مسرحية جنيف2

مسرحية ساخرة من مشهد واحد

طريف يوسف آغا

[email protected]

 بعد النجاح الباهر لمسرحية مؤتمر جنيف1 في منحها الشرعية والوقت لنظام الأسد ليستمر في فعل مايجيده أكثر من أي شئ آخر، قررت الجهة المنتجة تقديم الجزء الثاني وربما ليس الأخير.

 تفتح الستارة على قاعة المؤتمر وفيها الوفود المشاركة. الوفود الراعية كانت من الدول الخمس العظمى، أمريكا وروسيا وفرنسا وانكلترا والصين، حيث يترأس كل وفد وزير الخارجية ويجلس خلفه موظفين اثنين بالعدد. وفد نظام الأسد أيضاً كان مؤلفاً من ثلاثة أعضاء بحيث يجلس رئيسه المائل إلى البدانة وأمامه (طنجرة كوسا محشي)، بينما يجلس خلفه إلى جهة رجل بسكسوكة خفيفة وأمامه ديوان شعر لنزار قباني، وإلى الجهة الثانية رجل بنظارات سوداء تبدو عليه هيئة المخابرات وأمامه (جوزة متة). أما وفد المعارضة السورية فكان الأكبر بين الوفود المشاركة، حيث تعداده بالعشرات وحيث يمثل كل واحد منهم عقيدة أو فكر أو حزب أو اتجاه، واللافت للنظر أنهم أصروا جميعاً على الجلوس في الصف الأمامي لعدم الانتقاص من زعامة أو قدر أي واحد فيهم. الملفت للنظر أيضاً جلوس شخصين غامضين وبنظارات سوداء (للتخفي) على يمين كل من الوزيرين الأمريكي والروسي ولايبدو أن أي واحد منهما ينتمي للوفد الجالس معه. فالجالس إلى يمين الوزير الأمريكي له سوالف طويلة وملتفة بشكل حلقات، والجالس إلى يمين الروسي يضع على رأسه عمامة سوداء وله لحية وبيده مسبحة.

 رئيس المؤتمر، الذي يبدو أنه من الشرق الأقصى، يعلن افتتاح الجلسة، فيبدي (قلقه) من حجم العنف و(استياءه) من مستوى القتل و(إدانته) للمجازر و(تنديده) بالارهاب و(دعوته) لايقاف الأعمال العسكرية في سورية مع التأكيد على دعمه لإيجاد (حل سياسي)، ثم يعطي الكلمة للوسيط المزدوج العربي- الأممي لحل الأزمة. يقف الرجل ذو البذلة الخضراء متهالكاً على نفسه ويطلب من المتفاوضين تحكيم (لغة العقل) وايجاد حل على مبدأ (تبويس الشوارب ونحن أولاد اليوم وعفا الله عما مضى). وهنا يقاطعه رئيس الوفد الأسدي ويسأل عن إمكانية إحضار (صحن سلطة) وكاسة (دايت بيبسي) لأنه يتبع نظام ريجيم. أحد العضوين الجالسين خلفه يأخذ سحبة متة من الجوزة مخلفاً مزيجاً من القرقعة الممتزجة بضحك بقية أعضاء الوفود، ويسأل فيما إذا كان مسموحاً بالتدخين، كونه (خرمان) على سيكارة (حمرا). أما العضو الثاني فيفتح ديوان الشعر أمامه وينشد من قصيدته المفضلة (دمشق ياكنز أحلامي ومروحتي *** أشكو العروبة أم أشكو لك العربا؟)، ثم يقف ويتهم أعضاء الوفود الغربية بأنهم سبب المذبحة السورية بسبب دعم بلادهم وحلفائهم العرب للارهاب. وهنا يقف رئيس الوفد الفرنسي ويلوح بورقة بيده ويرد على عضو الوفد الأسدي قائلاً: هل أنا بحاجة لأفضحكم وأقول ماذا طلب منا الجد الأكبر لرئيسكم حين كنا منتدبين على سورية؟ يسارع الرجل الغامض الجالس إلى يمين الوزير الأمريكي ويهمس في أذنه، فيتدخل الأخير ويقول للفرنسي بأنه لاداعي لذلك لأنه سبق وتم استعمال هذه الوثيقة في مناسبة سابقة، وأن هدف المؤتمر هو حل المشكلة وليس إطلاق الفضائح وكشف المستور.

