على هامش مؤتمر المانحين 2
المطلوب: هيئة عربية إسلامية مركزية
لغوث السوريين
زهير سالم*
عام ثالث يمر . والكارثة السورية بأبعادها الإنسانية ( الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ) ما تزال تتصاعد . بل إن السوريين ومن حولهم الذين ما زالوا يعيشون الجرح ساخنا لم يتسنَّ لهم بعد أن يدركوا حجم الكارثة وأبعادها وتداعياتها . تداعياتها التي ستمتد في الزمن إلى حياة ثلاثة أجيال ربما . لن تلملم الكارثة أذيالها فيما يقدر العالمون بمجرد إعلان وقف إطلاق نار ، أو الوصول إلى حل وحتى لو كان هذا الحل كما ندعو الله قياما وقعودا هو انتصار الثورة وهزيمة القتلة والمجرمين ..
وبين أزمة ما تزال متصاعدة وبين أفق زمني مفتوح على عصر ما بعد الكارثة حيث يبدأ الناس بتلمس جراحهم وتفقد احتياجاتهم وإعادة بناء حياتهم سيدرك ، بطئيو الإدراك ، أي كارثة حقيقية تواجه المجتمع السوري ؟! كارثة ستكون لها أبعادها الإنسانية : الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية ..
وفي الغد عندما تبرد العواطف بتوقف شلال الدم سيجد المانحون والداعمون أنفسهم أمام نوع من البَرَم والملل وسيجدون في مخرجات المأساة السياسية والأخلاقية والاجتماعية مدعاة لإدارة الظهر للمشهد المأساة ..
وعلى مدى جيل كامل سيجد ملايين السوريين في الداخل والخارج أنفسهم بلا بيوت ولا مأوى ، ولا مصدر للرزق ، وستجد ملايين الأسر نفسها بلا معيل ولا قيّم يضبط ويرشد ، أطفال أيتام ، ونساء بلا معيل ، وطلاب بلا مدارس ، ومرضى بلا مستشفيات ..
إن الطفل الرضيع الذي يتّمه بشار الأسد بغطاء من المجتمع الدولي مهما تكن المعاذير يحتاج إلى نظام كفالة لمدة عشرين سنة على الأقل ، كفالة نفسية وتربوية وثقافية واقتصادية ..
لن نفيض أكثر في شرح مقتضيات أن يكون لقوى الثورة السورية والمعارضة السياسية منها بشكل خاص رؤية استشرافية يجعلها تندفع من قلب الحدث إلى المبادرة إلى التفكير الاستشرافي المستقبلي في التأسيس لهيئة إسلامية عربية تأخذ على عاتقها التخطيط الجاد لتحمل ما تقدر عليه من تداعيات الكارثة السورية ببعدها الإنساني ..
يتحدث المطلعون على سيرورة الأموال التي يدفعها المانحون العرب والمسلمون عن طريق المنظمات الدولية عن : هدر وبيروقراطية ورواتب واستحقاقات سفر وحضر تستهلك الكثير من هذه الأموال ، كما يتحدث هؤلاء المطلعون عن قوانين ومعايير للمساعدة ومد يد العون تجعل الكثير من هذه الأموال تذهب إلى غير مستحقيها ..
من جهة أخرى يشهد المتابعون للمشهد السوري حالة من الفوضى الضاربة في مبادرات الغوث في جمع المساعدات أو في توزيعها . حيث يبادر الكثير من أصحاب النوايا الطيبة ومن غيرهم إلى رفع لواء العمل على المساعدات الإنسانية فيحدث الهرج والمرج بحيث تكون الفوضى وانعدام التنسيق وغياب المعايير الموضوعية هو أقل ما يمكن أن نتحدث عنه .
أمام حجم الكارثة المتصاعدة وهولها وتداعياتها المستقبلية يبدو من الضروي أن تسبق قيادات المعارضة السورية إلى طرح مبادرة مركزية لتوحيد الجهد الإنساني الإغاثي بأبعاده ، من خلال التحرك إلى تأسيس لجنة مركزية عربية وإسلامية يتعاون فيها الرسمي والشعبي لغوث السوريين واحتواء تداعيات الكارثة التي حلت في ديارهم ..
توحيد الجهد سيعين على قطع الطريق على الكثير من المتكسبين على حساب هذا الجهد الإنساني الأخلاقي ، ولملمة الكثير من عوامل الهدر أو التكرار أو سلبيات سوء التوزيع أو التصرفات الشخصانية الفردية وفق منظومة محكمة من المعايير . وهو في الوقت نفسه سيعطي المانحين الذين يجب أن يكونوا شركاء في هذه المبادرة ثقة وطمأنينة أكبر ، وستمنح المشروع ديمومة أطول ..
إن توحيد البرامج الإحصائية في حصر المحتاجين وتحديد مصارف المساعدات حسب أرقى نظم الإدارة البرمجية أيضا سيكون له دوره في خفض الأصوات التي ترتقع في كثير من الأحيان على غير وجه حق ..
بعد ثلاث سنوات من الثورة ما زال المشهد السوري يفتقد المؤسسات الوطنية المركزية على أكثر من صعيد . إنه ليس من هدف هذه الدعوة غمط جهود الخيرين من الأفراد والمجموعات والمنظمات بل إن من متضمنات هذه الدعوة أن يبادر الناجحون في أطر هذه المنظمات والهيئات إلى التفكير الاستشرافي المستقبلي لتوحيد الجهد ومأسسته بطريقة مركزية ولعل القائمين على هذه المنظومات هم الأدرى بالحاجة إلى هذه الوحدة المركزية ..
ومع أن معايير عمل هذه الهيئة المقترحة يجب أن تكون إنسانية بحتة تسعى إلى مساعدة حطام الكارثة السورية فإن القوى الإسلامية السورية على خلفيتها الأخلاقية هي المرشح الأول من جملة القوى الوطنية السورية للتحرك على هذه المبادرة ..
القوى الإسلامية المنظمة والمشيخة العلمية من أهل الشام الكبير مستفيدين من خبرات وتجارب من سبق على الطريق هي المؤهلة وهي التي تنتظر الأرامل وينتظر الأيتام وينتظر الهلكى المضيّعون ..
اللهم فاشهد ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية