وليد المعلم شخصيةً فكاهية
العربي الجديد
وزير الخارجية السوري الراحل أخيرا، وليد المعلم، شخص ظريف. هذا الوصف سيُغضب شريحة واسعة من معارضي النظام السوري، والثائرين عليه. سوف يستنكرون إطلاق صفة الفكاهة عليه، وهو الكاذب، المنافق، البوق، الذي أمضى عمره في تسويغ جرائم الأسد الأب ثم الابن. هذا صحيح. ولكن دعونا نشتغل على نهج القاعدة الحقوقية التي تقول إن البَيِّنة على من ادَّعى واليمين على من أنكر، فأنا، أخوكم، أدّعي أنه ظريف، وعليَّ تقديم البينات.
كان وليد المعلم يقوم، خلال مؤتمراته الصحافية، بتصرّفات مضحكة، تصدر عنه بشكل مقصود، أو كما يقول محامو الدفاع في المحاكم "عن سابق تصميم وإصرار"، مثل قوله، ذات مرة: مَن يحب أن يقصف في سورية يجب عليه أن ينسق معنا! فهذا يتضمن توكيداً على مفهومين وطنيين نبيلين، أولهما السيادة الوطنية التي لولاها لأصبحت سورية "مَقْصَفَة للي يسوى واللي ما يسواش"، وثانيهما التنظيم والجدوى، فبدون التنسيق مع القيادة السورية قد تُقصف منطقة واحدة بضع مرّات، وتبقى مناطق طويلة وعريضة من دون قصف!
كانت بعض التصريحات الغريبة تصدر عن وليد المعلم بقصد إضحاك جمهرة الصحافيين الذين يرافقونه في مؤتمراته الصحافية.. ففي أحد المؤتمرات التي أعقبت اغتيال جمال خاشقجي، تقصّد أن يتحدّث في كل شيء عدا عملية الاغتيال، وقبل انتهاء المؤتمر، قال لأحد الصحافيين: أنت لم تسألني عن اسم هذا الصحافي اللي اغتالوه. قال الصحافي: ما اسمه؟ فقال: لا أعرف، ولا يهمني أن أعرف اسمه! فضجّت القاعة بالضحك والتصفيق.
وكانت لوليد المعلم طبيعة شخصية فريدة، أنه لا يحب استلام الحقائب في المطارات بنفسه، فعنده من المرافقين والحرّاس ما يكفي لذلك، ولكن، حينما ذهب لحضور اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك خلال في 2019، اضطرته السلطات الأميركية لاستلام حقائبه بنفسه، بعدما أخذت بصماته في المطار، وجعلته يقف في الصف، ومرّرت حقائبه أمام الكلاب البوليسية، ثم شوهد وهو يجر "الهاندباك" وراءه في أحد شوارع نيويورك، فقرّر أن ينتقم من وزير خارجية أكبر دولة، وفي أول مؤتمر صحافي صنع نكتة قادرة على إضحاك الثكلى والفاقد، إذ انتظر حتى سأله أحدُ الصحافيين عن رأيه بتصريحات مايك بومبيو المتعلقة بسورية، فرد على الفور: مين هادا بومبيو؟
وعلى الرغم من الذكاء المفرط الذي يتمتع به هذا الكائن الكوميدي، إلا أنه كان يقع، أحياناً، في شرّ أعماله، فيبدو غريراً مغفلاً، وبالتالي مضحكاً، مثلما حصل في بداية الثورة السورية حينما عقد مؤتمراً صحافياً أراد أن يثبت فيه للقاصي والداني أن الثورة السورية ليست سلمية، وعلاقتها بالحرية والكرامة واهية، بدليل ما يحمله المتظاهرون من أسلحة. وبعد أن اكتملت المقدّمات، وبدأ التصعيد، رفع يده، مثل نجدت أنزور حينما يصور مشهداً تشبيحياً قوياً، وقال: شغلوا الشريط. وما حصل في اليوم الثاني أن الفيديوهات التي عُرضت في الشريط لم تكن في سورية، بل في لبنان، في أثناء صدامات مسلحة! ولعل أكثر قوم ضحكوا على وليد المعلم، وجعلوه يبدو مسخرةً بين الناس، هم أهل حلب، فبعد وعود الإصلاحات التي زعم النظام السوري (على لسان بثينة شعبان) إن بشار الأسد سيقوم بها قريباً، عقد المعلم مؤتمراً صحافياً قال فيه: سيكون لدينا نظام ديمقراطي غير مسبوق... فانفلت الحلبيون بالضحك، لأن كلمة "مسبوق" بلغتهم، تعني المزنوق الذي يركض إلى الحمام ركضاً، خشية أن يعملها في ثيابه!
يُقال، في سورية، عن الشخص الفكاهي إنه يُضحك الناس حياً ويضحكهم ميتاً، وهذا ما حصل عقب وفاة المعلم، يوم 16 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، فقد أضحكنا عبد الباري عطوان حينما ارتأى، بجدّية تامة، أن الذين حزنوا على وليد المعلم ليسوا مجرّد أشخاص، وإنما هما (الأمتان) العربية والإسلامية.
وسوم: العدد 904