حكومتنا الجديدة "الرشيدة"
نشرت الصحفية راشيل نوير مقالا بعنوان لماذا توجد حكومات فاشلة في عالمنا اليوم ؟ ، وذكرت في مقدمة مقالها ان المجتمعات الكبرى لاتنهض ولاتستقر من دون حكومة، حتى لو كانت هذه الحكومة عاجزة عن تحقيق تطلعات الشعب، وربما يرجع اصل المشكلة الى ان الكثير من هذه الحكومات لاتزال تتناول هموما كانت تؤرق المجتمع في القرن التاسع عشر، ولهذا فان اصلاح هذه الحكومات بات امراً حتمياً قد طال انتظاره، كما اضافت ان اغلب الحكومات في العالم رجعية، لاتواكب العصر الحالي، لكونها لم تزل تعكس هموم المجتمع في ذلك القرن المذكور مثل غلاء الاتصالات وصعوبة انتقال البيانات وصعوبات المعيشة، لذلك نجدها تتالف من وزارات واجهزة ذات هياكل تنظيمية هرمية التسلسل منغلقة على نفسها، تختص كل منها بوظائف محددة، وعلى الرغم من العالم اليوم اصبح اكثر ترابطا، وتسارعت وتيرة التطور، وزاد حجم البيانات بمعدلات غير مسبوقة، لكن حكوماتنا لاتزال تراوح مكانها، وهذا بالضبط ما دفع البعض الى القول بانه من سوء حظنا ان الحكومات الحديثة تشكلت منذ زمن بعيد ولم تعد تصلح للعصر الحديث من عدة نواحي، وبلاشك هذا لم يأتي من الفراغ او الوهم السياسي او حتى منطق الغباء السياسي المعارض دائما لكل الحكومات، انما اتت تلك الاقوال من منطق اخر صميمي متعلق بحركية الواقع الانساني داخل المجتمعات الحديثة والمعاصرة التي لم تعد تهاب من اسم الحكومات على اختلاف نوعياتها واختلاف سياساتها واختلاف الوسائل والاساليب التي تتبعها تجاه شعوبها، وبذلك فان المنطق السائد حول كون الحكومة يمكنها ان تفعل ما تشاء اصبح من الماضي البليد او لنقل اصبح من مخلفات القرن التاسع عشر، وحتى ان كانت قد نضجت في القرن العشرين، الا انها وصلت مرحلة الذبول الذهني والفكري والواقعي في وقتنا الحالي، لكونها لم تعد تمثل تطلعات الشعوب السائرة نحو تعاطي جرعات الوعي، وبما في ذلك محاولات تعاطي الوعي السياسي وان كان الامر مازال مقتصراً على النخبة دون العامة في الكثير من المسائل المتعلقة بالوعي السياسي.
وعلى هذا الاساس تتمخض عن ولادة الحكومات الجديدة عدة تساؤلات تتحكم بمصيرها من حيث تقبل الشعب لهاـ او اضافتها الى قائمة الحكومات اللاموجودة حتى وان كانت موجودة، وحين نقول لاموجودة، نقصد بذلك عدم ثقة الشعب بها، وعدم ايمان الشعب بها كحكومة تمثل تطلعاته،وبذلك يبقى فوبيا عدم الثقة بالحكومة امراً وارداً وسلاحاً ذو حدين، الاول انه يثير في عقل الحكومة الوعي بالمترتبات التي تقتضي وجودها كحكومة تمثل الشعب وتطلعاته، والثاني ان تتجاهل ذلك وتصبح مصدر سخرية وسخط الجماهير وتخلق عصراً جديداً من الفوضى التي وان كانت خلاقة تجاه الحكومات السابقة الا انها قد تتحول الى فوضوية تعبث بالقضية كلها وليس بمصالح وتسلط وجبروت الحكومة فحسب، وهذا بلاشك ما لاتريده الحكومة ولايحتاج اليه الشعب في ظل المتغيرات والتحولات المحلية والاقليمية والدولية.
