الهدية المسمومة ـ ملاحظات حول التطبيع المغربي ومغربية الصحراء
في بداية الأزمة الخليجية عندما قررت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصار دولة قطر، يوم 5 يونيو 2017 وقفت الحكومة المغربية موقف المحايد، بل أرسلت طائرة من المساعدات الإنسانية لقطر، ليس لأن قطر بحاجة إلى المساعدات، بل للتعبير عن موقف مبدئي يرفض أسلوب الابتزاز والتهديد واستعراض القوة عند تفاقم الخلافات العربية العربية، خاصة بعد الدرس الذي دفع ثمنه العرب جميعا عندما قام صدام حسين صبيحة الثاني من أغسطس 1990 بابتلاع الكويت. فبينما أعلنت قطر عن امتنانها للمغرب، انطلقت أبواق الإعلام السعودي الإماراتي تنتقد الموقف المغربي بحدة، وأصبح الحديث عن الصحراء الغربية، موضوعا مفضلا لدى تلك القنوات، وبدأ يظهر الخط الفاصل بين المغرب والصحراء الغربية، في كل الخرائط التي تعرض على شاشات «العربية» وأخواتها.
في 27 أكتوبر الماضي، وفي اتصال هاتفي مع الملك المغربي، أعلن محمد بن زايد ولي عهد دولة الإمارات عن قراره بفتح أول قنصلية عربية في العيون عاصمة الصحراء الغربية، الملك رحب بهذا القرار واعتبره «يجسد موقف الإمارات الثابت في الدفاع عن حقوق المغرب المشروعة وقضاياه العادلة… وهو قرار ليس بغريب عن دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها الحكيمة، في نصرة القضايا العادلة والمشروعة».
الشعوب العريقة، غير المصنعة في مختبرات القوى الاستعمارية، لا يمكن أن تخون هويتها وثقافتها وعقيدتها وتاريخها
* بتاريخ 10 ديسمبر أعلن الرئيس الأمريكي في تغريدة على حسابه، أن المغرب وإسرائيل وبوساطة صهره جاريد كوشنر، توصلا إلى اتفاق للتطبيع بينهما، يشمل الاعتراف الكامل والتبادل التجاري والرحلات الجوية المباشرة. وفي الوقت نفسه وقع الرئيس الأمريكي مرسوما يعترف فيه بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. المقايضة واضحة: التطبيع مقابل الاعتراف بمغربية الصحراء. محمد بن زايد وجاريد كوشنر لعبا الدور الأساسي لتخريج الصفقة. الإمارات منذ أعلنت عن اتفاقية التطبيع مع الكيان، لا شغل لها إلا توسيع شبكة المطبعين مقابل المال والإغراءات الاقتصادية الأخرى. نجحت في اصطياد عسكر السودان وحكومة المغرب. عـُمان وموريتانيا والسعودية على الطريق، والمفاوضات قد تكون قطعت مسافة تقترب من خط النهاية على الأقل مع بعضها.
