يجدر بوزيري التربية والصحة أن يستقيلا أو يقالا وقد فشلا
يجدر بوزيري التربية والصحة أن يستقيلا أو يقالا وقد فشلا معا في إقناع طلبة الطب بالعودة إلى الدراسة أولا وباجتياز الامتحانات ثانيا
لقد طال عمر الخلاف بين طلبة الطب وبين وزيري التربية والطب بخصوص ما أرادا تمريره من قرارات و هو ما رفضه الطلبة باستماتة ، وانتهى شد الحبل بين الطرفين بمواجهة أو نزال يوم الاثنين حيث أراد الوزيران إرجاع الطلبة إلى بيت الطاعة لاجتياز امتحانات لمّا تنجز دروسها وتداريبها منذ شهر مارس المنصرم ، وامتنع الطلبة عن ذلك بإجماع لم يخرج عنه إلا الطلبة العسكر أو الطلبة الأجانب، وهؤلاء هم الحلقة الأضعف أو أقصر جدار أمكن للوزيرين القفز فوقه .
ولقد جرت العادة أن كل وزير يفشل في مهامه يغادر مقالا لا مستقيلا على عادة ما يحصل في بلادنا خلاف ما يحصل في البلدان التي يعرف فيها المسؤولون أقدارهم ويجلسون دونها فيستقيلون قبل أن يقالوا. ولقد عرف بلدنا إقالة مسؤولين بسبب فشلهم كما حصل مع رئيس الحكومة السابق لما فشل أو أفشل في تشكيل حكومة ، ومع وزير للشبيبة والرياضة بسبب ملعب كرة قدم غمرته مياه المطر ، ومع وزير التربية بسبب جعجعته بلا طحن ،والذي لم يتجاوز أداؤه طلاء جدران المؤسسات بالصباغة ...
ومن المنتظر أن يقال وزيرا التربية والصحة إذا ما سارت الأمور كالمألوف عندنا ، وقد فشلا في معالجة خلافهما مع الطلبة ، وطالت مدة المعالجة وتجاوزت موعدها بزمن معتبر حتى أوشك الموسم الدراسي على الانتهاء ، فالتمسا مخرجا من ورطتهما في إعلان مواعيد إجراء الامتحانات دون تحصيل ما يبرر إجراءها من الدروس والتداريب .
ومعلوم أنه من خصائص المسؤول الذي يجيد الحوار أن يحافظ على ما يسمى شعرة معاوية مع من يحاور . وفي هذا الزمان لم يعد أسلوب التلويح بعصا غليظة في يد وبجزرة صغيرة في أخرى يجدي نفعا بل لا بد من قطيعة مع العصا سواء كانت حقيقية أم معنوية، لأنه ما كان اللين في شيء إلا زانه ، وما منع من شيء إلا شانه . وما شان أسلوب وزيري التربية والطب هو الرهان على حل مشكلة مقاطعة الطلبة للدراسة والتداريب على أسلوب التهديد والوعيد بالويل والثبور وعواقب الأمور .
ومربط الفرس في الخلاف الدائر بين الطلبة والوزيرين هو قضية طلبة الكليات الطب الخصوصية الذين يرغبون في حقوق يرى طلبة الكليات العمومية أنها خاصة بهم لأن مسارهم الدراسي ليس هو مسار زملائهم في الكليات الخصوصية وقد حصلوا على معدلات عليا واجتازوا مباريات ولوج لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم بينما ولج زملاؤهم كليات الطب الخصوصية بمعدلات متواضعة أجزت عنها أموال أولياء أمورهم .
ولقد كان من المفروض حين تقرر خلق كليات طب خصوصية أن يحسم في أمرها بفرض اجتياز الراغبين في الالتحاق بها نفس مباراة الدخول المفروضة على طلبة كليات الطب العمومي ، وبنفس المعدلات وبنفس المعايير ، وأن يخضع الجميع لنفس المقررات والبرامج ونفس الامتحانات والتداريب .
ومعلوم أن طلبة مؤسسات التعليم الخصوصي في سلكي التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي يخوضون الامتحانات الإشهادية مع زملائهم في مؤسسات التعليم العمومي لإثبات أهليتهم ، فلماذا يستثنى طلبة كليات الطب الخصوصي من هذا الإجراء أو هذه المسطرة ؟
ومعلوم أن ولوج كليات الطب الخصوصية لا يلجها في الغالب إلا أبناء الموسرين كما هو شأن بعض الجامعات كجامعة الأخوية وشأن معاهد أخرى التي يتمتع الملتحقون بها بما لا يتيسر للذين لا بديل لهم عن الجامعات والمعاهد العمومية . وإذا كانت لطلبة المؤسسات الخاصة امتيازاتهم ، فلا بد من الحفاظ على امتيازات طلبة المؤسسات العمومية والتي لا تقارن بما لدى زملائهم في الخصوصي ، وليس من العدل أن يكون لفئة امتيازات لا تكون لفئة أخرى والجميع مغاربة .
ومعلوم أن عموم الشعب المغربي وسواده دون مستوى ارتياد أبنائه مؤسسات التعليم الخصوصي العليا بسبب ثقل تكاليفها لهذا يتوجس من زحف هذه المؤسسات الخصوصية على مؤسسات التعليم العمومي العليا ، والجميع يتحدث عن توجه الدولة نحو خوصصة أو خصخصة مؤسسات التعليم للتخلص مما تكلفها المؤسسات العمومية، وهو ما يعتبر إجهازا على هذه الأخيرة وهي الملاذ الوحيد بالنسبة لسواد لا قدر له على ولوج مؤسسات التعليم الخصوصي المكلفة ماديا ، كما أنه إجهاز على مجانية التعليم .
أليس من العبث أن يجتاز طلبة الطب امتحانات بوفاض خالية ؟ فإذا اقتصر امتحانهم على ما درسوه كان ذلك مساسا بمصداقية الدراسة لأنهم إن نجحوا وانتقلوا إلى مستويات أعلى كان ذلك غير مستحق ولا يعكس مستوياتهم الحقيقية ، وإذا امتحنوا في ما لم يدرسوه كان ذلك انتحارا بالنسبة إليهم بل سخرية منهم أو لنقل انتقاما من إضرابهم .
ونقول في الأخير لا بد مستقبلا من معايير دقيقة في اختيار من يتولى وزارة التربية ، وألا تظل في حكم السائبة يتولاها كل من هب ودب ، ولا يجيد سوى التهديد والوعيد والتعويل على الحل الأمني للتغطية على عجزه وفشله .
وإن سنة بيضاء بالنسبة لطلبة الطب هي سنة شؤم بالنسبة لشعب يعاني من الأمراض ، وكل تأخير في تخريج أفواج من الأطباء هو تمديد لفترات الأمراض وتمديد لاستفحالها ، وهو تخريب للمستشفيات العمومية ليخلو الجو للمصحات الخصوصيات التي تمتص دماء شعب فقير يعيش بين مطرقتها وسندان الأمراض الفتاكة .
وسوم: العدد 828