 يقف الوزير الروسي ويقول بأن على المؤتمر أيضاً مناقشة مشكلة الارهاب والتطرف المستورد إلى سورية من دول أجنبية وبدعم وتسليح من دول خارجية. وهنا يسارع الرجل الغامض الآخر ذو العمامة السوداء واللحية والمسبحة ويهمس في أذن الروسي بطريقة تدل على عدم الرضى، فيرتبك الأخير ويشعر وكأنه ارتكب (زلة لسان) وكأن كلامه يدين حلفاؤه قبل خصومه. فعاد وقال بأنه إنما كان يقصد الارهاب الديني ومقاتليه من أصحاب اللحى، فيسارع جاره الغامض ويهمس في أذنه بسرعة مرة ثانية وبحركة تدل هذه المرة على الغضب، فيبدو الروسي أكثر ارتباكا وكأنه كمن (أراد أن يكحلها فعماها)، فعاد وقال أنه إنما يقصد الارهاب السلفي السني التكفيري الملتحي حصراً. وهنا عاد الرجل الغامض الجالس بجانب الوزير الأمريكي وهمس في أذنه ثانية، فقام الأخير بالغمز لرئيس المؤتمر وأومأ له باتجاه الوزير الروسي، فما كان من الرئيس إلا أن وقف وقاطع الوزير الروسي شاكراً له على مشاركته ومعتذراً على مقاطعته لضيق الوقت، ثم أعطى الكلمة لرئيس الوفد البريطاني. وقف الأخير وقال أن حكومته كانت تتمنى المشاركة في عملية عسكرية مع شركائها الغربيين لمعاقبة الأسد على استعماله الكيماوي، ولكن البرلمان لم يسمح بذلك، والحكومة عادة تنفذ رغبة الشعب الممثلة بالبرلمان. وقبل أن يجلس سحب منديلاً أبيضاً من جيبه وتظاهر بمسح دمعة جرت على خده وقال: إلا أني أريد أن أوكد وقوفنا مع الشعب السوري (بمشاعرنا) ودعمنا له (بقلوبنا) وتقديرنا لتضحياته النبيلة (بأحاسيسنا) وتأييدنا لمطالبه المشروعة (بضمائرنا).

 أعطى رئيس المؤتمر الكلمة بعد ذلك لرئيس الوفد الصيني الذي كان أكثر اختصاراً وصراحة من غيره حيث قال بأنه ليس لديه مايقوله وأنه يوافق على مايوافق عليه الوزير الروسي ويعارض مايعارضه، فشكره الرئيس وأعطى الكلمة للمعارضة السورية. قبل أن يتكلم رئيس الوفد، فاجأ واحد من أعضاء وفده الجميع بالوقوف وأخذ المايكرفون دون إذن. كان يشبه بنظارته السوداء الرجلين الغامضين الجالسين إلى يمين الوزيرين الأمريكي والروسي، مع فارق أنه لم يكن جالساً إلى يمين رئيس وفده، وإن كانت تعابير وجهه (المقلوبة) تدل على أنه يعتبر نفسه (زعيماً) كبقية الأعضاء. بعد أن وقف وثبت نظارته، قال بأنه مستعد لمساعدة الشعب السوري بأن يتفاوض باسمه مع النظام، وأنه سيتنازل ويتواضع ويوافق على استلام الرئاسة بعد تنحي بشار، وأنه يعد بالمصالحة الوطنية وبترخيص المواد التموينية وإعادة بناء البلد. وهنا وقف (زعيم) آخر من أعضاء الوفد وقال له: ماذا تفعل أنت هنا ومن سمح لك بالحضور؟ ألست رئيس سرايا الدفاع السابق وجزار تدمر وحماة ؟ فاستاء الرجل من السؤال وأجاب متلعثماً: أبداً أبداً، ولاأعرف ماذا تعني بسرايا الدفاع، كما لاأعرف أصلاً أين تقع تدمر أو حماة فأنا لم أزرهما في حياتي، وقد سمعت عن تلك المجازر من وسائل الاعلام حين كنت منشغلاً بعملية بناء الجامعات ومعاهد الدراسات العليا. وهنا وقف (زعيم) آخر من الوفد المعارض وقال: نحن أصلاً نرفض التفاوض على أي حل سياسي لايتضمن رحيل الأسد مع أسرته وكامل نظامه، ولكن يمكن قبول التفاوض معه فقط من أجل وضع خطوات للمرحلة الانتقالية. فما كان من رئيس الوفد، والذي يشبه (أبو عنتر) وموشوم على عضلة إحدى ساعديه (ياباطل)، إلا أن وقف وصفعه قائلاً: ومن سمح لك بالقبول أو الرفض دون التشاور معنا؟ ولم ينه الرجل كلامه حتى انقض أعضاء الوفد المعارض على بعضهم بالشتائم والتخوينات التي سرعان ماتحولت إلى لكمات وركلات وسط سرور أعضاء باقي الوفود وتصفيقهم.

 وسط كل هذا الصخب، غمز الرجل الغامض الجالس بجانب الوزير الأمريكي، والذي يبدو أنه هو الرئيس الحقيقي للمؤتمر، غمز للرئيس المفترض، فوقف الأخير وأعلن عن إيقافه للجلسة وإنهائه لأعمال المؤتمر ودعوته للتحضير لجنيف3 حين تكون الظروف أكثر ملائمة والوفود أكثر استعداداً للحوار والتفاوض وتبويس الشوارب. وهنا تسدل الستارة على صوت رئيس وفد النظام وهو يعترض ويصرخ غاضباً: وماذا بخصوص صحن السلطة وكاسة البيبسي؟