التطبيع باق ومغربية الصحراء هدية معنوية
* النظام المغربي أقام علاقات سرية مع الكيان الصهيوني منذ عام 1961 منذ تسلم الحسن الثاني مقاليد الحكم بعد موت مفاجئ لمحمد الخامس، الذي رفض تهجير اليهود المغاربة إلى الكيان بين عامي 1956 و1961. تعززت العلاقة بين نظام الحسن الثاني والكيان الصهيوني، خاصة بعد أن ساعد جهاز الموساد النظام بالتخلص من الثائر المغربي الكبير المهدي بن بركة، الذي تم تذويبه في الأسيد عام 1965 فتم تسهيل هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل، مقابل ثمن مادي حيث وصل ما يزيد عن 200000 مهاجر مغربي. كان يقدر عدد سكان يهود المغرب بربع مليون يهودي عام 1948، لم يبق منهم في المغرب عام 2017 إلا نحو 2000. لقد ظل اليهود المغاربة أعلى نسبة سكان من بلد واحد في إسرائيل، لغاية تدفق المهاجرين الروس بعد عام 1990. الملك كان لا يخفي هذه العلاقات والزيارات الرسمية وغير الرسمية مستمرة. الملك هو الذي استضاف المفاوضات بين إسرائيل ومصر، التي توجت باتفاقية كمب ديفيد. كما استضاف عدة مؤتمرات صهونية وعزز التبادل التجاري، كما حل العديد من المسؤولين الإسرائيليين ضيوفا على المخزن المغربي، إضافة إلى تبادل الفرق الفنية والأفلام والمغنين وغير ذلك الكثير. النظام المغربي كان يتحين الفرص للحاق بركب الإمارات والبحرين، وكانت المفاوضات على الثمن. الملك لم يكن قادرا على التوصل لاتفاقية التطبيع فقط، ولو فعلها لخرجت الملايين في شوارع المدن والبلدات المغربية تهتف ضد التطبيع، الذي تعتبره الغالبية الساحقة من المغاربة خيانة وطنية. فكانت التخريجة، التطبيع مقابل الاعتراف بمغربية الصحراء من قبل الرئيس الأمريكي ترامب. ولا يمكن لرئيس أمريكي غير ترامب أن يقدم مثل هذه الهدايا المعنوية. كما فعلها في الجولان والقدس. التطبيع سيبقى… أما الاعتراف بمغربية الصحراء فلا يتعدى كونه اعترافا معنويا، لا يغير من وضعية الصحراء القانوني، كأراض متنازع عليها حسب القانون الدولي. ولو كان الأمر بتلك السهولة لاكتفت المغرب بنحو 15 دولة أفريقية تعترف بمغربية الصحراء وبعضها فتح قنصليات في العيون.
الوضع القانوني للصحراء
تحل مشكلة الصحراء بطرق قانونية ثلاث:
أولا: أن تتخلى جبهة البوليساريو طوعا عن موضوع حق تقرير المصير، الذي نصت عليه كل قرارات الأمم المتحدة بداية من قرار مجلس الأمن 380 الصادر بتاريخ 6 نوفمبر 1975 الذي طالب المغرب بالانسحاب من الصحراء المغربية و»وقف المسيرة الخضراء». والقرار 690 لعام 1991 الذي أقر وقف إطلاق النار بعد 15 عاما من حرب الرمال، وأنشأ بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الاستفتاء في الصحراء الغربية MINURSO لتقرير مصير الصحراويين، إذا ما كانوا يفضلون الانضمام للملكة المغربية أو الاستقلال، وصولا إلى القرار الأخير رقم 2548 الذي اعتمد بتاريخ 30 أكتوبر 2020 والذي يدعو في نقطته الرابعة إلى استئناف المفاوضات، من أجل التوصل «إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، على أساس من التوافق يكفل لشعب الصحراء تقرير مصيره، في سياق ترتيبات تتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة». كل تلك القرارات نصت على حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، أو شعب الصحراء الغربية، كما تصر فرنسا على تسميته بالتنسيق مع المغرب.
ثانيا: يتم إجراء الاستفتاء وتأتي النتيجة لصالح الاندماج في المملكة المغربية.
ثالثا: يصدر قرار عن مجلس الأمن بغالبية تسعة أصوات إيجابية، بدون استخدام الفيتو من أي من الدول دائمة العضوية، يقر مشروع الحكم الذاتي ضمن وحدة التراب المغربي، ويقفل الملف وينهى عمل البعثة الأممية.
هذه الخيارات الثلاثة غير ممكنة وغير واقعية في الظروف الحالية، ولذلك ستبقى الأمور كما هي عليه في الوقت الحاضر. هناك خيار رابع أقرب إلى الأمنية أو الحلم، وهو إعلان وحدة دول المغرب العربي بين الدول الخمس، وإلغاء الحدود والتحول إلى دولة عظمى تمتد من حدود السنغال في الجنوب الغربي إلى حدود مصر شرقا، بعدد سكان يزيد عن المئة مليون.
