ما السر وراء ظاهرة تمرد الشبيبات الحزبية على قياداتها؟
من المعلوم أن القيادات الحزبية في بلادنا تعتمد على شبيباتها كقواعد لضمان بقاء أحزابها واستمرارها وفوزها في المنافسات أو في النزال الانتخابي . وتنهج تلك القيادات أساليب إلهاب المشاعر العاطفية لتلك الشبيبات ، والعزف على أوتارها للتحكم فيها ، ولتوظيفها واستغلالها على أكمل وجه خصوصا في فترات الاستحقاقات الانتخابية وأثناء التجمعات أو المؤتمرات الحزبية التي تحرص فيها على الظهور بأن أحزابها ذات قواعد عريضة نواتها الصلبة تتكون من الفئات الشابة ، الشيء الذي تروم من ورائه ضمان بقائها واستمرارها وفوزها متى حان أوان الانتخابات .
ولا يوجد ما يثبت أن القيادات الحزبية عندنا تشرك شبيباتها في اتخاذ القرارات أو أنها تتقاسم معها المناصب والحقائب الوزارية والامتيازات حين تفوز في الانتخابات، الشيء الذي يعني أنها مجرد جسور تعبر عليها تلك القيادات .
ولا شك أن التعامل مع الشبيبات الحزبية بهذه الطريقة لم يعد يجدي نفعا في الفترة الأخيرة ، وهو السر وراء ظاهرة تمردها . ولا يوجد حزب لا يواجه مثل هذه الظاهرة . وتلجأ القيادات الحزبية حين تطال أحزابها ظاهرة تمرد الشبيبات عليها إلى اعتماد ما يسمى بأسلوب " فرّق تسد " حيث تقسم الشبيبات إلى فئة المناصرين، وفئة المعارضين التي يكون مصيرها الطرد من الأجزاب أو التهديد به لتعود إلى بيت الطاعة .
ومعلوم أن الشبيبات الحزبية ليست كلها ذات ولاء صادق للأحزاب بل هناك منها من تنخرط فيها لحوائج في نفسها ، ويتوقف استمرار ولاءها على مدى تحقيق ما تصبو إليه خصوصا وأنها تقدم لها الوعود المغرية والمسيلة للعابها من طرف القيادات كالتوظيف... أو غير ذلك .
ومن القيادات الحزبية من تنهج أسلوب التوريث حيث يخلفها أبناؤها أو أقاربها في تسيير أحزابها وفي الاستفادة من الحقائب الوزارية أو من الكراسي البرلمانية، بينما تكون أدوار غيرهم كأدوار الشخوص العابرة في الأفلام السينمائية .
ولا شك أن ما وقع من صدام داخل معظم الأحزاب السياسية مؤخرا، وكان مرده الخلاف حول الحقائب الوزارية قد أماط اللثام عن طبيعة العلاقة الهشة التي تربط بين مناضلي تلك الأحزاب عموما من ذوي الطموحات سواء من القيادات أومن الشبيبات .
ومعلوم أن الشبيبات الحزبية يميزها الحماس والاندفاع العاطفي بسبب مراهقتها ، لهذا قد تسلس قيادها لكل من يقدح فيها زناد الاندفاع والحماس ، وتقف مؤيدة ومساندة له ، الشيء الذي يعني أن القيادات الحزبية حين تنشب بينها خلافات حول الحقائب أو المناصب أو الامتيازات تستعمل تلك الشبيبات كأوراق ضغط أو كوقود صراع إذا اقتضى الأمر ذلك . وحين تنخرط الشبيبات في خلافات القيادات يصدق عليها المثل الشعبي القائل : " إذا آلت الأمور إلى الذراري لا تنفع مع ذلك إلا المذاري " .
و من أجل تلافي ظاهرة تمرد الشبيبات على القيادات الحزبية لابد من تغيير أسلوب تعامل هذه الأخيرة معها من خلال إشراكها الفعلي في اتخاذ القرارات ، وكذا في جني الثمرات أيضا إذا كانت تريد ضمان بقاء أحزابها واستمرارها .
وعلى القيادات الحزبية أن تعي بأن ظاهرة تمرد شبيباتها عليها لها تداعيات وعواقب وخيمة أهمها فقدان مصداقيتها لدى الرأي العام خصوصا وأن فقدان الثقة في الأحزاب السياسية في بلادنا يزداد بشكل كبير بعد أن جرّبت كلها ا من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها دون أن تأتي تجاربها بطائل في فترات اضطلاعها بتدبير شؤون البلاد، وكان لها نفس الأداء الفاشل حين آلت إليها الأمور.
ومن المنتظر أن تزداد نسبة المعرضين عن المشاركة في الانتخابات في بلادنا بسبب فقدان الثقة في الأحزاب السياسية ، وبسبب سلوكات قياداتها ، وبسبب صراعاتها الداخلية فيما بينها وما بين شبيباتها الغاضبة والمتمردة.
ومن الأخطاء التي تقع فيها الأحزاب السياسية هو تقديم الولاءات على الكفاءات إلى جانب تقديم الوعود الكاذبة ، فضلا عن الفضائح المسجلة على قياداتها ،الشيء الذي يعني إقدامها على الانتحار، ولهذا لا مناص لها من علاج قوامه التخليق الذي أصبح عملة صعبة المنال بسبب سيادة وطغيان سلوكات مؤسفة.
وإلى أن توجد عندنا أحزاب سياسية في المستوى سيكون لنا حديث آخر إن شاء الله تعالى.
وسوم: العدد 846