ألا يفسد الإقبال على اقتناء الأطعمة والأشربة بنهم أو وحم عبادة الصيام؟
لو سئل أي مغربي عن تعريف الصوم لأجاب للتو بما تعلمه في المرحلة الابتدائية إن كان ممن مر بالمدرسة : " هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج" وإن كان غير متعلم أجاب بما يدل على هذه التعريف الشرعي على طريقته الخاصة، لكن واقع الحال يشهد بأن هذا التعريف لا ينسجم مع ظاهرة إقبال المغاربة بنهم أو وحم على اقتناء الأطعمة والأشربة وهم صائمون ،حيث يقضون سحابة يومهم في التجوال في أماكن بيع الطعام والشراب لاقتناء كل ما يشتهون وهم تحت تأثير الجوع والعطش . ولا ندري كيف يكون الإمساك في هذه الحالة ؟ وكيف يكون ممسكا من يجعل همه طيلة أيام رمضان التفكير في وحمه ، وهو الكلمة المناسبة للتعبير عن حال من لا يغادره التفكير في الأكل والشرب وهو ممسك .
وإذا كان الوحم هو ما تشتهيه المرأة الحبلى من طعام أو شراب في مرحلة من مراحل الحمل ، فإنه في رمضان تصير كل النساء حبالى بلا حمل بل يصير الوحم شأن الرجال أيضا . ويحضرني دائما حين أعاين المبالغة في إقبال الرجال على اقتناء الأطعمة والأشربة في رمضان قول أحد الفضلاء الظرفاء من معارفي متندرا : " إنما ينتقل الوحم من الأزواج إلى الزيجات ، والدليل على ذلك ما يحدث في رمضان " . ويكاد قوله هذا يكون صوابا حين نعاين إسراف الأزواج في اقتناء ما يشتهون مما يؤكل أو يشرب ، ويطالبون الزيجات بإعداد مختلف الأطباق مع مختلف المشروبات ، فتبدو على موائد الإفطار في رمضان بعض أنواع الأطعمة والأشربة الغريبة التي لا يمكن أن يفسر وجودها إلا بوجود وحم حقيقي لدى الأزواج أو لدى الزيجات أو لديهم جميعا .
وإن الأزواج ليشاهدون وهم يخرجون من المخابز وقد اقتنوا أنواعا وأشكالا من الخبر الطويل منه والمستدير والمفتول ، والمنفوخ ... فضلا عن مختلف أنواع الفطائر والحلوى ،علما بأن الزيجات في البيوت لا يدخرن جهدا في خبز أنواع أخرى مما يخبز ولا يوجد في المخابز .
وإن الأزواج ليشاهدون وهم يقفون في طوابير أمام المجازر لاقتناء أنواع مختلفة من اللحوم الحمراء والبيضاء المكفوت منها ،والمقدد، والمحشو، والمعد للشي والخاص بالطهي ،والخاص بالفوران، فضلا عن الأكباد والطحل ـ بضم الطاء والحاءـ والأمخاخ ، فيقتني الواحد منهم من كل هذه الأنواع ،علما بأن الاقتناء في رمضان يصير عدوى، وليس مجرد تقليد حيث تنتقل عدوى الوحم من شخص إلى آخر ، وقد لا يتردد الواحد في أن يقول لمن تقدمه في الاقتناء : لقد شهيتني في هذا الذي اقتنيت . وغالبا ما يصير الذكور كالإناث في التباهي باقتناء ما يعرضه الجزارون خصوصا إذا كان يجمعهم جوار أو علاقة ، فلا يرضى الواحد منهم أن يراه جاره أو من يعرفه دون مستوى الاقتناء الموجب للمباهاة ، وقد يتألم لخسارة تصيب جيبه أو حافظته ، ولكنه يتحمل ذلك من أجل نشوة المباهاة العابرة التي تنغصها الخسارة المالية الموجعة .
ولا يختلف الحال عند السمّاكين عن الحال عند الجزارين حيث يعرض كل نادر من طعام البحر المثير لوحم الصائمين والصائمات ، وهو طعام جد مكلف بالرغم من توفر المغرب على أطول ساحلين فيهما أكبر ثروة سمكية أغلبها يصطاده غيرنا أو يصدر إليه ، ولا حظ لفقرائنا فيه فهو محرم عليهم كحرمة طعام البر على المحرمين .
ويقبل الأزواج وهم تحت تأثير وحم الصيام على الفاكهيين ، فيرنون بأبصارهم إلى الفواكه النادرة والباهظة الثمن ويتنافسون في اقتنائها والحسرة تأكل قلوبهم على ما أنفقوا عليها . ويحرص الفاكهيون على جلب تلك الأنواع النادرة من الفواكه والتي لا يمكن أن تسوق إلا ومن يقتنيها تحت تأثير وحم الصيام .
وتتوقف طوابير السيارات على مختلف الطرق خارج المدن لاقتناء ما يعرضه الباعة مما يؤكل أو له علاقة بالأكل والشرب من حشائش وأنواع نادرة من النباتات التي تحرك مكامن الوحم ، وأنواع نادرة من الدواجن وبيضها ومن الثدييات والرخويات ذات الصدف من الحلّز ما كانت لتقتنى لولا الوحم المسلط على الصائمين والصائمات .
ولا يبقى والحالة هذه أو أكثر مما ذكرنا معنى للإمساك لأن قضاء اليوم في اقتناء الطعام والشراب ينقضه نقضا نظرا لحضور شهوة البطن ، وكان من المفروض أن يغيب الطعام والشراب عن الأذهان لتنصرف إلى ما هو أهم مما تغيب فيه تلك الشهوة .
هذا عن شهوة البطن أما شهوة الفرج في رمضان فعلمها عند من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
اللهم تداركنا بألطافك الخفية يا لطيف.
وسوم: العدد 824