انظروا إلى أفعال نتنياهو
جميل السلحوت
مهما كانت تصريحات نتنياهو في محاولاته لتجميل وجه سياساته القبيحة، فإنّ تصريحاته عشيّة الانتخابات الاسرائيلية التي جرت في 17-3-2015 هي التّعبير الحقيقي عمّا يخططه ويمارسه على أرض الواقع، وهو صادق 100% عندما قال أنّه سيمنع إقامة دولة فلسطينيّة، ولن ينسحب من شبر واحد من الضّفة الغربيّة، وسيواصل الاستيطان في القدس وغيرها، ويضاف إلى ذلك تصريحاته العنصريّة ضدّ مواطني دولته الفلسطينيّين.
ونتنياهو الذي حاول بعد فوز حزبه غير المتوقع بأعلى نسبة في الانتخابات، سبق له وأن تحدّى أولياء نعمته في البيت الأبيض، بزيارته للكونغرس وخطابه فيه دون التنسيق مع الرئاسة الأمريكيّة، لم يكن ليجرؤ على ذلك لولا تراجع الرّئيس الأمريكي باراك أوباما أمام نتنياهو عن نظرته لتحقيق السّلام في الشرق الأوسط حسبما عبّر عنها في خطابه بجامعة القاهرة بعد انتخابه لفترة رئاسته الأولى، فلم يوقف نتنياهو الاستيطان، بل كان يعلن عن مشاريع استيطانيّة جديدة كلمّا زار مسؤول أمريكيّ رفيع المنطقة، ووقف ضد الرّئيس الأمريكي في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2012، ووصلت غطرسة الرّجل إلى أن يتصرف وكأنّه هو الحاكم الفعليّ لأمريكا...فرضوخ الرئيس الأمريكي أمامه، مصحوبا بتأييد أمريكا الأعمى لاسرائيل شجّع نتنياهو وغيره من القيادات الاسرائيلية ليروا مصالحهم فوق مصالح أمريكا ذاتها، فالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الدّولي كان جاهزا باستمرار لمنع أيّ إدانة لسياسات اسرائيل العدوانيّة، بل إنّ أمريكا وحلفاءها جعلوا اسرائيل دولة فوق القانون الدّولي، وفوق الأمم المتحدة ذاتها، حتى أنّ امتلاك اسرائيل لأسلحة الدّمار الشّامل وفي مقدّمتها الأسلحة النّوويّة باتت من الأمور المسلّم بها، وغير القابلة حتّى للنّقاش، مع ما تمثله من تهديد للمنطقة وللسّلم العالميّ.
وأمريكا التي ربّت اسرائيل على هذه الغطرسة، وتساعدها في استمرار احتلالها للأراضي العربيّة، لن تدرك إلّا متأخّرا أنّ هذه الغطرسة ستنقلب على أمريكا نفسها، وسيصعب على أمريكا التعامل معها لاحقا. ونتنياهو الذي يتسلّح بالدّعم الأمريكي اللامحدود، على مختلف الأصعدة لم يقرأ الرّسائل الأمريكيّة المتواضعة له جيّدا، من خلال التغيّر الطّفيف في سياسات دول الاتحاد الأوروبي تجاه اسرائيل، والذي تمثل بمقاطعة منتوجات المستوطنات، واعتراف بعض الدول الأوروبيّة بدولة فلسطين مثل السويد، وتصويت برلمانات بعض الدّول الأوروبية لصالح الاعتراف بهذه الدولة، وما تراجع نتنياهو عن تصريحاته الرّافضة لحلّ الدّولتين، والعنصرية ضد العرب، إلا من باب التمهيد لإدارة دفّة الصّراع من جديد، دون أن يقدّم أيّة تنازلات حقيقية، وما تصريحاته حول السّلام إلا من باب العلاقات العامّة، وهي تتناقض تماما مع أفعاله على أرض الواقع. فهل الغضب الأمريكيّ الخجول على سياسات نتنياهو يمثّل صحوة أمريكيّة، أم هو من باب استرضاء الأنظمة العربيّة التي تدفعها أمريكا لخوض حرب نيابة عنها ضدّ إيران والتي بدأت هذا اليوم ضدّ الحوثيّين في اليمن؟ تماما مثلما ما يجري في سوريا منذ أربع سنوات، وما يجري في ليبيا أيضا وفي غيرها. وخصوصا أنّ هذه الأنظمة لا تريد الخروج من تحت العباءة الأمريكيّة بعد أن أسقطت الصّراع مع اسرائيل من حساباتها. ولو كانت الصّحوة الأمريكيّة حقيقيّة لما تردّدت في الاعتراف بالدّولة الفلسطينيّة على حدود حزيران 1967، وهي قادرة على فرض حلّ عادل في المنطقة إن أرادت ذلك. ولا شكّ أنّ أمريكا تدرك جيّدا أنّ نتنياهو وحكومته هم من دمّروا عملية المفاوضات، وهم من واصلوا ويواصلون الاستيطان في الأراضي الفلسطينيّة لفرض سياسة الأمر الواقع التي ستمنع إقامة الدّولة الفلسطينيّة العتيدة.