ولاننا بصدد الحديث عن الحكومات الحديثة والمعاصرة فاننا نجدنا امام واقع ملموس ضمن السياقات السبقية التي تتبناها هذه الحكومات دون النظر الى الواقع بجدية وحكمة، ولعل النظر الى مقررات الجلسة الاولى لاحدى الحكومات المتشكلة حديثا يستوجب منا كواعين للعملية السياسية المحلية والعملية السياسية الاقليمية والدولية معا ان نسلط الضوء على اسباب فشل الحكومات السابقة في تحقيق الحلم المحلي، والحلم المستقبلي ، وحتى الحفاظ على المكتسبات، والتي اصبحت مهددة بالضياع التام، لاسيما مكتسبات الاستفتاء على استقلال كوردستان التاريخي، واعتقد بان امر الحكومة التي اتحدث عنها بات مكشوفاً، لكوني بصدد تسليط الضوء على مقررات حكومة اقليم كوردستان الجديدة، التي خرجت بعد مخاض عسير من صراعات داخلية وخارجية، ناهيك عن صراع استنزف الكثير من قوت الشعب الكوردي، واستنزف الكثير من حياته على المستويات المختلفة الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وغيرها، هذه الحكومة الرشيدة التي تشكلت قبل ايام من المفترض انها ولدت من رحم الالم، لتكون نصيرة آلام الشعب، ولكنها للاسف خيبت في اولى جلساتها امال الشعب، بقراراتها التي لم تاتي ابدا لتدعم حقوق الشعب، ولتعيد للشعب ما تم اخذه منه طوال السنوات الماضية من الرواتب التي لااحد يعلم مصيرها، ولا الضرائب التي تراكمت بسبب نظام الادخار الذي اتبعته الحكومة السابقة اكيد في ظل ظروف سياسية اقتصادية صعبة، ولكن هذا لايمنع ابداً ان تتوضح الصورة للشعب عن مصير تلك الاموال التي ادخرتها الحكومة من رواتبهم واستحقاقاتهم الوظيفية، وبدل من ان تبدأ الحكومة الجديدة بمقولة ما ضاع سنعيده اليكم، بدأت باقرار ما يتوجب على الموظف وعلى الشعب فعله لاجلها، وليس ما يتوجب عليها كحكومة ان تفعله من اجل الموظف والشعب، فكانت قراراتها كلها في مصلحة الحكومة في اولى جلساتها، ولم نجد هناك ما يبشر بالخير للمواطن غير ما اقرته باهمية القضاء على الرشوة داخل المؤسسات وعدم الاهمال في سير معاملات المواطنين، وغير ذلك اتى بشكل متهكم لمشاعر الموظفين وعامة الشعب، فالحكومة لم تستطع الا ان تظهر المواطن على انه متسيب لايلتزم بالدوام الرسمي، وان عليه الالتزام بالدوام الرسمي وعدم الخروج من مؤسسته للقيام باية اعمال اخرى اثناء الدوام وغير ذلك من القرارات التي اراها كوجهة نظر شخصية سابقة لاوانها، لكون الحكومة لم تزل تدين للشعب والموظف " كل موظف " بالملايين التي لااحد يعرف مصيرها كما سبق وان نوهت لذلك ناهيك ان الشعب مازال يعيش فوبيا عدم دفع الرواتب، فوبيا الصراعات الداخلية الحزبية، فوبيا عدم الثقة بالحكومة التي تقر واجباتها وتنسى حقوق مواطنيها في اولى جلساتها، ومترتبات نظام الادخار في الاعوام السابقة التي القت بظلالها على حياة الشعب باكلمه، فغالبية الموظفين تراكمت عليهم الديوان، واصبحوا يحتاجون على الاقل لثلاث سنوات اخرى حتى يمكنهم استعادة بعض التوازن لحياتهم المادية والمعنوية .
لم يعد مخفياً على احد ان اسباب فشل الحكومات لم يعد فقط انها لم تزل تعيش على ما بنيت عليها في القرن التاسع عشر فحسب، انما لانها لاتريد ان تتجاوز تلك المرحلة لكون تلك المرحلة تحقق مقاصدها في الحفاظ على الكراسي من جهة، وزيادة ارصدت اموالها في البنوك من جهة اخرى، والشعوب تاتي كامور ثانوية لاقيمة لها امام القيم الاساسية السابقة، وهذا بلاشك ما يخلق اللاثقة، ويخلق عدم التوازن في فرض الواجبات واعطاء الحقوق لاسيما في حالتنا نحن في كوردستان حيث عانينا من تقاعس الحكومتين المركزية في بغداد والمحلية في الاقليم عن دفع مستحقات الموظفين والمواطنين، مع عدم نسيان الانشطة الاستفزازية التي تمارسها الحكومة نفسها محلياً تجاه المواطنين لاسيما فيما يتعلق بالضرائب الخدمية كاجور الكهرباء والماء وغيرها من الضرائب التي تأخذها قسراً من الشعب ولا تعطي املاً بتحسين معيشة الموطن، فحتى الفلاح لم يعد يؤمن بمقدرة الحكومة على احتواء محاصيله التي تذهب نصفها بدون ان يحصل ثمنها، لكون الحكومة الرشيدة وبسبب علاقاتها الخارجية والداخلية مع التجار الذين هم انفسهم جزء من تلك المنظومة لاتستطيع ان تقر مشروع قانون يعطي للبضاعة المحلية الاولوية، فضلاً عن الانتكاسات الاخرى التي كلها تخدم فقط السلطوية وتذبح الشعب بسكين القضية الكوردية وكوردستان اقوى، وهذا كله يدفعنا الى القول مناصرة للشعب مع عدم فقدان الامل بالحكومة بان تعيد ترتيب اوراقها من جديد وتقوم بتقييم مقرراتها قبل اطلاقها اعلامياً، فالشعب ينتظر ان يجد لمعضلته حلاً ولايحتاج الى تمارس الحكومة معها ممارسات تنم عن تسلط ودكتاتورية، فعصر التسلط والدكتاتورية دفن مع الطغاة الذين هم انفسهم كانوا يناضلون ضدهم.
وسوم: العدد 834