مخيم اليرموك... رهينة العجز والمؤامرة

عبد الله خليل شبيب

عبد الله خليل شبيب

[email protected]

عشرون الفا , هم من تبقى ممن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا , من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان , وبقي معهم قرابة ثلاثون الفا آخرين , ممن تقطعت بهم سبل الوعي , وطلبوا أمرا بعيد المنال , وطاشت حساباتهم , ولعلهم الآن يراجعون حسابات , لو استقبلوا منها ما استدبروا لما وقعوا في ما ظنوه لهم حرزا من الحصار أو مخرجا من المأزق. يحيط بهؤلاء جميعا حثالة من الطائفيين والمرتزقة , ومن الحاقدين والموتورين , وتجار الدماء , والانتهازيين , وممن فقدوا الحس الديني والقومي والانساني , يمكنك أن تصنفهم أرهابيين دون أن يرف لك جفن , ودون ان تشعر ولو للحظة بأنك تسرعت أو أخطأت , يطلقون الرصاص على الشيوخ والاطفال والنساء , ليس لأنهم يخافون منهم , أو لانهم ارتكبوا جرما , بل لأنهم يخشوا أن تفوتهم فرصة قبض الفدية الموهومة , وظنا منهم أنهم يرضون اسيادهم مدعي الممانعة والمقاومة , التي تبين لاحقا أنها ممانعة مأجورة , بل وعميلة أن اردت أن تذهب بها ليس بعيدا عن الحقيقة المرة التي تكشفت بعد أن رأيت البأس المذخور يتحول فجأة الى صدور الشعب المخدوع بزعامات صنعها وهم الاعلام وسحر الاكاذيب التي ملأت الأسماع ولم تر منها العيون الا سرابا يحسبه الظمآن ماءا , حتى اذا جاءه وجد الخيانة عنده تملأ الجو وتزكم الانوف وتصدم  القلوب , رأيت الكيماوي الذين كنت تعتز بوجوده يدمر وجودك , ورأيت البراميل التي كنت تحسبها طورت لحرب عدوك تتنزل على رأسك , ورأيت الحزب الذي كنت تعتز بمقاومته شبحا وشيطانا يقض مضجعك , ويستبيح عرضك ويقتل اطفالك , حتى كدت تظن أنه يحسن بك مراجعة كل شيء ,و إعادة تفسير وشرح كل شيء , من الف باء البدايات الى أن تصل الى الحالة المزرية التي أنت فيها , ولا تعرف الى اين تمضي بك .

مخيم اليرموك , كما تل الزعتر من قبل , شاهد على أن مأساة النهايات مؤشر على فساد البدايات , وأن ما نحن فيه ليس غريبا ولا مفاجئا , ولكنها تعمى القلوب التي في الصدور حين تغيب البصيرة ولا يكون فرقانا اساسة التقوى , ذهبنا في لحظة الخداع المتقن نهتف باسم القتلة ظنا منا انهم تابوا وأنابوا , فتقادم الزمن , وتباعد التاريخ قد يغير طبائعهم , ولكنهم في لحظة الحقيقة ارتدوا الى اصولهم , وادركوا أن أباهم كان ذئبا , ولم يستطيعوا أن ينسلخوا من أصلهم .

مخيم اليرموك , أفقد فرية الحرب على الارهاب معناها , وأطاش سهمها , فهل يمكن أن يتحدث أحد عن الحرب على الارهاب وهو يرى صمت اساطين مخترعيها على من يمارسه جهارا نهارا و مع سبق الاصرار والترصد وأمام أعين الكاميرات , وعلى عينك يا تاجر , وهو يرى الاطفال والنساء والشيوخ  يموتون قصفا وقهرا وجوعا وحرمانا , ولا يحرك ساكنا .

مخيم اليرموك نزع الشرعية بقسوة عمن ظنوا أن كذبة الممثل الشرعي والوحيد سيستمر حبلها الى ما لا نهاية , فحين قتل اللاجئون في مخيم اليرموك وحوصروا على يد نفر ممن ينتمون بنسب الى شرعية التمثيل , لم يبق للتمثيل سوى الرحمة ولكم من بعده طول البقاء .

مخيم اليرموك , بصق في وجه الهيئات الدولية التي تدعي رعاية الامن والسلم الدوليين , وعرى جبنها , وكشف زيفها وانحيازها الى الظلم والرعب والارهاب الذي ادعت أنها خصمه , ولقنها درسا لن تنساه ما دام هناك ذاكرة للشعوب .

مخيم اليرموك , نعى أمة عربية واحدة , لسان حالها يقول (لا تصدقوا كل ما تسمعون ) ففي لحظة واحدة صارت الامة الواحدة جسد هامد بلا راس , وأصاب الشلل أطرافها , وتقطعت أوصالها فهي بلا حس ولا ضمير ولا كرامة .

مخيم اليرموك , يا وجع فلسطين المغدورة , يا وجع الامة العربية المقهورة , يا وجع الامة الاسلامية التائهة , يا وجع العالم الخسيس المتواطيء على كل مبادئه من حقوق الانسان والعدالة والحق الضائع الغائب في زمن العلو الصهيوني وتحكمه في مفاصل هذا العالم الغبي المتظاهر زيفا ونفاقا .اصبر فليل الظالمين لن يطول فبعده فجر صادق.