قانون تحصين الثورة مكرر

أثار قانون منع الناشطين في إطار الجمعيات والممجدين للنظام الاستبدادي من الترشّح للانتخابات الرئاسية والتشريعية جدلا واسعا في الساحات السياسية والتشريعية والإعلامية والقانونية، ترتّب عنه انقسام الفاعلين في هذه المجالات وحتّى المواطنين إلى قسمين أو فريقين. قسم مؤيّد للقانون ومدافع عنه لوجاهة مشروعيته. التي تتمثّل أساسا في حماية المسار الديمقراطي من الانتهازيين و الانقلابيين والمتنكّرين المتدثّرين تحت عباءة العمل الإنساني الخيري أو الجمعياتي. وقسم معارض للقانون ومشهّر بعدم أخلاقيته بحجّة أنّه جاء لتصفية حسابات حيث أنّه اقترح في هذا الوقت بالذّات لأجل إقصاء طرف سياسي طارىء على الساحة إلّا أنّه بات يحتلّ المرتبة الأولى في نتائج سبر الآراء، متقدّما أشواطا كبيرة على كلّ الأحزاب التقليدية العريقة سواء المشاركة في الحكم أو في المعارضة. بما جعل لفيفا من المحلّلين يصبّون جام غضبهم على الجميع ويوجّهون لعناتهم إلى الفريقين بحجّة أنّهما فاسدان ويسلكان طرقا ملتوية لإقصاء بعضهما البعض. ولكن لنقف على مدى معقولية وموضوعية مختلف الآراء ؟ ونحاول إنارة الرأي العام بما يمكّن المواطن من الوصول إلى تفكيك هذه الآراء والاقتداء برأي أقرب إلى السداد ؟

ما يثير الانتباه، أنّ كلّ الذين عارضوا هذا القانون من سياسيين وإعلاميين ومحلّلين استندوا إلى حجة أنّ هذا القانون طرح بنيّة مبيّتة من  قبل الائتلاف الحاكم لإقصاء خصم سياسي متقدّم عليه بهامش عريض في عملية سبر الآراء الأخيرة. ونحن نسأل بدورنا : متى كانت السياسة تقوم على حسن النوايا؟ فتلك هي السياسة بسلبياتها وإيجابياتها. ولا يمكن بأي حال من الأحوال ممارسة السياسة بحسن النوايا و بمنطق  "التمس لأخيك عذرا"  و "حسن ظنّك بأخيك صدقة". وما جعلت الحملات الانتخابية إلاّ لإقصاء الآخرين بشيطنتهم بكل الطرق المشروعة في معجم الحملات الانتخابية. وهنا لسائل أن يسأل فيما هل أنّه من السياسة والكياسة ؟ و فيما هل أنّه من المعقول ومن رجاحة العقل وبحجّة غير معقول وغير مقبول إقصاء خصم سياسي فتح الطريق لهذا الخصم السياسي للدخول لعالم السياسة بطرق ملتوية واستغلال عذابات ومآسي وفقر النّاس واستغلال تبرّعات المواطنين من أجل تحقيق غايات نفعية ومآرب شخصية والوصول لسدّة الحكم ؟

و قد لفت انتباهي مّا قاله في هذا الصدد الإعلامي لطفي العماري (ومن لفّ لفّه) : لم يسع أصحاب القرار الفرنسي لاستصدار قرار يقصي جون ماري لوبان من الحياة السياسية عند بلوغه نهائيات الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بل حاصروه بشنّ حملة كبيرة عليه أقنعت المواطن الفرنسي بالتصويت ضدّه في الانتخابات الفرنسية. وهذا النوع من التحليل مرفوض سياسيا لأنّ المرحلة الانتقالية لها قانونها الخاص. فلو كان ذلك كذلك فلماذا إذن لم تراهن عديد الدول الأوروبية على وعي المواطن واستصدرت قوانين تجرّم إنكار الهولوكست ؟

فتوجّه الائتلاف الحاكم لاستصدار قانون يقصي أصحاب الجمعيات الخيرية من الترشّح للانتخابات القادمة هو عين العقل. لأنّ الشعب أدرك بعد السنوات التسع التي خلت و تأكّد بعد جهد جهيد بأن بعض الأحزاب الحاكمة قد خانته وفشلت في تحقيق الوعود والعهود التي قطعتها على نفسها كما فشلت في التصدّي للفساد المستشري في كل المجالات والقطاعات. ولذلك سوف لن يدخر جهدا في محاسبتها ومعاقبتها. أمّا أصحاب الجمعيات الخيرية الطارئين على الحياة السياسية فمازالوا إلى حد هذه الساعة مجهولين لدى هذا الشعب. لذلك فإنّ إقصاءهم بقانون خير من تركهم يلوثون الحياة السياسية إلى حين اكتشاف أمرهم من قبل الشعب بعد سنوات طويلة مثلما كان الشأن مع سابقيهم.

والمؤكّد أنّ هذا القانون، في حقيقة الأمر، إنّما يتنزّل في إطار الصراع الحامي ما بين الثورة والثورة المضادّة. وكلّنا يعلم أنّ قانون تحصين الثورة الأول لم يمرّ وتعطّل بفعل العمليات الإرهابية. ولكنّه يمرّ اليوم في نسخته الجديدة بفعل تآكل الدولة العميقة وانقسامها على نفسها. وهو مؤشر قوي على أنّ الثورة في طريق مفتوح للانتصار في نهاية المطاف.

وسوم: العدد 830