على هامش مؤتمر المانحين ..( 1 )
إشارات لا بد منها
زهير سالم*
يجتمع اليوم في الكويت مؤتمر المانحين لمساندة المنكوبين والمشردين من أبناء الشعب السوري . تسعة وستون دولة وأربعة وعشرون منظمة تلتقي في الكويت لتتدبر الميزانية المقدرة من قبل الأمم المتحدة لتأمين الاحتياجات الضرورية لشعب عزيز كريم أخرجه القتل والعنف من وطنه ..
ولا بد في البداية أن نتقدم باسم الشعب السوري وقواه الحية بالشكر والعرفان لكل دولة أو منظمة أو هيئة أو فرد يمد يده بالعون والمساعدة لمساندة الشعب السوري في محنته التاريخية التي ربما لم يسبق ان وقع في مثلها لا في أيام غزو التتار ولا في أيام غزو الصليبيين ..
إن الملاحظ أنه خلال عام واحد بين مؤتمر المانحين الأول وبين مؤتمرهم الثاني في الكويت قد ارتفعت قيمة الميزانية الأممية المطلوبة والمقدرة : بأكثر من أربعة أضعاف . إن الدلالة المباشرة لهذا الارتفاع الرقمي الناطق يؤكد على إخفاق كل السياسات الدولية في احتواء الأزمة السورية . أو في حماية المدنيين السوريين من تكنولوجيا القتل الروسية والإيرانية والأسدية .
إن إصرار المجتمع الدولي على إعطاء المزيد من الوقت لبشار الأسد ولداعميه الروس والإيرانيين وأتباع الولي الفقيه حول العالم ولاسيما في لبنان والعراق لقتل السوريين وقمعهم بغرض إخضاعهم لنظام شمولي غارق في الاستبداد والفساد والطائفية ؛ يؤكد أن الدموع التي يزرفها أدعياء صداقة الشعب السوري الدوليين هي دموع زائفة لتماسيح أو خادعة لمنافقين .
كما أن تضاعف الرقم المطلوب لميزانية الأمم المتحدة بأكثر من أربعة أضعاف خلال عام واحد ينذر في حال استرسال المؤسسة الدولية المناط بها حفظ ( الأمن والسلم الدوليين ) في سياساتها اللامبالية إلى ان يطالب الأمين العام للأمم المتحدة المستقيل سياسيا في الأعوام المقبلة بميزانيات ذات أرقام تتجاوز الطوق الدولي ..
إن الشكر الذي سجلناه لكل المانحين لن يمنعنا من أن ننوه إلى الأشقاء العرب والمسلمين أن البذل المشكور المحمود لن يحقق المرتجى منه إلا إذا شُفع بتتبع مسار هذه الأموال وأين تقع من أيدي المستحقين الحقيقيين ..
وإنه لأمر بالغ السوء أن يعرف الجميع أن نصيبا كبيرا من أموال المانحين في العام الماضي غذت عن طريق المنظمات الدولية مشروع القتل والإجرام كما غذت القتلة والمجرمين وأخطأت طريقها إلى المقصودين بها من مستحقيها الحقيقيين .
وإنه حين توضع أموال المانحين في يد الأمين العام للأمم المتحدة لينفقها حسب منظومة القوانين التي تحكمه فهي توضع ضمنا بيد بوتين الروسي الذي يشرد بأسلحته المدمرة الشعبي السوري وبيد خمنئي الذي يمنح جواز سفر إلى الجنة لكل طائفي يقتل طفلا سوريا وفي يد بشار الأسد وبشار الجعفري اللذين لا يزال المجتمع الدولي يصغي لهما ..
لقد سمع العالم الكثير من التصريحات لمنظمات إنسانية بأنها تضطر لإفراغ حمولتها الإغاثية حيث يقرر ويسمح بشار الأسد وشبيحته . ومن هنا يبدو أن أموال المانحين تنتهي حيث لم يريدوا أبدا ..
إن من حق الشعب السوري كما من حق المانحين ليطمئنوا على أموالهم أن يستصدر السيد بان كيمون من مجلس الأمن قرارا مطمئنا وضامنا يمنح المنظمات الإغاثية الدولية الحق في إيصال المساعدة الإنسانية في وقتها إلى الجهات المستحقة دون أي وصاية أو إعاقة من عصابة القتل والإجرام ..
وإنه مما يثير العجب أن تجد دولة مثل روسية التي دمر سلاحها في سورية كل شيء مقعدا في مؤتمر المانحين . أو ان تجد دولة مثل إيران التي أعلنت نفيرا دوليا لأتباع الولي الفقيه لقتل السوريين مكانا في هذا المؤتمر
ولقد شكت المنظمات الإنسانية من وعود خلبية تقدمت بها دول مثل روسية وكوريا واليابان في مؤتمر المانحين السابق حيث كانت صكوك الوعود التي تقدمت بها هذه الدول بلا رصيد ..
إن حجم الكارثة التي حلت بالشعب السوري أكبر من أن يحتويها مؤتمر مثل مؤتمر الكويت . وهي كارثة سيكون لها تداعياتها المفتوحة على الزمان لعقد بل ربما لعقود . وحين تعلن الجمعية العامة للأمم المتحدة إن ما تواجهه هو أكبر تحد إنساني في تاريخ المنظمة فإن المشهد يتطلب من أصحاب الجرح الحقيقي تفكيرا من نوع جديد . تفكير يصون المال ويكرس المعونة ويرشد التدبير . تفكير يقوم على معطى قوله تعالى ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ..).
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية