعد ثلاثة أيام نسقنا لنذهب إلى قرى الحميدية، هذه المرة اشترينا حاجات للنساء والأطفال وكمية كبيرة من الخبز، واتجهنا من الطريق الوحيد الذي يربط المحمرة بالأهواز بعد أن غمرت السيول باقي الطرق وأدت إلى إغلاقها.
كان بعض الشباب يداومون صباحا، ولهذا انطلقنا بأربع سيارات عصرا وتحديدا في الرابعة والنصف؛ هذه المرة كانت نساؤنا ترافقنا أيضا. فما كنا نحمله من ملابس للنساء يستوجب حضورهن ليقدمنه لنساء المنكوبين إثر السيول، وغايتنا الأخرى هي أن تتضامن نساؤنا مع النساء المنكوبات،وليخففن من معاناتهن.
ولابد أن أشير هنا إلى أهمية حضور المرأة بجانب الرجل في مثل هكذا أزمات، وكم نحن نفتقر إلى مؤسسات نسائية تقوم بواجبها إذا ما تطلب الأمر وحيث يتعذر حضور الرجال لأسباب كثيرة منها ما أشرت إليه أعلاه.
كان قسم من جادة المحمرة - الأهواز تغمره المياه، وهناك خسف عميق في الجادة أحدثته السيول، وقد أصلحته البلدية أمس.
شركات قصب السكر على يميننا وقد أحاطوها بسواتر محكمة، والهور العظيم وآبار النفط على يسارنا ولم تصلها المياه! فالغبار الذي انتشر في جميع مدن الأهواز أمس دليل على أن الهور العظيم لا يزال جافا.
تبعد الحميدية 25 كيلو مترا عن الأهواز، وصلناها خلال ربع ساعة، اتجهنا بعدها إلى قرية من قرى خسرج والتي تبعد عن الحميدية 15 كيلو مترا، كان الوقت أصيلا، لكننا استطعنا أن نرى مدى حرمان ساكني هذه القرى أثناء الطريق، أناس يستحقون حياة أفضل وهم محاطون بآبار النفط.
مررنا على قناة بني صدر، هذه القناة العريضة والعميقة والتي تشبه النهر، حُفرت في زمن الحرب الإيرانية العراقية بأمر من بني صدر رئيسالجمهورية، والذي انشق بعدها عن النظام وهرب إلى فرانسة؛ وكانت الغاية من حفر هذه القناة هي قطع الطريق أمام الجيش العراقي آنذاك لكي لا يتوغل في الأراضي الأهوازية أكثر؛ وقد أغرقت هذه القناة الآن بعض القرى بعد أن فاضت من شدة السيول وحاصرت حي العين وحي الملاشية.
كانت عوائل خسرج تسكن خياما في غابة رملية بعد أن اجتاحت منازلهم السيول، وحياتهم بائسة.
رحبوا بنا أفضل ترحيب وحيّونا كثيرا...
اتجهت نساؤنا السبعة نحو خيامهم وقدمن تبرعاتهن، وقام بعض الأصدقاء بتوزيع الحلويات والألعاب على الأطفال، ورجعنا بعد أن استمعنا لمآسیهم، واستمعوا لمواساتنا وتضامننا معهم.
وسوم: العدد 823