* القانون الدولي لا تصنعه دولة ولا تلغيه دولة. الجولان لن تصبح أرضا إسرائيلية لأن ترامب قال ذلك. والقدس لن تصبح إسرائيلية للسبب نفسه. وكوسوفو لم تأخذ مكانها بين الدول، رغم اعتراف الولايات المتحدة بها وكل دول الاتحاد الأوروبي ولو عرضت عضويتها على مجلس الأمن لاصطدمت بالفيتو الروسي، وتايوان ليس معترفا بها كدولة رغم عدد الدول التي تتعامل معها على هذا الأساس، ولو عرضت عضويتها على مجلس الأمن لاصطدمت بالفيتو الصيني، وفلسطين لم تأخذ مقعدها بين دول العالم كدولة كاملة العضوية، رغم اعتراف 141 دولة بها، ولو طرحت عضويتها على مجلس الأمن لاصطدمت بالفيتو الأمريكي، والقرم ليست جزءا من روسيا حتى لو سيطرت عليها مستذكرة التاريخ والجغرافيا، ولو عرضت على مجلس الأمن للاعتراف بها جزءا من الاتحاد الروسي لاصطدمت بالفيتو المكعب الأمريكي البريطاني الفرنسي. وبانتظار تغيير آلية التصويت في مجلس الأمن وإلغاء الفيتو ستبقى الأمور كما هي.
* المغرب نادرا ما يذكر مدنه المحتلة فعلا من قبل إسبانيا، خاصة مدينتي سبتة ومليلية، والريف المحاذي للمتوسط بينهما، وعدد من الجزر القريبة غير المأهولة. ولو صرف المغرب جزءا من جهوده لإثبات مغربية الصحراء على طرح قضية مدنه المحتلة فعلا لتغيرت الصورة تماما. وما عليه إلا أن يذهب إلى محكمة العدل الدولية ويقدم أوراقه لإثبات أنها مدن مغربية. وقد حاول المغرب أن يثبت من خلال محكمة العدل الدولية أن الصحراء مغربية إلا أنه فشل في ذلك، وجاء الرأي القانوني مخيبا للآمال، ما اضطر المغرب لأن يقر القرار منقوصا على طريقة «ولا تقربوا الصلاة». وأنصح كل من يشك في هذا الكلام أن يراجع الرأي الاستشاري الصادر بتاريخ 16 أكتوبر 1975. ولو أن الإمارات العربية أنفقت جزءا من ملياراتها لاستعادة جزرها الثلاث المحتلة من قبل إيران منذ عام 1971 لكانت قد نجحت في ذلك، أو على الأقل أبقت القضية في عين الاهتمام الدولي بدل تجنيد ألوف المرتزقة وإرسالهم إلى اليمن وإريتريا وليبيا وهرجيسيا في شمال الصومال وغير ذلك.
* في الأخير نحن نثق بصلابة موقف الشعب المغربي الذي نعرفه عن قرب ونعرف أنه لن يرضخ للتطبيع، وكذلك الشعب السوداني العريق فالشعوب العريقة، غير المصنعة في مختبرات القوى الاستعمارية، لا يمكن أن تخون هويتها وثقافتها وعقيدتها وتاريخها لتحضن هذا الكيان المسخ الذي يهدف إلى زعزعة الاستقرار في كل الوطن العربي، والاستيلاء على خيراته، ولنا عبرة في الشعبين المصري والأردني العريقين. فالشعوب في المحصلة لا تنتحر ولكنها ستقاوم، كما فعلت موجات الربيع العربي، التي ما أن تكاد تهدأ حتى تثور من جديد.
وسوم: العدد 908